وسط استعدادات متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك لافتتاح جناحه الجديد للفن الحديث والمعاصر، تلقّى المتحف هبة فنية غير مسبوقة من رجل الأعمال وجامع الأعمال الفنية جون بريتزكر. تضم الهبة أكثر من 160 عملاً فنيًا، من بينها أعمال للفنان الأمريكي مان راي، أحد رموز الطليعة الفنية الأبرز في القرن العشرين، إلى جانب أعمال لفنانين من دائرته المقربة ممن أسهموا في تشكيل حركتي الدادا والسريالية.

وتتزامن هذه الهبة مع افتتاح معرض جديد بعنوان "مان راي: حين تحلم الأشياء" Man Ray: When Objects Dream. ويضم المعرض 35 عملاً من المجموعة، تُسلّط الضوء على تجارب مان راي في التصوير الفوتوغرافي من دون استخدام آلة تصوير، وهي التقنية التي عُرفت باسم رايوغراف Rayograph، والتي ابتكرها الفنان في عشرينيات القرن الماضي، وتُجسّد رؤيته في كسر القوالب التقليدية للفن البصري.

كذلك، تتضمن الهبة دعمًا ماليًا سخيًا من مؤسسة عائلة بريتزكر، يُخصَّص لإطلاق برنامج بحثي جديد يُعنى بدراسة حركتي الدادا والسريالية، بما يُعزّز من الجهود البحثية والبرامج العامة المرتبطة بهذه التيارات الفنية الراديكالية. وتأتي هذه المبادرة في لحظة مفصلية مع قرب افتتاح الجناح الجديد للفن الحديث والمعاصر في المتحف، المعروف باسم تانغ وينغ Tang Wing، والذي يُعد من مشاريع التوسعة الكبرى في تاريخ المتروبوليتان الحديث.

وفي بيان رسمي، صرّح ماكس هولين، مدير المتحف والرئيس التنفيذي، قائلاً: 

"تُشكّل هذه الهبة إضافة نوعية تُعزّز قدرتنا على تقديم سردية أكثر عمقًا واتساعًا لمسارات الحداثة، وتُرسّخ مكانة المتروبوليتان بوصفه محورًا أساسيًا لفهم تطوّر التعبير الفني من العصور القديمة حتى الحركات المعاصرة".

أعمال تُجسّد روح التجريب

تكشف الأعمال المختارة ضمن هذه الهبة عن عمق النزعة التجريبية التي وسمت مسيرة مان راي ودائرته الفنية. فهي تتنوّع بين التصوير الفوتوغرافي والتركيبات البصرية والتجريد الرمزي، بما يعكس رؤيته التحررية في التعامل مع الشكل والمفهوم. ويتجلى هذا التوجّه بوضوح في عمله L’homme (الرجل)، الذي أنجزه بين عامي 1918 و1920، ويستعرض فيه مفهوم الذكورة بوصفها رمزًا مجرّدًا، مستخدمًا تقنيات بصرية تُجرّد الجسد من ماديّته، وتعيد تأويله بوصفه فكرة ذهنية أكثر منه تمثيلاً بصريًا مباشرًا.

مجموعة مان راي تُثري متحف المتروبوليتان وتُمهّد لعرض فني بارز

The Metropolitan Museum of Art

ويواصل مان راي هذا النهج التجريبي في عمله ذي الطابع الساخر Catherine Barometer (مقياس كاثرين)، من عام 1920، الذي يستدعي فيه روحه الدادية لتحويل عناصر الحياة اليومية إلى تركيب بصري رمزي يُحاكي تقلّبات النفس والعاطفة، في معالجة تجمع بين الفكاهة والتجريد بأسلوب غير تقليدي.

مجموعة مان راي تُثري متحف المتروبوليتان وتُمهّد لعرض فني بارز

The Metropolitan Museum of Art

أما العمل التركيبي Trans Atlantic (عبر الأطلس)، المُنجز عام 1921، فيُجسّد مقاربة أكثر اتساعًا، إذ يجمع فيه مان راي بين التصوير الفوتوغرافي والطباعة والتجميع، ليبتكر سردًا بصريًا مشحونًا يعبّر عن التوترات الثقافية والسياسية بين العالمين القديم والجديد، في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

أعمال نادرة لفنانين مؤسسين

لا تقتصر الهبة التي قدّمها جون بريتزكر على أعمال مان راي فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة منتقاة من روائع الحداثة الأوروبية، من بينها أحد عشر عملاً على الورق ومحفظتان فنيتان للفنان الفرنسي مارسيل دوشان، أحد مؤسسي حركة الدادا وأشدّ ناقدي المفاهيم التقليدية للفن، والذي أسهمت رؤاه في إعادة تعريف العلاقة بين الفكرة والشكل.

مجموعة مان راي تُثري متحف المتروبوليتان وتُمهّد لعرض فني بارز

The Metropolitan Museum of Art

وفي بُعد آخر من هذه المجموعة المتنوعة، تبرز بعض الصور الفوتوغرافية التي التقطها عدد من أعلام التصوير في القرن العشرين، من بينهم لي ميلر، المصورة والمراسلة الحربية التي كانت أيضًا عارضة أزياء، وجمعت في عدستها بين الجمال والصدمة. 

كما تتضمّن المجموعة أعمالاً للمصور الأمريكي تشارلز شيلر، أحد أوائل من تناولوا الموضوعات الصناعية بروح تجريدية، إلى جانب صور لإدوارد ستيكن، أحد أعمدة التصوير الفني الذي جسّد بإبداعه التحوّلات البصرية للقرن الماضي.

وتكتمل هذه التشكيلة الفريدة بقطع خزفية من إنجاز الفنانة الأمريكية بياتريس وود، التي عُرفت بتجريبها الجريء في فن الخزف، وكانت من الأصوات النسائية المؤثرة في حركة الدادا.