عندما توقف زوار معرض تورينو للسيارات عام 1963 أمام منصة مازيراتي لتأمل سيارة التجوال الفاخر (GT) ذات الأربعة أبواب، لم يدركوا أنّ هذا الجسم ذا التصميم الأنيق المعروض أمامهم هو لأول سيارة سيدان رياضية تأتي بشكلٍ رسمي من صانع سيارات عريق.

كانت حقيقةً سيارة رياضية في البنية والأداء. فقبل سيارة مازيراتي كواتروبورتيه Maserati Quattroporte التي يحتفي الصانع اليوم بذكرى مرور 60 عامًا على ظهورها الأول، كانت سيارات السيدان الفاخرة كلها، وخصوصًا تلك التي تُنتج في ألمانيا، هي سيارات "تنفيذية"، بمعنى أنها مصمّمة لتكون وسيلة لنقل كبار الشخصيات الذين يكتفون بالجلوس في مقاعدها الخلفية الوثيرة بدلاً من قيادتها بأنفسهم والاستمتاع بذلك.

جمعت مقصورة القيادة في الجيل الأول من السيارة بين الفخامة والتصميم الشبابي والمساحة الرحبة.

davidedemartis.com
جمعت مقصورة القيادة في الجيل الأول من السيارة بين الفخامة والتصميم الشبابي والمساحة الرحبة.


لكن بالإضافة إلى القدرة على الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 230 كليومترًا/الساعة، كانت الفكرة الأساسية التي قامت عليها Quattroporte، والتي نفذها فريق تصميم الشركة الإيطالية، تستند إلى تجهيز المركبة بمحرك مستمد من عالم السباقات، على أن يتخذ هذا المحرك المثبّت ضمن هيكل أحادي في الأمام وضعية متراجعة إلى خلف المحور الأمامي وليس فوقه أو أمامه على ما كان عليه الحال في سيارات السيدان الأخرى.

فهذا الموقع للمحرك كان سيضمن تعزيز مستويات الأداء الديناميكي على المنعطفات، وتمكين السيارة من الوصول إلى سرعاتٍ عالية عبر المسارات المستقيمة، ولكن دائمًا من قلب مقصورة قيادة فاخرة، مريحة ورحبة.

التصميم الخارجي الأنيق كرّس سيارة Quattroporte منذ البدايات رمزًا من رموز الأناقة الإيطالية.

davidedemartis.com
التصميم الخارجي الأنيق كرّس سيارة Quattroporte منذ البدايات رمزًا من رموز الأناقة الإيطالية.


على أن العناصر المميزة لطراز Quattroporte لم تقتصر على المواصفات البنيوية الرياضية التي تمتعت بها السيارة الأولى، ومقصورة القيادة التي تجمع بين الفخامة والتصميم الشبابي والمساحة الرحبة، بل شملت تلك العناصر التصميم الخارجي الأنيق أيضًا، ما كرّس سيارة Quattroporte رمزًا من رموز الأناقة الإيطالية ذات الروح الشبابية، ليس في عالم السيارات فحسب، بل ضمن مختلف المنتجات التي تأتي من شبه الجزيرة الأوروبية.

وعلى مر السنين عكست Quattroporte شغف أولئك الذين شاركوا في تصميمها وموهبتهم، بداية من بيترو فروا الذي رسم خطوط الجيل الأول، مرورًا بكل من جيوفاني بيرتوني، وجيورجيتو جيوجيارو، ومارسيلو غانديني وباتيستا بينينفارينا، ووصولاً إلى مركز Maserati Style الذي ابتكر المعالم التصميمية للجيل الحالي من السيارة.

ظهرت سيارة مازيراتي كواتروبورتيه للمرة الأولى عام 1963 في معرض تورينو للسيارات.

davidedemartis.com
ظهرت سيارة مازيراتي كواتروبورتيه للمرة الأولى عام 1963 في معرض تورينو للسيارات.

سيارات البدايات 

في البداية، رسم بيترو فروا خطوط الجيل الأول Quattroporte I لحساب الأمير كريم آغا خان في عام 1962، مستوحيًا تلك الخطوط وبنسبة كبيرة على صعيد التصميم العام من طراز Maserati 5000 GT الساحر. ولكن بدلاً من بابين، زوّد السيارة بأربعة أبواب (على ما تعنيه كلمة Quattroporte)، وأثرى مقدمتها بشبكة تهوية منفصلة عن المصابيح، على غير ما هو عليه الحال في طراز 5000 GT الذي جرى دمج مصابيحه الأمامية ضمن شبكة تهوية كبيرة تمتد على عرض المقدمة.

ميكانيكيًا، جُهّز الجيل الأول من Quattroporte بمحرك من ثماني أسطوانات سعة 4.1 لتر قادر على توليد قوة 260 حصانًا تُوجّه إلى العجلات الخلفية عبر علبة تروس أوتوماتيكية من ثلاث نسب، أو علبة تروس يدوية من خمس نسب. وعلى صعيد الأداء، كان يمكن لسيارة Quattroporte I التي أنتجت منها الشركة 230 نموذجًا فقط أن تصل إلى سرعة قصوى تبلغ 230 كيلومترًا في الساعة.

رسم بيترو فروا خطوط الجيل الأول بإيحاء من طراز Maserati 5000 GT، ولكنه زوّد السيارة بأربعة أبواب وأثرى مقدمتها بشبكة تهوية منفصلة عن المصابيح.

davidedemartis.com
رسم بيترو فروا خطوط الجيل الأول بإيحاء من طراز Maserati 5000 GT، ولكنه زوّد السيارة بأربعة أبواب وأثرى مقدمتها بشبكة تهوية منفصلة عن المصابيح.

عملية استحواذ وحقبة ملؤها التحديات 

قد يكون هذا الجيل هو الأقل شعبيةً بين الأجيال الأخرى من هذا الطراز، إذ لم ينبض قلب Quattroporte II، التي ظهرت لأول مرة في معرض باريس للسيارات عام 1974، بمحرك يليق بسيارة تحمل اسم مازيراتي. فمع محرك من ست أسطوانات فقط (سعة 3 لترات) ينتج قوة 207 أحصنة، كان الجيل الثاني من السيارة نتيجةً لاستحواذ سيتروين Citroen الفرنسية على مازيراتي في عام 1968. أضف إلى ذلك أن هذه السيارة أبصرت النور خلال فترة عصيبة في قطاع صناعة السيارات، الأمر الذي أوجب الاستغناء عن كل عنصر جيّد كان يتوفر للجيل الأول من Quattroporte في سبيل خفض التكاليف.

والحقيقة أن مشكلة الجيل الثاني من السيارة لم تكن تقتصر على المحرك الصغير، بل تمتد أيضًا إلى نظام الدفع الأمامي، إذ جرى بناء المركبة على قاعدة عجلات تعود لسيارات سيتروين لا توفر إمكانية تثبيت منظومة نقل الحركة إلى المحور الخلفي. في المقابل، ألقيت مهمة تصميم خطوط السيارة على عاتق مارسيلو غانديني، لذا تباهت بنيتها الخارجية بملامح تعكس ذائقة إيطالية.

ألقيت مهمة تصميم خطوط الجيل الثاني من السيارة التي أطلقت سنة 1974 على عاتق مارسيلو غانديني، لذا تباهت بنيتها الخارجية بملامح تعكس ذائقة إيطالية.

Maserati SPA \ LaPresse \ Noris
ألقيت مهمة تصميم خطوط الجيل الثاني من السيارة التي أطلقت سنة 1974 على عاتق مارسيلو غانديني، لذا تباهت بنيتها الخارجية بملامح تعكس ذائقة إيطالية.

مسار إنقاذي ونسخة حصرية 

بعد المشاكل المادية التي عانت منها مازيراتي خلال حقبة امتلاك سيتروين لها، تسلّم أليخاندرو دي توماسو مسؤولية إنقاذ الشركة من الإفلاس، وكانت المهمة الأولى على جدول أعماله إعادة المجد لسيارة Quattroporte. لذلك جرى طرح الجيل الثالث من هذا الطراز مع خطوط خارجية مميزة ومواصفات عالية سمحت بأن تستعيد السيارة المكانة الطبيعية التي تستحقها، خصوصًا أنها كانت تمثل آخر طراز ضمن سلالة السيارات الإيطالية الحصرية المصنوعة يدويًا. وقد جُهّزت السيارة آنذاك بمحرك من ثماني أسطوانات وبنظام دفع خلفي ضمن جسم يعتمد تصميمًا إسفينيًا صمّمه جيورجيتو جيوجيارو من شركة Italdesign.

وفي عام 1986، وفّرت الشركة فئة خاصة حصرية من سيارتها الشهيرة أطلقت عليها اسم Royale للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس Maserati. كانت سيارة الإصدار الحصري مزوّدة بمحرك من ثماني أسطوانات سعة 4.9 لتر، ذي ضغط أعلى ونظام وقود منقح لتوليد قوة أعلى تبلغ 300 حصان. وانسجامًا مع التسمية، تميزت مقصورة Royale بكسوة جلدية فاخرة، ولوحة عدادات جديدة تثريها ساعة، وأربعة مقاعد قابلة للتعديل كهربائيًا.

في عام 1986، وفّرت الشركة فئة خاصة حصرية من سيارتها الشهيرة أطلقت عليها اسم Royale وزوّدتها بمحرك من ثماني أسطوانات.

Maserati
في عام 1986، وفّرت الشركة فئة خاصة حصرية من سيارتها الشهيرة أطلقت عليها اسم Royale وزوّدتها بمحرك من ثماني أسطوانات.

الإرث المستمر 

استمر إنتاج الجيل الثالث لأكثر من عشر سنوات قبل أن يغادر خطوط التصنيع في عام 1990. بعدها باع دي توماسو حصته في مازيراتي لشركة فيات في عام 1993، وكانت أول سيارة يجري إطلاقها تحت قيادة المالك الجديد هي Quattroporte IV التي كُشف عنها أول مرة في معرض تورينو للسيارات عام 1994 والتي بقيت حاضرة في الأسواق حتى عام 2001.

كانت سيارة الجيل الرابع أصغر من سابقاتها لأنها كانت مبنية على قاعدة عجلات من طراز Biturbo صغير الحجم، ولكنها تمتعت بخطوط خارجية بالغة الجاذبية رسمها غانديني مع المحافظة على بعض السمات التي ظهرت على الجيل السابق.

في البداية، كانت السيارة متوفرة بمحرك من ست أسطوانات سعة لترين، ثم نالت لاحقًا محركًا يتألف من ثماني أسطوانات سعة 3.2 لتر مع شاحن هواء توربيني مزدوج لإنتاج قوة 330 حصانًا تُنقل إلى العجلات الدافعة من خلال علبة تروس يدوية من ست نسب، أو علبة أوتوماتيكية من أربع نسب.

استحوذت فيراري على حصة مسيطرة بنسبة 50 بالمائة في شركة ميزارتي في عام 1997، وأطلقت سيارة Quattroporte Evolizioni لأول مرة في معرض جنيف للسيارات عام 1998.

كانت سيارة Quattroporte IV التي كُشف عنها أول مرة في معرض تورينو للسيارات عام 1994 أصغر من سابقاتها، ولكنها تمتعت بخطوط خارجية بالغة الجاذبية.

Maserati SPA
كانت سيارة Quattroporte IV التي كُشف عنها أول مرة في معرض تورينو للسيارات عام 1994 أصغر من سابقاتها، ولكنها تمتعت بخطوط خارجية بالغة الجاذبية.

أبعاد أكبر وأداء مبهر 

مع طرح الجيل الخامس، عادت Quattroporte للأبعاد الكبيرة مع قاعدة عجلات أطول بنحو 398 ملليمترًا وطول إجمالي ازداد بحوالي 500 ملليمتر مقارنة بالجيل السابق.

أما على الصعيد الميكانيكي، فجُهّزت السيارة في البداية بمحرك يعمل بالسحب الطبيعي يحمل توقيع فيراري، ويتألف من ثماني أسطوانات سعة 4.2 لتر لتوليد قوة 395 حصانًا. وبفضل هذا المحرك المثبّت ضمن بنية رسم بينينفارينا خطوطها، والتركيبة الديناميكية التي أشرفت فيراري عليها، تمكّن الجيل الخامس من السيارة المحتفى بها من توليد أرقام رسمية مثيرة للإعجاب، إذ حقّق سرعة قصوى تبلغ 275 كيلومترًا في الساعة وتسارعًا من صفر إلى سرعة 100 كليومتر/الساعة في غضون 5.4 ثانية.

رغم هذا الأداء الذي أعاد المجد للشركة، إلا أنّ مازيراتي لم تكتف بذلك، إذ قدمت في عام 2008 فئة Qattroporte S مع محرك من ثماني أسطوانات من فيراري أيضًا ولكن بسعة أكبر تبلغ 4.7 لتر، ما يتيح إنتاج قوة 424 حصانًا. وخلال عام 2009، عادت الشركة لتوفر مأثرتها في الفئة Quattroporte Sport GT S المجهّزة بمحرك سعة 4.7 لتر قادر على إنتاج قوة 434 حصانًا.

أنتجت مازيراتي في عام 2006 أكثر من 5000 نموذج من سيارة الجيل الخامس قبل توقف الإنتاج في عام 2012.

جُهّزت سيارة الجيل الخامس، التي ابتكر خطوطها الخارجية بينينفارينا، بمحرك يعمل بالسحب الطبيعي يحمل توقيع فيراري.

Maserati \ LaPresse \ G.Noris
جُهّزت سيارة الجيل الخامس، التي ابتكر خطوطها الخارجية بينينفارينا، بمحرك يعمل بالسحب الطبيعي يحمل توقيع فيراري.

خيارات متعددة لسيارة Quattroporte VI

تميز الجيل السادس، الذي طُرح عام 2013، بهيكل من الفولاذ والألمنيوم مع قاعدة عجلات يبلغ حجمها 3170 ملليمترًا، الأمر الذي جعله أكبر نسخة تطرحها مازيراتي من طراز Quattroporte.

Maserati SPA
تميز الجيل السادس، الذي طُرح عام 2013، بهيكل من الفولاذ والألمنيوم مع قاعدة عجلات يبلغ حجمها 3170 ملليمترًا، الأمر الذي جعله أكبر نسخة تطرحها مازيراتي من طراز Quattroporte.


ظهر الجيل السادس الحالي من Quattroporte لأول مرة في معرض ديترويت للسيارات بنسخة عام 2013. وأتت السيارة ضمن فئة Quattroporte GT بخيارين للدفع: الدفع الخلفي أو الدفع الرباعي. أما على مستوى الأداء الميكانيكي، فكانت السيارة متاحة إما بمحرك يتألف من ست أسطوانات مع شاحن هواء توربيني مزدوج أو بمحرك من ثماني أسطوانات، وكلاهما من إنتاج فيراري. هذا وتميز الجيل السادس بهيكل من الفولاذ والألمنيوم مع قاعدة عجلات يبلغ حجمها 3170 ملليمترًا، الأمر الذي جعله أكبر نسخة تطرحها مازيراتي من طراز Quattroporte حتى الآن.

تتوفر سيارة كواتروبورتيه منذ عام 2021 بفئة القمة Trofio المجهزة بمحرك من ثماني أسطوانات معزز بشاحن هواء توربيني مُعاد ضبطه لتوليد قوة 580 حصانًا.

Maserati
تتوفر سيارة كواتروبورتيه منذ عام 2021 بفئة القمة Trofio المجهزة بمحرك من ثماني أسطوانات معزز بشاحن هواء توربيني مُعاد ضبطه لتوليد قوة 580 حصانًا.


وتجدر الإشارة في الختام إلى أنّ Quattroporte تتوفر حاليًا ومنذ عام 2021 بفئة القمة التي تحمل اسم Trofio مع محرك من ثماني أسطوانات سعة 3.8 لتر، معزز بشاحن هواء توربيني مُعاد ضبطه لتوليد قوة 580 حصانًا، وقدرة على التسارع من صفر إلى 100 كيلومتر في الساعة خلال 4.7 ثانية.