لطالما كان كريس براونريدج مولعًا بالسيارات ومفتونًا بطبيعة عملها ومظهرها وآليات تصنيعها. وغني عن القول إن هذا الشغف قاد مسيرته الممتدة على مرّ ثلاثين عامًا في قطاع السيارات وصولاً إلى تعيينه أواخر عام 2023 في منصبه الحالي رئيسًا تنفيذيًا لشركة رولز – رويس موتور كارز، ليواصل مع فريقه الدفع قدمًا بحدود الممكن في عالم الفخامة منطلقًا من إدراك راسخ لمتطلبات دور يعده امتيازًا ومسؤولية كبرى في آن. 

في جلسة حوارية تجمعنا في المكتب الخاص في دبي، حيث يستكشف زبائن العلامة آفاقًا رحبة لإبداع تولد منه سيارات الأحلام، نغوص في مقاربة براونريدج لهذا الامتياز وهذه المسؤولية التي يختزلها قوله: "إن رولز – رويس هي علامة الفخامة الأشهر في العالم، وتجسيد لمعنى الأفضل حتى بحسب توصيف قاموس المعاني. 

ما نصنعه حقيقةً هو السعي إلى الكمال ليشعر زبائننا دومًا بأنهم يختبرون تجربة متفردة في كل مرة يقودون فيها سياراتهم. إنها مسؤولية ضخمة لكني أقبل عليها بحماسة كبيرة".    

لطالما كان التزام رولز - رويس بالتميّز من أبرز مقوّمات ترسيخ مكانتها على قمة فن صناعة السيارات. كيف تنظرون إلى التحديات التي ينطوي عليها دوركم لجهة الحفاظ على هذا الموقع؟

الحقيقة هي أن ما خبرته منذ تولي هذا المنصب تجاوز من بعيد توقعاتي السابقة عن الشركة وقدراتها. بل إني لم أكن على دراية بما تزخر به من مواهب وشواهد على الإتقان الحرفي والإبداع. لا يخفى على أحد أن رولز- رويس تنتج سيارات غاية في التميّز، لكن ما نصنعه حقيقة هو مآثر فنية متفردة.

 لذا أقول إن ما أراه ليس تحديات بل فرصًا. 

إننا ننشط في مجال تبرز فيه توجّهات جلية في أوساط أصحاب الثروات الذين ينشدون مقتنيات ذات دلالات أعمق، وقدرتنا على الإبداع، وعلى ابتكار سيارات متفرّدة لا شبيه لها يجعلان من رولز- رويس علامة شديدة الصلة بهذا الجمهور. 

بل إن الطلب على سياراتنا يشهد نموًا مستمرًا، عامًا بعد عام. إننا نجلس الآن في المكتب الخاص الذي افتُتح قبل ثلاث سنوات، والذي يبقى اليوم محط استحسان زبائننا، ليس لأنه مكان مميز فحسب، بل لأن ما نبدعه لصالح هؤلاء الزبائن لجهة تحقيق مبتاغهم ينطوي على قيمة خاصة. 

ولذا حرصنا على توسيع شبكة المكاتب الخاصة. منذ انضمامي إلى الشركة، افتتحنا مكتبًا جديدًا في سيول بكوريا، ولدينا أيضًا مكتب افتُتح في شنغهاي عام 2003، وآخر في منطقة ميتباكينغ بنيويورك، وبذلك نكون قد أنشأنا أربعة مكاتب خاصة خارج غودوود. وقد بدا واضحًا لي منذ البداية أنه من الضروري أن يتمكن كل زبون من زيارة غودوود أو، إن تعذر ذلك، أن يختبر هذه التجربة في المكاتب الخاصة. 

لذا أقول إن الفرص تكمن في توفير هذه التجربة وفتح آفاق جديدة أمام زبائننا. لكن هذا يعني أيضًا ازدياد الطلب على سياراتنا، ولهذا بدأنا منذ مطلع هذا العام مشروع توسيع منشأة غودوود لتوفير المساحة اللازمة للمشاريع الأشد تعقيدًا.

كيف تسهم خبرتكم الممتدة على ثلاثة عقود في قطاع السيارات في تشكيل نهجكم لقيادة رولز - رويس نحو المستقبل؟

لقد حظيت بامتياز العمل مع عدد من العلامات، وكان أكثر ما يثير اهتمامي هو إدارة العلامة وتجربة الزبون. أستطيع تطبيق الخبرات والمهارات التي اكتسبتها في هذا المجال في سياق عملي الحالي، غير أن ما أتعلمه اليوم حقيقة يتعلق بالتصنيع والعمل الحرفي، لأنه لا علامة أخرى تضاهي رولز- رويس على هذا الصعيد. 

قبل نحو شهر، أمضيت أسبوعًا كاملًا داخل منشأة الإنتاج في محاولة لتعلّم مختلف التخصّصات. لا يكفي أسبوع واحد لذلك بالطبع، إذ يحتاج المرء على سبيل المثال إلى أكثر من سبعة أشهر ليصبح عضوًا مستقلاً ضمن فريق التجميع. 

لكن قضاء الوقت في هذه البيئة يمنحك تقديرًا حقيقيًا لما تنطوي عليه كل سيارة رولز- رويس، سواء في طريقة تشكيل الألواح المعدنية، أو تنفيذ التطريز، أو فحص الجلود، أو صقل الطلاء. 

عندما تفهم هذه التفاصيل، تبدأ أيضًا بفهم التحديات التقنية، وما يتطلبه الأمر لصناعة كل سيارة رولز- رويس. بل إن هذا ما يعزّز قناعتي بأن الفرصة الأهم أمامنا اليوم هي أن نروي القصص بشكل أفضل. فحتى الزبائن الذين يعرفون رولز - رويس جيدًا يشعرون بالانبهار عندما يرون عن كثب كيف تُبنى سياراتهم.

سيارة Phantom Goldfinger التي تحتفي بالذكرى الستين لانطلاقة فيلم جيمس بوند الشهير "إصبع الذهب"، وتبدو في الخلفية سيارة Phantom III Sedanca de Ville من عام 1937.

BENEDICT CAMPBELL

سيارة Phantom Goldfinger التي تحتفي بالذكرى الستين لانطلاقة فيلم جيمس بوند الشهير "إصبع الذهب"، وتبدو في الخلفية سيارة Phantom III Sedanca de Ville من عام 1937.

شكّل الكشف عن طراز Spectre حدثًا مفصليًا في تاريخ رولز- رويس الممتد على 119 عامًا. كيف تمضي خططكم في مجال التحوّل الكهربائي؟

في أواخر عام 2018 ومطلع 2019، واجهنا تحديًا حقيقيًا، إذ كان العالم يتجه سريعًا نحو التحوّل إلى الطاقة الكهربائية، وكان السؤال المطروح حينها: هل لا يزال بالإمكان إنتاج سيارة رولز - رويس حقيقية في هذا السياق، لا سيّما أننا نشتهر بالسكون الذي يلف مقصوراتنا، وبالإتقان الهندسي البديع لمحرك الاحتراق الداخلي المكوّن من اثنتي عشرة أسطوانة؟ لكن وبعد إطلاق سيارة سبيكتر في عام 2022، يمكنني القول إننا أنجزنا مهمتنا. قدّمنا سيارة لا تأسر الناظرين بجمالياتها فحسب، بل تتيح أيضًا تجربة قيادة متمايزة بمختلف المعايير. 

بل إن من اختبروها من زبائن وإعلاميين أجمعوا على أنها أفضل سيارة رولز - رويس من حيث متعة القيادة. لكن ذلك لم يكن مفاجئًا تمامًا، لأن من يعرف رولز - رويس يعلم أن التوقعات تدور حول الصمت والقيادة الانسيابية التي تشعرك بأن السيارة تطفو على الطريق. 

ومن هنا، فإن نظام الدفع الكهربائي المصمم بعناية يرقى تمامًا إلى مستوى هذه التوقّعات، وهذا ما يجعلني متحمسًا للغاية لما يحمله المستقبل. 

في عالم سيتحوّل تدريجيًا نحو أنظمة دفع جديدة، نستطيع الاستمرار في إنتاج أفضل سيارة في العالم. تجربتنا مع Spectre كانت إيجابية إلى أقصى حد لأننا أمضينا وقتًا طويلاً في الاستماع إلى زبائننا، واستيعاب انطباعاتهم، وسنواصل تقديم طرز كهربائية على القدر نفسه من التميّز. لكن من المهم أن نذكّر أنفسنا بأننا لا نصنع سيارات بل نبتكر مآثر فنية. 

الخبر السار أيضًا هو أن مرونتنا في التصنيع تتيح لنا الاستمرار في إنتاج السيارة المناسبة لكل زبون، سواء كان مطلبه مركبة مجهزة بنظام دفع كهربائي أو بمحرك V12.  

تحتفلون اليوم بالذكرى المئوية لسيارة Phantom التي شكلت على مر عمرها مكافأة منشودة نظير النجاح، ورمزًا للقوة والهيبة.

كيف تضمنون استمرار هذه الأيقونة بوصفها رمزًا للإلهام والطموح والنفوذ في أوساط جيل جديد من صنّاع الذائقة حول العالم؟

من غير المألوف أن ترسّخ سيارة حضورها طيلة مئة عام، لكن هذا ما هو عليه حال طراز فانتوم. فسيارة فانتوم الحالية تجسّد الجيل الثامن من هذا الطراز، وتزامنًا مع مهرجان غودوود للسرعة في دورته الأخيرة، استعرضنا نموذجًا من كل جيل من فانتوم احتفاءً بالذكرى المئوية لهذه السيارة التي تحمل إرثًا عريقًا. ويمكنني القول إن سيارة فانتوم التي ننتجها اليوم يدويًا في غودوود هي أصدق تعبير عمّا تقدمه رولز- رويس، وتُعد احتفاءً حقيقيًا بمئة عام من الإبداع. 

مثال على ذلك سيارة Phantom Goldfinger التي استعرضناها في مهرجان فيلا ديستي. فهذه السيارة المستلهمة من فيلم جيمس بوند الشهير أتاحت لحرفيينا استعراض قدراتهم على نحو مذهل، إذ جاء التنفيذ على أعلى درجات الدقة والابتكار في تقنيات الحرف اليدوية.

أذكر أني في بداية انضمامي إلى رولز- رويس في نوفمبر 2023، وفيما كنت أتجول في القسم التجريبي، رأيت الفريق يعمل على تقنية جديدة لتطعيم الخشب بالذهب. كانوا يتدربون على مهارة جديدة من أجل فكرة سيارة جديدة، وهذا يختصر عقلية الإبداع السائدة في غودوود، حيث الرغبة الدائمة في التفرّد والابتكار. 

ولأن سيارة فانتوم تشكّل المنصة المثالية لمثل هذا الإبداع، أقول بثقة إنها ستحافظ على مكانتها من حيث كونها تمثّل ذروة الإبداع الممهور بتوقيع رولز - رويس.

براونريدج في المكتب الخاص في دبي حيث تولد المفاهيم الإبداعية لسيارات الأحلام المبتكرة حسب الطلب.

MARK FAGELSON

براونريدج في المكتب الخاص في دبي حيث تولد المفاهيم الإبداعية لسيارات الأحلام المبتكرة حسب الطلب.

أشرتم سابقًا إلى رغبتكم في جعل الزبائن أقرب إلى قلب رولز - رويس. كيف تخططون لتعميق هذا الارتباط العاطفي؟

إن الشعار الذي نلتزم به يتمثّل بتحقيق قيمة حقيقية لزبائننا ولمساهمينا على حد سواء. في بداية عملي في الشركة، قمت بجولة في مقر رولز- رويس مع صديق لي يمتلك نماذج عدّة من سياراتنا. قال لي آنذاك: "لا أصدق حجم التفاصيل التي تدخل في صناعة سيارتي". 

استوقفتني ملاحظته، لأنه يعرف رولز- رويس، لكنه لم يكن يدرك حقيقةً ما تختزنه سيارته من تفاصيل. بل إنه لم يكن على دراية بإمكانات التخصيص المذهلة التي نتيحها. ولكن عندما يدرك الزبون كيف تُشكَّل القشور الخشبية يدويًا حول لوحة القيادة، وكيف تُركّب قطع صغيرة مثلثة الشكل وتُطلى بدقة متناهية لتبدو مثالية عند كل لمسة، أو كيف تُنفّذ أعمال تطريز تحمل إيحاءات شخصية، تصبح سيارة رولز – رويس أعلى قيمة على المستوى الشخصي، ويتعمّق هذا الارتباط العاطفي. 

كل هذا يرسّخ هويتنا بوصفنا دارًا تُعنى بالفخامة أكثر من كوننا شركة تصنع سيارات. إننا نقدّم ابتكارات تُصمم حسب الطلب وتُصنّع يدويًا، وهذا هو جوهر شبكة مكاتب رولز – رويس الخاصة، حيث يفتح مصممّونا الأبواب على إمكانيات تخصيص غير متناهية فيما يجيئون بأفكار إبداعية تحقق توقعات الزبائن ورغباتهم، بل تتفوق عليها.  

في عام 2024، سجل قسم "رولز - رويس بيسبوك" عامًا استثنائيًا على مستوى المبيعات، مدفوعًا بطلب قوي على السيارات المصممة حسب الطلب، وكان المكتب الخاص في دبي في قلب هذا الزخم. كيف ترون الدور الاستراتيجي لهذا المركز في رسم مستقبل وحدة بيسبوك؟

كان هذا المكتب في دبي أول محطة لنا خارج مقرنا الرئيس في غودوود، وقد حقق نجاحًا مبهرًا منذ افتتاحه. لكن ما أدركته بوضوح هو أنه لا يمكن تصنيف المناطق أو حصرها في قوالب جامدة. فبغض النظر عن المنطقة، كل زبون يمثّل حالة فردية مستقلة.

يفضّل بعض الزبائن التصاميم الجريئة والباذخة، فيما يميل آخرون إلى لغة تصميمية غير متكلفة ولكن تنطوي على تفاصيل خاصة وشخصية جدًا على مستوى المقصورة. 

ولهذا فإن العلاقة العميقة مع الزبون تمكّننا من تصميم سيارة تُلبّي احتياجاته بدقة متناهية. لا شكّ في أن لمكتب دبي دورًا محوريًا، لكن لكل زبون ذائقته الشخصية وتطلعاته المختلفة، وهو ما يجعل من وجود مكاتب خاصة حول العالم أمرًا بالغ الأهمية. فهذه المكاتب لا تتيح لنا التحدث مع الزبائن فحسب، بل تمكّننا أيضًا من الإصغاء ورصد الميول.

كيف تتصوّرون مستقبل صناعة السيارات؟ وبرأيكم، ما هي العناصر الرئيسة التي ستقود هذا المستقبل؟

عندما أفكّر في رولز - رويس، لا أفكّر في قطاع السيارات. فنحن لا نقارن أنفسنا بشركات السيارات الأخرى، لأننا دار تُعنى بالفخامة في المقام الأول. 

صحيح أننا نبني سيارات، لكن ما نتيحه حقيقة هو الرحلة والعلاقة العاطفية التي تنشأ في سياقها بين الزبون والعلامة. ندرك تمامًا أن زبائننا بمعظمهم لا يبحثون عن سيارة جديدة، بل عن ابتكار متفرد، وهذا ما نسعى إلى تقديمه في كل مرة. 

صحيح أننا نتابع التوجهات السائدة في قطاع السيارات، لكن ما يثير فضولنا حقيقةً هو ما يحدث في عالم الفخامة، لأننا نرى أن مستقبل رولز- رويس يتعلق بالإبداع وتحقيق قيمة أعمق لزبائننا، وهذه هي وجهتنا الواضحة للغد.

صورة جوية لغودوود، مقر شركة رولز – رويس والمكان الوحيد في العالم حيث تُصمم السيارات وتُصنّع يدويًا.

صورة جوية لغودوود، مقر شركة رولز – رويس والمكان الوحيد في العالم حيث تُصمم السيارات وتُصنّع يدويًا.

بعيدًا عن عالم السيارات، هل تستهويكم عوالم أخرى؟ 

لأني شغوف بالتفاصيل، تستهويني الموسيقا والأنظمة الصوتية عالية الدقة. أتذكر أنني عندما كنت في السادسة عشرة من عمري كنت أنفق كل ما أجنيه على شراء هذه الأجهزة. 

أقتني دومًا أجهزة بريطانية الصنع، وما أقدّره فيها هو التفاصيل الدقيقة التي تبهرني عندما أستمع إلى أي قطعة موسيقية، سواء كانت لكيت بوش أو لمؤلف كلاسيكي. أستمتع بالتفاصيل وأشعر حينها أن عقلي ينفصل عن الواقع وينعتق إلى ما أسمعه.  

هل اكتشفتم في أسفاركم الكثيرة وجهة مفضلة؟ 

يُعد السفر من أروع الامتيازات التي يتيحها لي دوري في الشركة. أتنقّل أسبوعيًا تقريبًا إلى مكان جديد في العالم، وأستحسن رحلاتي هذه لأنها تمنحني طاقة متجددة، وتجعلني أُدرك أن العالم يصبح صغيرًا حين يكون في متناولك. 

في طفولتي، سافرت كثيرًا أيضًا بسبب طبيعة عمل عائلتي. عشنا في هونغ كونغ في سبعينيات القرن الماضي، وكانت تجربة غريبة ومثيرة، لأن السفر إلى هناك لم يكن مألوفًا على ما هو عليه الحال اليوم. أشعر بالبهجة عند زيارتي لمدن مثل بكين أو شنغهاي أو سان فرانسيسكو أو دبي. فكل مكان يكشف عن وجه مختلف ويُلهمك بطريقة خاصة.

ما هي تجربة الرفاهية الأعلى تميزًا التي اختبرتموها يومًا؟ وما هي السعادة عندكم؟

منذ أن كنت في السادسة عشرة من العمر وأنا أواظب على ابتياع الأنظمة الصوتية الخاصة بي من الشخص نفسه. إنه يدرك تمامًا ما أفضله والعلاقة الممتدة التي نشأت بيننا تعني أنه يتولّى المهمة على أكمل وجه فيما جل ما عليّ فعله هو الاستمتاع بتجربة الإصغاء. 

قد لا يعكس هذا الأمر ترفًا مسرفًا، لكني أرى فيه رفاهية عميقة المعنى. أما السعادة، فأظن أنها تكمن في الوقت النوعي الذي أقضيه مع أحبائي أو في الاستماع إلى الموسيقا. ففي هذا العالم سريع الإيقاع، يبقى الاستمتاع بلحظات من الهدوء والصفاء أولوية.