يبدو أن اليخوت النووية تخرج من إطار الخيال إلى فضاء النقاش الجاد في القطاع البحري. فمع إعلان شركة فيدشيب Feadship الهولندية انضمامها إلى منظمة الطاقة النووية البحرية نيمو NEMO، باتت فكرة الدفع النووي على متن القصور العائمة أكثر حضورًا من أي وقت مضى.
ورغم أن إطلاق يخت نووي ليس أمرًا وشيكًا، إلا أن هذه الخطوة تمثل إشارة واضحة إلى أن مستقبل الطاقة البديلة في هذه الصناعة بدأ يطرق الأبواب.
تحديات الدفع النووي في اليخوت
لكن الطريق نحو الدفع النووي في عالم اليخوت ليس مفروشًا بالورود، إذ تبرز مجموعة من التحديات التقنية والتنظيمية التي لا يمكن تجاهلها، ومن أبرزها سبل ضمان أعلى معايير السلامة لتفادي أي تسرب إشعاعي، وآليات التعامل مع الوقود المستهلك بعد انتهاء عمره التشغيلي، إلى جانب التساؤلات القانونية والبيئية حول السماح ليخوت مزودة بمفاعلات نووية بدخول الموانئ والمياه الإقليمية في مختلف دول العالم.
ورغم هذه العقبات، إلا أن دخول شركات كبرى على خط البحث والتطوير يشير إلى أن الصناعة تتعامل مع هذه التحديات بوصفها فرصًا لإعادة تعريف مستقبل الإبحار الفاخر.
وفي قلب هذا النقاش تبرز المفاعلات المعيارية الصغيرة، وهي أنظمة مدمجة يجري تطويرها لتكون أكثر أمانًا وكفاءة، ويمكن وضعها بسهولة في غرفة محركات يخت بطول 150 قدمًا، فيما تختلف تقنياتها بين مفاعلات الملح المنصهر، وأنظمة التبريد بالرصاص أو الأنابيب الحرارية.
بفضل حجمها المدمج، وخصائصها الآمنة، وقدرتها على توفير مدى إبحار شبه لا نهائي، تُعد هذه المفاعلات التقنية الأكثر واقعية لتحويل مفهوم اليخوت الخالية من الانبعاثات من طموح نظري إلى واقع ملموس.
ويعبّر عن هذا التوجه خيديو لوڤ، رئيس الابتكار في فيدشيب، بقوله: "قد لا تكون الطاقة النووية حلاً قصير المدى، لكنها بالتأكيد جزء من الأفق البعيد. ومن مسؤوليتنا أن نستكشفها بطريقة آمنة ومستدامة".
Feadship
إرث من الابتكار
لا تأتي خطوة فيدشيب الأخيرة بمعزل عن مسار طويل من الابتكار في مجال أنظمة الدفع النظيفة. فمنذ عام 2015، رسّخت الشركة مكانتها الرائدة في هذا المجال بإطلاق يخت سافانا Savannah، الذي كان أول يخت هجين يجمع بين الديزل والكهرباء، في محاولة لخفض الانبعاثات من دون التضحية بالأداء.
ولم تتوقف عند ذلك، بل تابعت رحلتها بإطلاق المفهوم التصوري بريكثرو Breakthrough، الذي اعتمد بالكامل على الهيدروجين الأخضر النقي، ما مثّل نقلة نوعية في الحلول لتحقيق انبعاثات صفرية.
في المقابل، لم تقف الشركات الأخرى مكتوفة الأيدي. فقد دخلت علامة لارسن Lürssen الألمانية السباق عبر يخت كوزموس Cosmos، الذي يعمل بالميثانول بوصفه وقودًا بديلاً، فيما طورت شركة سان لورينزو Sanlorenzo الإيطالية خلايا وقود تعتمد على الميثانول لتشغيل يخوتها الصغيرة، ما يفتح الباب أمام تطبيقات مرنة ومستدامة في مختلف الأحجام والاستخدامات.
هذا الزخم المتصاعد يؤكد أن البحث عن بدائل نظيفة للدفع البحري لم يعد ترفًا تقنيًا أو ترويجًا بيئيًا، بل تحوّل إلى مسار استراتيجي تتنافس فيه كبرى الشركات العالمية لصياغة مستقبل الإبحار الفاخر.