استعادت لندن وهج الفن الكلاسيكي في أمسية أعادت للأذهان بريق العصور القديمة، وذلك حين استضافت المدينة في الثالث من ديسمبر مزاد سوذبيز للفنون القديمة واللوحات من القرن التاسع عشر، الذي حقق حصيلة لافتة بلغت 40.5 مليون دولار. تأتي هذه النتيجة لتتوج عامًا استثنائيًا لدار سوذبيز، إذ ارتفع إجمالي مبيعات قسم كبار الرسامين القدامى إلى 218 مليون دولار، بزيادة تقارب 50% عن العام الماضي، وهو مؤشر يؤكد عودة الاهتمام العالمي بروائع الفن الأوروبي القديم بعد فترة من الهدوء النسبي في السوق.
وسط هذا الزخم، تصدرت لوحة بيتر برويغل الأصغر The Census at Bethlehem (الإحصاء في بيت لحم) مشهد المزاد بوصفها أحد أبرز الأعمال المعروضة. المشهد الشتوي الذي صاغه الفنان بلمساته الدقيقة وألوانه الفلمنكية الهادئة منح القاعة لحظة استثنائية جمعت بين الحنين والدهشة. وقد حققت اللوحة سعرًا بلغ 5.6 مليون دولار مقابل تقدير أولي يساوي 4 ملايين دولار، لتصل قيمتها النهائية بعد إضافة الرسوم إلى 6.9 مليون دولار، مسجلة ثالث أعلى سعر في الليلة.
Sotheby’s
استند برويغل الأصغر في عمله إلى لوحة والده بيتر برويغل الشهيرة من عام 1566، لكنه أعاد تفسيرها برؤية أكثر دفئًا وإنسانية. ومع إنجازه 14 نسخة معروفة من هذا الموضوع، بين ألواح خشبية وأقمشة، بقيت تسع منها في مجموعات المتاحف الكبرى حول العالم. أما النسخة التي بيعت في سوذبيز، فهي عمل غير موقّع ومنفذ بالألوان الزيتية على لوح خشبي، احتفظت به العائلة المالكة لأكثر من أربعة عقود، وفق ما أوضحت إليزابيث لوبكوفيتز، رئيسة قسم اللوحات القديمة في الدار.
Sotheby’s
وأضافت لوبكوفيتز أن برويغل الأصغر امتلك قدرة نادرة على التقاط تفاصيل الحياة اليومية بروح فنية تجعله حاضرًا في ذاكرة الفن الأوروبي، مؤكدة أن مشاهد القرى المزدحمة تحت الغطاء الثلجي تمنح اللوحة بعدًا إنسانيًا يتجاوز جماليات التكوين إلى لغة عاطفية متكاملة.
يأتي هذا البيع ليعزز من مكانة أعمال برويغل في السوق العالمية، إذ كانت نسخة أخرى من The Census at Bethlehem قد بيعت في مزاد كريستيز نيويورك عام 1990 مقابل 2.2 مليون دولار، فيما بيعت نسخة ثالثة أعاد اكتشافها التاجر البريطاني جوني فان هيفتن خلال معرض فريز ماسترز عام 2013 بنحو 9.7 مليون دولار وفق سعر الصرف آنذاك. إنها مسيرة ممتدة تؤكد أن إرث برويغل لا يزال يحتفظ بجاذبيته الفنية.
