يبدو أننا حقيقةً لا نعرف قيمة الأشياء إلا عندما نوشك على فقدانها. لكن في الوقت الذي أصبحت فيه الإلكترونيات تتحكم بالعديد من جوانب حياتنا، بما في ذلك التجهيزات الميكانيكية في سياراتنا، وفيما يلوح في الأفق شبح السيارة الكهربائية، أخذ بعض صنّاع السيارات على عاتقهم إعادة إحياء التاريخ المجيد لطرز سيطرت على مخيلة الأجيال، بل ذهبوا إلى حد إثراء ابتكاراتهم بالسمة الجوهرية التي صنعت مجد مركبات الماضي: متعة القيادة الرياضية الخالصة التي لا تحقق الانتقال بأسرع ما يمكن بين نقطة وأخرى، بل تضمن أن تكون تجربة القيادة نفسها هي الهدف بغض النظر عن الوجهة المقصودة.
نستعرض في ما يأتي ثلاثة من هذه الابتكارات هي: Carrozzeria Superleggera Veloce 12 التي تحيي طراز 550 مارانيللو من فيراري، وGMSV S1 LM من غوردن موراي التي تستحضر تاريخ ماكلارين F1، وKimera EVO37 التي تُعيد سرد رواية لانسيا 037.

Carrozzeria Superleggera Veloce 12

إذا كانت كاريرا 911 هي أول ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر اسم بورشه، وإن كانت كونتاش هي التي تلوح في الخيال عند الحديث عن لامبورغيني، فالسبب هو أن هذين الطرازين يشكلان أصدق تعبير عن شخصية الصانع. لكن الأمر مختلف في حالة فيراري، إذ يصعب اختزال ما تمثله علامة الحصان الجامح في عالم السيارات بطراز واحد. ولا نعلم إن كان السبب في ذلك هو أنّ مراكز أبحاث القلعة الحمراء ومصانعها وفّرت على مدى ما يقارب ثمانين عامًا الكثير من الطرز الرائدة والمميزة، أو في كون العلامة تأبى التكرار وتبدل دائمًا أسماء سياراتها المتعاقبة.

 لكن المؤكد هو أنّ فيراري 550 مارانيللو ليست بمستوى البعض من شقيقاتها التي حملت بصمة تاريخية مميزة مثل Ferrari F40، أو 250 GTO أو حتى تيستاروسا. إنها ليست بالضرورة واحدة من أعظم سيارات الحصان الجامح، لكنها هي التي اختارها القيّمون على شركة تورينغ كاروتزيريا سوبرليجيرا Carrozzeria Touring Superleggera لمشروع إعادة تصميم وتحديث قبل إطلاقها تحت اسم Veloce 12 لنسخة الكوبيه وVeloce 12 Barchetta للنسخة المكشوفة ذات السقف القماشي. على أن اختيار دار التعديل الإيطالية لطراز 550 مارانيللو خصوصًا لم يأتِ من فراغ، فهو يمثّل واحدة من سيارات حقبة التسعينيات الأكثر أناقةً، وإحدى أحدث سيارات فيراري التي توفر تجربة قيادة نقية بعيدة إلى حد كبير عن تعقيدات الأجهزة الإلكترونية.

جُهّزت فيلوتشي 12 بعلبة تروس يدوية تتصل بمحرك من 12 أسطوانة بدون أي شاحن توربيني لتعيد التذكير بأنّ التجهيزات الإلكترونية، والشاشات، حتى سرعة الانتقال بين نقطة وأخرى ليست الأسباب الرئيسة التي تدفع الهواة لتكبد مبالغ كبيرة مقابل الحصول على سيارة رياضية عالية الأداء. فما ينشدونه حقيقةً هو متعة القيادة الخالصة التي لا تكتمل إلا بتجهيزات ميكانيكية تسمح للسائق بالتحكم بالسيارة بشكلٍ مباشر. هذا ما كانت عليه سيارة 550 مارنيللو، وهذا ما تتيحه اليوم سيارة فيلوتشي 12.  

في هذه المأثرة، لم يحاول الصانع إخفاء نسبها إلى 550 مارانيللو، بل حافظ على خطوط التصميم الخارجية نفسها تقريبًا، ولكن مع بعض التعديلات الطفيفة التي يمكن ملاحظتها على غطاء المحرك بعد أن أصبح يشتمل على فتحة تهوية ضمن نفق منحوت بشكلٍ أكثر وضوحًا في الوسط، وعلى المصابيح الأمامية التي جُرّدت من الغطاء الزجاجي وباتت مدعومة بالصمامات الثنائية الباعثة للضوء LED. 

بموازاة ذلك، أُعيد تصميم المصد الأمامي بالكامل، مع تجهيزه بفتحة أكبر وفتحات جانبية عميقة توجّه الهواء حول جانبي السيارة التي أصبحت أطول وأعرض مقارنة بطراز 550 مارانيللو. وفيما أعيد رسم المؤخرة لتحاكي ما كان عليه الحال في مصدر الإلهام ولكن مع خطوط أكثر وضوحًا، بقيت المصابيح الخلفية الدائرية المكوّنة من قطعتين على ما هي عليه من حيث الشكل ولكنها باتت تعتمد تقنية LED.

بقي تصميم المقصورة أيضًا مطابقًا لتصميم 550 مارانيللو، ولكنها تدثرت بكسوة جلدية أعلى جودة بلون بني مميز وأثرتها بعض التفاصيل المعدنية الأنيقة، خصوصًا على مستوى الأزرار ومفاتيح التحكم بتجهيزات المقصورة ضمن عملية معالجة للمشكلة الرئيسة التي كانت تعانيها سيارات فيراري في التسعينيات، أي مفاتيح وأزار التحكم البلاستيكية التي كانت تذوب وتصير لاصقة تحت تأثير عوامل المناخ. هذا واستفادت الدوّاسات من تصميم شبكي رياضي أنيق، فيما جرى تعديل عدادات لوحة القيادة لتصبح أكثر عصرية.

تحت الهيكل المصنوع يدويًا من ألياف الكربون، تحافظ السيارة على محرك فيراري الأصلي نفسه، المؤلف من 12 أسطوانة سعة 5.5 لتر ولكن بعد إعادة بنائه وتجهيزه بمبرّدات جديدة ونظام عادم حديث لتعزيز قوته بمقدار 25 حصانًا وصولاً إلى قوة إجمالية تبلغ 503 أحصنة، وتصل إلى العجلات الخلفية عبر علبة تروس يدوية من ست نسب.  

أعيد رسم المؤخرة في Veloce 12 لتحاكي ما كان عليه الحال في مصدر الإلهام ولكن مع خطوط أكثر وضوحًا.

أعيد رسم المؤخرة في Veloce 12 لتحاكي ما كان عليه الحال في مصدر الإلهام ولكن مع خطوط أكثر وضوحًا.

GMSV S1 LM 

عند مشاهدة الصور التي نستعرضها في هذه الصفحات، قد يخال البعض أنّ ما نتحدث عنه هنا ليس إلا نسخة أعيد إنتاجها من ماكلارين F1، أول سيارة مجازة للقيادة على الطرقات من الصانع البريطاني الشهير، ولكن مع بعض التعديلات البصرية الطفيفة التي تهدف لمواكبة العصر. ولكن الحقيقة هي أن سيّارة S1 LM ليست من إنتاج ماكلارين، بل هي باكورة قسم المشاريع الخاصة في شركة غوردن موراي أوتوموتيف، وقد نُفذت بطلب من زبون لم يكشف عن اسمه وأراد الحصول على خمس نسخ من سيارة تحاكي إلى حدٍ بعيد طراز F1 GTR من ماكلارين، صاحب الفوز الكبير في سباق لومان 24 ساعة لعام 1995.

على صعيد التصميم الخارجي، من الصعب علينا وصف شكل السيارة من دون الإشارة إلى التشابه الكبير بينها وبين F1: المصابيح الأمامية الرقيقة ذات التصميم العصري تكتمل بخطوط تحاكي تصميم مصابيح F1 الشهيرة، والقسم الجانبي أيضًا يحمل الطابع التصميمي نفسه، ولكن مع بعض التعديلات الدقيقة، شأنه في ذلك شأن القسم الخلفي الذي بات يستفيد من ناشر هوائي بتصميم عصري ينسجم مع التطور الذي طال هذا النوع من التجهيزات المعززة لمزايا الديناميكية الهوائية خلال العقود الثلاثة الماضية.

ولكن مقابل هذا التشابه الكبير مع السيارة التي يُراد اليوم إحياء مجدها، اختار غوردن موراي قلبًا مختلفًا لهذه المأثرة، إذ إنها تستفيد من محرك كوزورث الشهير الذي أنتج خصوصًا لطراز GMA T.50، والذي يتألف من 12 أسطوانة سعة 4.3 لتر مع قدرة على الدوران حتى سرعة 12,100 دورة في الدقيقة، أي أنه محرك صغير نسبيًا (في العادة تكون المحركات المكوّنة من 12 أسطوانة أكثر سعة) ولكنه قادر على الدوران وصولاً إلى سرعاتٍ عالية، شأنه في ذلك شأن محركات سيارات السباق. 

تكتمل المصابيح الأمامية في سيارة GMSV S1 LM بخطوط تحاكي تصميم مصابيح F1 الشهيرة.

تكتمل المصابيح الأمامية في سيارة GMSV S1 LM بخطوط تحاكي تصميم مصابيح F1 الشهيرة. 

وهذا يعني أنّ أداء السيارة وتجربة قيادتها يختلفان كل الاختلاف عن السيارة القديمة المحتفى بها، والتي كان محركها من إنتاج بي إم دبليو بسعة 6.1 لتر وسرعة دوران قصوى لا تزيد على 7,500 دورة في الدقيقة.

قد لا نحظى بفرصة قيادة S1 LM لنحدد مقدار هذا الاختلاف، لا سيّما أن إنتاج هذا الطراز يقتصر على خمس نسخ فقط ولصالح زبون واحد. ولكن من البديهي أن تكون تجربة قيادة سيارة مجهّزة بهذا النوع من المحركات، مع علبة تروس يدوية من ست نسب توفر الشعور الميكانيكي المنشود والنادر بعض الشيء في أيامنا هذه، أمرًا في غاية الروعة. 

أما في ما يخص المقصورة الداخلية، وكون S1 LM تقوم على أساسات طراز T.50، فكان من السهل على فريق التصميم اعتماد تركيبة المقاعد الثلاثة مع وضعية قيادة وسطية ومقاربة مبسّطة تركّز على متطلبات القيادة.

 فالمقود مثلاً مجرّد من أي مفاتيح تحكم، لكنه يتمايز بتصميم كلاسيكي يذكّر بحقبة أقدم من الحقبة التي أنتجت فيها سيارة F1 من دون أن يخلو من بعض اللمسات العصرية، شأنه في ذلك شأن المقاعد ذات التصميم العصري الذي تثريه تفاصيل كلاسيكية مثل الجلد المطرز أو القماش الذي يحمل نقشًا يحاكي ما كان متوفرًا في سيارات السباق في خمسينيات القرن الماضي وستينياته.

 أما لوحة القيادة، فتزاوج أيضًا بين الحداثة والكلاسيكية، إذ دُمجت في إطارها التقليدي شاشات عالية الوضوح لعرض معلومات القيادة، وعداد لقياس سرعة دوران المحرك.

تستفيد السيارة من محرك يتألف من 12 أسطوانة سعة 4.3 لتر، قادر على الدوران وصولاً إلى سرعاتٍ عالية.

تستفيد السيارة من محرك يتألف من 12 أسطوانة سعة 4.3 لتر، قادر على الدوران وصولاً إلى سرعاتٍ عالية.

 Kimera EVO37 

 عندما تجتمع كلمتا إيطاليا ورياضة السيارات، تتبادر إلى الأذهان سيارة سباق حمراء تعبر خط النهاية تحت علم مُرقط. إنها بالطبع فيراري التي أحرزت لقب بطولة العالم للصانعين ست عشرة مرة، وسجلت 15 فوزًا بجائزة السائقين و247 فوزًا في جوائز كبرى، فضلاً عن تطويرها مجموعة متنوّعة من الطرز المرخصة للسير على الطرقات والتي تتمايز شكلاً ومضمونًا على نحو تُحبس له الأنفاس. 

وبالرغم من أن فيراري حكاية قد لا تتكرر، إلا أنّ ثمة صانعًا إيطاليًا آخر عرفت سيارته مجدًا لا يقل أهمية عن مجد الحصان الجامح، ولكن ليس على حلبات السباق، بل فوق طرقات العالم وتحت سمائها، بمختلف تضاريسها ومناخاتها، ضمن بطولة العالم للراليات. والحديث هنا عن شركة لانسيا التي رغم غيابها لأكثر من 30 عامًا عن ساحات البطولة، تبقى الصانع الذي حقق أكبر عدد من البطولات، ومنها 10 ضمن بطولة العالم للصانعين.

على أن الأرقام على أهميتها لا تختصر دومًا كامل الرواية. فبطولات لانسيا العشر لم تُقدم لها دائمًا على طبق من فضة. بل إن بعضها تحقق بشق الأنفس، وبعد مواجهة شرسة مع منافسين تسلحوا بتقنيات كان من شأنها أن تغير قوانين اللعبة، وقد غيّرتها حقيقةً ولكن ليس قبل أن تقول لانسيا كلمتها الأخيرة. ففي موسم عام 1983، تمكّنت سيارة لانسيا 037 ذات الدفع الخلفي من التفوق على أودي رغم أن التوقعات كلها كانت تشير إلى أنّ تقنية الدفع الرباعي الثورية التي قدمتها الشركة الألمانية آنذاك لعالم الراليات ستسيطر على مجريات البطولة. وبذلك سجلت العلامة الإيطالية الفوز الأخير لسيارة ذات دفع خلفي في تاريخ البطولة. 

وهذا المجد الكبير هو ما أراد متسابق الراليات الإيطالي لوكا بيتي إحياءه مع Kimera EVO37 التي تتمتع بخطوط خارجية مستوحاة إلى حد كبير من بطلة موسم 1983.

تعتمد إيفو 37 على هيكل السيارة الأصلية التي بُنيت عليها لانسيا 037 في الماضي.

تعتمد إيفو 37 على هيكل السيارة الأصلية التي بُنيت عليها لانسيا 037 في الماضي. 

تعتمد كيميرا إيفو 37 على هيكل السيارة الأصلية التي بُنيت عليها لانسيا 037 في الماضي، أي بيتا مونتي كارلو، لذا سعت كيميرا للحصول على أكبر عدد ممكن من نسخ هذا الطراز القديم لتحويلها إلى نماذج من طراز إيفو 37 ودمجت فيها مجموعة متنوعة من التقنيات الحديثة للخروج بسيارة تلبي متطلبات العصر في مجال السلامة، ولكن تبقى وفية لإرث لانسيا من دون أن تفقد أهم سمة يمكن أن تتوفّر في أي سيارة: متعة القيادة النقية البعيدة عن الإلكترونيات وتعقيداتها.

استعانت كيميرا ببطل العالم للراليات مرتين ميكي بياسيون للمساعدة في تطوير الهيكل، بالتعاون مع المهندس الإيطالي الشهير سيرجيو ليموني. أما المحرك الذي تنتجه شركة إيتال تيكنيكا لحساب كيميرا، فقد أُنجز تحت إشراف كلاوديو لومباردي الذي تولى في الماضي تطوير محركات لانسيا. 

يتألف محرك السيارة من أربع أسطوانات سعة لترين، قادر على توليد قوة 505 أحصنة وقوة عزم دوران تبلغ 550 نيوتن متر، فيما تُوجّه القوة نحو العجلات الخلفية فقط مع خيار علبة تروس تتابعية يمكن التحكم بنسبها من خلال عتلات مثبتة على عمود المقود على ما هو عليه الحال في السيارات الرياضية الحديثة، أو علبة تروس يدوية من ست نسب أكثر وفاءً لإرث الماضي. وغني عن القول إن النُسخ التي طلبت من السيارة حتى الآن كانت كلها مجهزة بالخيار الثاني.

على مستوى المظهر، لم يكن تصميم لانسيا 037 بحاجة إلى الكثير من اللمسات العصرية ليبدو مناسبًا ليومنا هذا، ولكن الأمر كان مختلفًا على صعيد التصميم الداخلي. فلضمان أن يتماشى تصميم مقصورة إيفو 37 مع ما كان عليه الحال في سيارات الماضي، اختارت لها كيميرا كسوة من جلد ألكانتارا مع حياكة فاخرة، ما حقق تشابهًا واضحًا مع التصميم الداخلي لسيارات الرالي في مطلع ثمانينيات القرن الفائت. ولكن رغم ذلك، فإنّ مادة ألياف الكربون الظاهرة بوضوح داخل السيارة، بما في ذلك في المقاعد، تضفي على المقصورة طابعًا جذابًا حقيقةً.