تحف ميكانيكية تعانق التاريخ وتحكي عن زمنٍ تفرّد فيه الإبداع. سيارات نادرة، وأساطير صنعت لحظات لا تُنسى على الحلبات والشوارع. هذا هو العالم الذي يفتحه مزاد آر إم سوذبيز في مونتيري، حيث تتحول المعادن إلى أيقونات وتُكتب الأساطير بأرقام قياسية تفوق الخيال.

هذا الحدث السنوي بمنزلة احتفالٍ بالتراث والتميّز، يتنافس فيه الأثرياء على اقتناء قطع استثنائية تحمل توقيع الزمن. ومع تصاعد الإثارة عامًا بعد عام، نأخذكم اليوم في جولة بين أبرز السيارات التي حققت أرقامًا قياسية في هذا المزاد الفريد، لنسلّط الضوء على أبرز القصص وراء هذه التحف المتألقة.

Ferrari 250 GT California Spider - 1964

وُلدت هذه السيارة في ذروة العصر الذهبي للسيارات، واختارت جنيف منصة إعلانها. إنها Ferrari 250 GT California Spider، التي صُمّمت خصوصًا لتجسّد الأداء السباقي في ثوب من الأناقة الإيطالية. 

أبصرت هذه النسخة النادرة النور عام 1962، بهيكل خارجي أنيق من تصميم سكالييتي Scaglietti، فيما احتضنت في قلبها محرك V12 بسعة 3.0 لترات من تطوير جيواتشينو كولومبو، مزوّد بثلاثة مكربنات ويبر Weber، وقادر على توليد ما يقارب قوة 240 حصانًا، ما جعلها مثالية للسير على الطرقات والانطلاق على الحلبات على حد سواء. 

إن محركها الذي صاغته خبرة تقنيي مارانيلو، وألوانها الأصلية التي بقيت وفيّة لهوية المصنع، منحاها مكانة استثنائية بين عشّاق السيارات الكلاسيكية. 

لم تُعرض Ferrari 250 GT للبيع من قبل؛ لكنها سجّلت في مزاد مونتيري عام 2023 سعرًا بلغ 17.05 مليون دولار، لتتربّع على قائمة المزاد. 

Ferrari 250 GT California Spider - 1964

RM Sotheby’s

Ferrari 250 LM - 1964

وما إن انطفأت أضواء هذه الصفقة، حتى أطلّت سيارة أخرى من العصر نفسه؛ لكن برؤية أكثر رياضية وندرة. Ferrari 250 LM، التي اقتصر إنتاجها على اثنتين وثلاثين نسخة فقط، كانت أول طراز من مارانيلو مزوّد بمحرك وسطي خلفي، ما شكّل آنذاك قفزة جريئة في هندسة سيارات السباق. 

استمدّت السيارة تصميمها من طراز 250 P، وجهّزت بمحرك V12 سعة 3.3 لتر من تطوير جيواتشينو كولومبو، قادر على توليد أكثر من 320 حصانًا، ما منحها أداءً خارقًا مهد لها طريق المجد. 

حملت إرثها إلى مضامير السباق بقيادة أساطير مثل رون فراي وجاك موريس وسجّلت إنجازًا تاريخيًا بفوزها في سباق لومان عام 1965، لتكون بذلك آخر فيراري تفوز بهذا السباق ضمن الفئة العامة. إن بيعها في مونتيري مقابل 17.6 مليون دولار عبّر عن تاريخ حيّ ينبض خلف عجلة القيادة.

Ferrari 250 LM - 1964

RM Sotheby’s

McLaren F1 LM-Spec - 1994

وإذا كانت فيراري قد رسّخت حضورها في النصف الثاني من القرن الماضي، فإن تسعينياته حملت توقيعًا مختلفًا. فقد ظهرت McLaren F1، التي اختصرت مفهوم "السيارة الخارقة" في تجربة واحدة. 

نسخة LM، المزوّدة بمحرك V12 سعة 6.1 لتر من تطوير بي إم دابليو، استُمدّت مباشرة من سيارة السباق F1 GTR الفائزة بسباق لومان عام 1995، مع حزمة ديناميكية متقدمة تتضمن موزّع هواء خلفيًا وعاكسًا أماميًا كبيرًا وجناحًا يمنحها ثباتًا استثنائيًا. 

لم يُصنع منها سوى خمس نسخ، ما جعلها أحد أندر الطرز التي تحمل توقيع مصمم السيارات الشهير غوردون موراي. وقد بيعت بسعر 19.8 مليون دولار ما جعل منها مرجعًا في سوق المزادات.

McLaren F1 LM-Spec - 1994

RM Sotheby’s

Alfa Romeo 8C 2900B Lungo Spider - 1939

وبالعودة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، حين كانت السرعة امتدادًا للفن، تقف Alfa Romeo 8C Lungo Spider شاهدة على مرحلة شكّلت الملامح الأولى لفخامة الأداء. 

صُمّمت هذه النسخة تحديدًا على قاعدة طراز 8C 2900B Lungo الطويلة، وجاءت بهيكل أنيق من تصميم شركة كاروتزيريا تورينغ Carrozzeria Touring الإيطالية، باستخدام تقنية فائقة الخفة. 

أما القلب الميكانيكي، فكان محركًا مكوّنًا من ثماني أسطوانات بسعة 2.9 لتر مع شاحنَين توربينيين، من تطوير شركة ألفا روميو نفسها، وقادر على توليد نحو 180 حصانًا، ما جعلها من أسرع السيارات على الإطلاق في ثلاثينيات القرن العشرين.

بهندسة تسبق عصرها، ومزيج من الأداء والرشاقة، تحوّلت السيارة إلى مرجع في التصميم والابتكار، وبيعت مقابل 19.8 مليون دولار، ما كرّس بريقها بعد عقود من الصمت النبيل.

Alfa Romeo 8C 2900B Lungo Spider - 1939

RM Sotheby’s

Aston Martin DP215 - 1963

في الوقت الذي كانت فيه ألفا روميو تركز على ملامح الأناقة، كانت بريطانيا تبحث عن التفوّق في مضمار لومان. وهكذا ظهرت Aston Martin DP215، السيارة النموذجية التي طوّرتها الشركة خصوصًا للمشاركة في سباق التحمل عام 1963، بوصفها خلاصة برنامج التطوير الداخلي بقيادة المهندس تيد كاتينغ.

كانت DP215 أسرع من نافس في ذلك السباق، إذ بلغت سرعتها القصوى 305 كيلومترات في الساعة على خطّ مولسان، بفضل محرك مكون من ست أسطوانات بسعة 4.0 لترات، جُهّز بنظام حقن مباشر للوقود مستمدّ من تقنيات سيارات الفورمولا 1 آنذاك. 

تصميمها الانسيابي الذي أبدعه قسم التصميم داخل الشركة، ومحركها المجهّز للانطلاق، جعلاها تتجاوز مختلف التوقعات، وبيعها بسعر 21.4 مليون دولار عزّز مكانتها: واحدة من سيارات السباق البريطانية الأعلى قيمة في مزادات السيارات الكلاسيكية.

Aston Martin DP215 - 1963

RM Sotheby’s

Jaguar D-Type XKD 501 - 1955

ومن أسطورة أستون مارتن ننتقل إلى أسطورة أخرى من تراث جاكوار. سيارة D-Type، التي طوّرتها الشركة في منتصف الخمسينيات، وفازت بسباق لومان عام 1956 بقيادة فريق إيكوري إيكوس Ecurie Ecosse الاسكتلندي، كانت تجسيدًا عمليًا لمدرسة التصميم البريطاني، حيث التقاء الجمال بالدقة. 

استند تصميمها إلى بنية أحادية متقدّمة، مع هيكل خارجي انسيابي صاغه المهندس مالكولم ساير، المتخصّص في مزايا الديناميكية الهوائية. 

أما المحرك، فكان سداسي الأسطوانات بسعة 3.4 لتر، مزوّد بثلاثة مكربنات وقادر على الوصول بسرعة قصوى تتجاوز 270 كيلومترًا في الساعة. المزايدة التي شهدها المزاد كانت بحجم تاريخها، لتنتهي ببيعها بسعر 21.7 مليون دولار، مسجّلة رقمًا قياسيًا آنذاك لأعلى سعر يُدفع في سيارة من إنتاج جاكوار.

Jaguar D-Type XKD 501 - 1955

RM Sotheby’s

Ferrari 410 Sport Spider - 1955

قريبًا من أصداء الحلبة نفسها، عادت فيراري للواجهة مع 410 Sport Spider، السيارة التي جمعت بين السائق الأسطوري خوان مانويل فانجيو، بطل العالم خمس مرات في الفورمولا 1، والسائق والمصمّم الأمريكي كارول شيلبي الذي أصبح لاحقًا أحد أهم الشخصيات في صناعة السيارات الأمريكية. 

صُمّمت هذه السيارة خصوصًا لسباقات المسافات الطويلة في أمريكا خلال أواخر الخمسينيات، وحملت تحت هيكلها محركًا من نوع V12 سعة 4.9 لتر قادرًا على توليد أكثر من 400 حصان. 

ما منحها أداءً لا يُضاهى في عصرها. شاركت في أكثر من 40 سباقًا، وحققت خلالها عددًا كبيرًا من الانتصارات بقيادة شيلبي، الذي وصفها بأنها "أعظم سيارة فيراري تسابق بها على الإطلاق". بيعت بسعر 22 مليون دولار، لتؤكد من جديد أن التاريخ لا يُقدّر بثمن.

Ferrari 410 Sport Spider - 1955

RM Sotheby’s

Aston Martin DBR1 - 1956

وإن كانت فيراري قدّمت تحفة فنية، فإن DBR1 من أستون مارتن رفعت سقف التحدي. إنها سيارة رافقت عمالقة السباق مثل السير ستيرلينغ موس، أحد أبرز سائقي الفورمولا 1 في خمسينيات القرن العشرين، والسائق والمصمّم الأمريكي كارول شيلبي الذي شارك بها قبل أن يؤسس إمبراطوريته الخاصة في صناعة السيارات. 

وُلدت DBR1 في منتصف الخمسينيات بوصفها سيارة سباق تحمل طموح بريطانيا إلى الانتصار في سباق لومان، وزُوّدت بمحرك مكوّن من ست أسطوانات بسعة 2.5 لتر، ثم طُوّر لاحقًا إلى 3.0 لترات، بقدرة تقارب 250 حصانًا، مع هيكل خفيف وانسيابي يُبرز فلسفة أستون مارتن في الدمج بين الرقي والأداء. 

استحقت السيارة موقعها في ذاكرة الحلبات، خصوصًا بعد فوزها التاريخي في لومان عام 1959. لم يكن بيعها في مزاد آر إم سوذبيز بسعر 22.55 مليون دولار مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لمكانتها.

Aston Martin DBR1 - 1956

RM Sotheby’s

Ferrari 275 GTB/C Speciale - 1964

وجاءت اللحظة التي التقت فيها الندرة بالدقة. Ferrari 275 GTB/C Speciale، السيارة التي اعتبرها كثيرون أكثر تفرّدًا حتى من طراز 250 GTO الأسطوري، طُوّرت عام 1964 بوصفها طراز سباق نخبويًا بامتياز، لم يُنتج منه سوى ثلاث نسخ فقط.

كانت في بدايتها محط جدل بسبب وزن هيكلها المصنوع من الألمنيوم الرقيق، والذي قيل إنه لا يُحقّق الصلابة المطلوبة؛ لكنها تجاوزت ذلك بفضل هندسة دقيقة اعتمدت على تقنيات مأخوذة من الفورمولا 1، ومحرك من نوع V12 سعة 3.3 لتر، قادر على توليد قوة تفوق 320 حصانًا. 

ظهورها في سباق لومان كان تأكيدًا على تفرّدها، وبيعها بسعر 26.4 مليون دولار كان تتويجًا لهذه الرحلة، ودليلًا جديدًا على مكانتها بوصفها واحدة من أندر وأهم سيارات السباق في تاريخ مارانيلو.

Ferrari 275 GTB/C Speciale - 1964

RM Sotheby’s

Ferrari 250 GTO - 1962

ومن الختام إلى الذروة، لا يمكن لقائمة أن تكتمل من دون ذكرها. إنها Ferrari 250 GTO، الأسطورة التي لم تمسها التعديلات، ولم تفقد شيئًا من هالتها. طوّرتها فيراري بين عامي 1962 و1964، ولم يُنتج منها سوى ست وثلاثين نسخة، لتكون جوهرة التاج في تاريخ مارانيلو. 

Ferrari 250 GTO - 1962

RM Sotheby’s

صُمّمت تحت إشراف المهندس جيوتو بيزّاريني وجهّزت بمحرك V12 سعة 3.0 لترات، قادر على توليد قوة 300 حصان. فازت ببطولة العالم للسيارات السياحية ثلاث مرات متتالية، وتربّعت على المنصات في سباقات لا تُعدّ، بما في ذلك سباق لومان وتور دو فرانس Tour de France، وبقيت في الصدارة حتى بيعت بسعر 48.4 مليون دولار، لتُكتب سطورها الأخيرة بلغة لا يفهمها سوى قلة: لغة المجد.