في عالم تُعيد فيه كبرى شركات السيارات رسم خرائطها نحو المستقبل الكهربائي، تقف فيراري عند مفترق طرق، حيث يلتقي إرث السرعة والشغف بأحدث تقنيات الدفع الكهربائي.
وفيما تتحرك الأسواق بخطى حذرة نحو التحوّل الكهربائي الكامل، يبدو أن مارانيلو، حيث تُصاغ الأساطير الإيطالية على عجلات، لا يزال يختبر نبض عشّاق الحصان الجامح قبل إعلان التغيير الجذري.
ففيما تُواصل الشركة استعداداتها لإطلاق أولى سياراتها الكهربائية بالكامل في أكتوبر 2025، كشفت وكالة رويترز عن قرار تأجيل مشروع السيارة الكهربائية الثانية إلى أجل غير مسمّى، بسبب ما وُصف بأنه "انعدام في الطلب".
وفقًا لمصدر مطّلع على خطط الشركة، فإن "الطلب المستدام على هذه الفئة من السيارات الرياضية غير موجود حالياً"، في إشارة مباشرة إلى تردّد الزبائن الأثرياء، القاعدة الذهبية لفيراري، في تبنّي التقنية الجديدة. وفيما تتجه أنظار السوق إلى التحوّل، لا تزال مشاعر الزبائن تميل إلى ما هو مألوف ومجرّب: صوت المحرك، واستجابة دواسة الوقود.
الخطة الأصلية كانت تقضي بأن يكون الطراز الأول إنتاجًا محدودًا يجسّد قدرات فيراري في تقنيات الدفع الكهربائي، يليه طراز ثانٍ أكثر طموحًا مخصص للإنتاج التجاري الموسّع، يُطرح في الأسواق عام 2026. لكن التقديرات التجارية المتواضعة دفعت فيراري إلى اتخاذ قرار بإرجاء الطرح الثاني حتى عام 2028 على الأقل، بسبب ضعف الطلب على الطراز المخصص للإنتاج على نطاق واسع.
وبالرغم من أن الكهرباء ليست غريبة بالكامل عن مسيرة فيراري، إلا أن المسألة تختلف تمامًا حين تتحول إلى فلسفة تصنيع متكاملة.
فطرازا LaFerrari وSF90 Stradale، اللذان استُخدمت فيهما تقنيات هجينة، لقيَا إشادة واسعة عند إطلاقهما في 2013 و2019. لكن أن تتحوّل فيراري إلى علامة كهربائية بالكامل؟ هنا تبدأ الاستفهامات والاعتراضات.
Ferrari
فقد عبّر عدد كبير من عشاق العلامة عن قلقهم حيال ما وصفوه بفقدان الطابع، بينما أبدى آخرون، وربما بواقعية أكبر، مخاوفهم من زيادة الوزن الناتج عن البطاريات، وهو أمر من شأنه أن يؤثر على ديناميكية القيادة، وتحديدًا على تجربة القيادة الحسية التي تميّز سيارات فيراري.
مع ذلك، تمضي فيراري قدمًا في مشروع سيارتها الكهربائية الأولى، والتي من المتوقع أن تُطرح بسعر يقارب 585 ألف دولار. ويجري تطوير هذه السيارة في منشأة جديدة خصصتها الشركة لهذا الغرض، ضمن خطة تمتد لثلاث مراحل، من المنتظر أن تنتهي بحلول ربيع عام 2026، على أن تبدأ عمليات التسليم في أكتوبر من العام نفسه.
وقد اختارت فيراري أن تكون هذه السيارة أكثر من مجرد استجابة للسوق، بل تسعى لتكون عرضًا تقنيًا يحمل توقيعها الخاص، ويثبت أن بإمكانها دخول هذا المجال من دون المساس بجوهر العلامة.
لكن فيراري ليست وحدها التي تواجه هذه المفارقة. فالمشهد العالمي لصنّاع السيارات الرياضية الفاخرة يشهد موجة مراجعة شاملة لاستراتيجيات التحوّل الكهربائي.
فشركة أستون مارتن، على سبيل المثال، أرجأت هي الأخرى إطلاق أول سيارة كهربائية لها، وقد علّق رئيسها التنفيذي، لورانس سترول، على هذا القرار قائلاً: "العملاء يريدون أصواتًا، لا يريدون سيارة صامتة". أما بورشه، فقد أعلنت أخيرًا أنها ستُبقي محركات الاحتراق الداخلي ضمن خططها على المدى القريب، في إشارة إلى تحوّل داخلي في قراءة السوق.
حتى مازيراتي، التي كانت من بين أولى الشركات الإيطالية إعلانًا عن نواياها في مجال المركبات الكهربائية، أقدمت على خطوة أكثر حسمًا، بإلغاء مشروع MC20 Folgore بعد خمس سنوات من التطوير، مبررة القرار بـغياب الاهتمام التجاري من قبل الجمهور المستهدف.
هذه المؤشرات مجتمعة تعكس فجوة ليست تقنية أو اقتصادية فحسب، بل عاطفية وتسويقية، بين ما تراه الشركات على أنه "مستقبل الصناعة"، وما يتمسّك به الزبائن بوصفه جوهرًا لا غنى عنه لتجربة القيادة الرياضية الرفيعة.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن تأجيل المشروع الثاني ليس قرارًا تكتيكيًا فحسب، بل محاولة واضحة لتفادي مغامرة باهظة الكلفة، في وقت لا تضمن فيه الأرقام عائدًا يوازي الاستثمار.
فتطوير سيارة كهربائية رياضية يفرض ميزانيات ضخمة، من البحث والتطوير إلى التسويق والبنية التصنيعية. وعندما يكون الإقبال ضعيفًا، تتحوّل هذه المشاريع إلى عبء استثماري لا يُبرره الطلب.
كما أن ارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في البطاريات، إضافة إلى غياب الحوافز الجاذبة في أسواق الفخامة، يجعل تسويق هذه الفئة من السيارات مهمة شاقة، حتى على شركات بحجم فيراري.
ومع أن السبب المباشر للتأجيل يتمثل في ضعف الإقبال، إلا أن فيراري ترى في هذه المهلة فرصة ثمينة لتطوير التقنيات الكهربائية الداخلية بالكامل، بعيدًا عن الموردين الخارجيين، وهو توجه يعكس إيمان العلامة بأن التحكم الكامل بالبرمجيات والهندسة هو السبيل الوحيد للحفاظ على توقيع فيراري الأصيل، حتى في زمن الكهرباء.