قطعة فرعونية مشبعة بالرموز والقداسة، تخرج من عتمة الأزمنة القديمة لتعتلي منصة المزاد في قلب لندن، حاملة ملامح الكاهن "دجد-حور"، أحد أبرز وجوه الطبقة الدينية في أواخر الأسرة المصرية السادسة والعشرين. 

التابوت، بزخارفه الذهبية المنحوتة بعناية وهيئته المهيبة، يُعرض في مزاد "فن العالم الإسلامي والهند" الذي تنظّمه دار كريستيز في لندن، والممتد حتى 2 يوليو 2025، بوصفه تجسيدًا حيًا للتماهي بين التاريخ المدوّن فوق الخشب المذهّب والنقوش الهيروغليفية التي لم تفقد صوتها بعد. 

ومن المقرّر أن يُطرح التابوت بقيمة تقديرية تراوح بين 180 ألفًا و220 ألف جنيه إسترليني، في عرض يلامس شغف المقتنين الباحثين عن مجدٍ موسوم بأسرار الكهنة القدماء.

القطعة، التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، تتميز بعلوّ يبلغ 183 سنتيمترًا وعرض 48 سنتيمترًا، وقد صُنعت من الخشب المطلي بالجص والمذهّب في تفاصيله الدقيقة، وتحمل نقوشًا هيروغليفية مفعمة بالرمزية العقائدية، تجسّد مشاهد من كتاب الموتى، بما في ذلك آلهة مثل أوزيريس وإيزيس وأنوبيس، إضافة إلى تمائم سحرية تُشير إلى الطقوس الجنائزية المصرية القديمة.

كريستيز تعرض تابوت الكاهن دجد-حور المذهّب بلندن.. قطعة فرعونية تنجو من الزمن

Christie's

تابوت نجا من عبور القرون

بحسب ما يشير إليه خبراء الآثار، فإن الكاهن "دجد-حور" كان من الخدام المكرّسين للإلهة موت، إحدى أبرز الآلهة في المعتقد الديني المصري القديم، ويُرجّح أن دفنه تم في مقبرة طيبة الغربية، المقابلة للأقصر على الضفة الغربية لنهر النيل، حيث دُفن كبار الكهنة والنبلاء. 

وتتميّز هذه القطعة الفريدة بندرتها، إذ تُعد من بين التوابيت القليلة التي نجت من تلك الحقبة المتأخرة من التاريخ الفرعوني، محافظة على هيئتها الأصلية بجدرانها الخشبية المشغولة بعناية، وزخارفها متعددة الألوان التي لم تنل منها قرون الزمان.

كريستيز تعرض تابوت الكاهن دجد-حور المذهّب بلندن.. قطعة فرعونية تنجو من الزمن

Christie's

إن سلامة البنية، وتكامل العناصر الزخرفية، والثراء الأيقوني للنقوش، تمنح هذا التابوت منزلة خاصة بين مكتشفات أواخر حقبة الأسرة السادسة والعشرين، وتجعله شاهدًا على المهارة الفنية التي ظلّت مزدهرة حتى اللحظات الأخيرة من الحضارة المصرية القديمة.

ورغم ما أثاره إدراج التابوت ضمن المزاد من نقاشات مألوفة حول مسألة استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة، لا سيما في ما يتعلّق بالآثار المصرية القديمة، إلا أن دار كريستيز سارعت إلى التأكيد على قانونية خروجه من مصر، مشيرة إلى أنه غادر البلاد قبل عام 1970، وهو العام الذي اعتمدت فيه منظمة اليونسكو اتفاقيتها الدولية المعنية بمنع الاستيراد والتصدير غير المشروع للممتلكات الثقافية. 

وتُعد هذه الإشارة ضرورية في سياق المزادات الدولية، إذ باتت مسألة سلسلة الملكية الشرعية من العناصر الحاسمة في تقييم مصداقية المعروضات الأثرية، وتُمنح لها أهمية بالغة خصوصًا عند التعامل مع إرث حضاري بحجم الحضارة المصرية.