بعد موجة ازدهار غير مسبوقة امتدت لما يقارب خمس سنوات، بدأ سوق العقارات في دبي يُظهر مؤشرات واضحة على التباطؤ، في وقت تقترب فيه الإمارة من تجاوز أطول دورة ارتفاع متواصلة في تاريخها. فوفقًا لبيانات شركة ريدين Reidin، من المنتظر أن تكسر دبي رقمها القياسي السابق البالغ 57 شهرًا من الزيادات المتتالية في الأسعار.

هذا التباطؤ انعكس بوضوح على فئة المضاربين، إذ تراجعت عمليات إعادة بيع الوحدات غير المكتملة من نحو ثلث السوق إلى 20% فقط في يوليو، وفقًا لمنصة بروبرتي مونيتور Property Monitor، التي حذّرت من أن تحقيق أرباح سريعة قبل التسليم لم يعد مضمونًا كما كان.

مرحلة تصحيح مرتقبة

خلال السنوات الماضية، كانت مبيعات الوحدات السكنية قيد الإنشاء والفلل الفاخرة الجاهزة المحرك الرئيس لصعود الأسعار في دبي، مدفوعة بموجة من المضاربات والطلب المتزايد من المستثمرين الأجانب. 

غير أن المحللين وخبراء وكالات تصنيف ائتماني باتوا يرون أن السوق وصل إلى مرحلة التشبع النسبي، مع توقعات ببدء تصحيح تدريجي في الأسعار مطلع العام المقبل، على نحو خاص مع دخول آلاف الوحدات الجديدة إلى السوق شهريًا.

سوق العقارات في دبي يُظهر علامات تباطؤ بعد طفرة استمرت خمس سنوات

Pexels

تشير بيانات بروبرتي مونيتور إلى أن السوق شهد منذ بداية العام طرح نحو 93 ألف وحدة سكنية جديدة، شكّلت الشقق أكثر من 95% منها، في وقت ما زال الطلب يتركز على الفلل والمنازل الفاخرة المخصصة للعائلات الثرية والمستثمرين من الفئة العليا. 

يُظهر هذا التفاوت المتزايد بين العرض والطلب أن السوق بدأ يختبر فعليًا مدى قدرته على امتصاص الطروحات الجديدة، خصوصًا في الفئات المتوسطة والدنيا التي تشهد تباطؤاً في المبيعات، مقارنة بالقطاع الفاخر الذي لا يزال يحافظ على زخم نسبي بفضل المشترين الأجانب.

من جانبها، توقعت وكالة موديز Moody’s أن يؤدي اكتمال نحو 150 ألف وحدة سكنية بين عامي 2025 و2027 إلى تهدئة الارتفاعات الحادة في الأسعار، مرجحة حدوث تصحيح طفيف بدءًا من عام 2026، فيما رجّحت وكالة فيتش Fitch في تقرير سابق تراجع الأسعار بما يصل إلى 15%، معززة توقعاتها بأن السوق يتجه إلى مرحلة استقرار أكثر واقعية بعد سنوات من النمو المتسارع.

سوق أكثر نضجًا رغم مؤشرات التباطؤ

رغم مؤشرات التباطؤ الأخيرة، ما زالت الأسعار في دبي حتى اللحظة عند مستويات مرتفعة، إذ تجاوز متوسط السعر لكل قدم مربعة الذروة عام 2014 بنحو 25%. 

ويعزو الخبراء ذلك إلى تدفّق المستثمرين الباحثين عن فرص بأسعار أقل من المدن الغربية، إلى جانب النمو السكاني المتسارع الذي يعزّز الطلب على الوحدات السكنية في الإمارة، التي ترسّخ مكانتها بوصفها مركزًا عالميًا منخفض الضرائب وجاذبًا للمقيمين ذوي الدخل المرتفع.

يؤكد الخبراء أن السوق العقاري في دبي أكثر نضجًا اليوم مقارنة بالدورات السابقة، مستندين إلى إصلاحات تنظيمية وتشريعية عززت الشفافية وحمت المستثمرين من مخاطر المضاربات قصيرة الأجل. ومع ترقّب السوق لمرحلة التوازن المقبلة، يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت دبي قادرة على الحفاظ على جاذبيتها من دون الاعتماد على زخم المضاربات الذي غذّى طفرتها الأخيرة.