انتهى مزاد دار تاجان Tajan في باريس على مفاجأة مزدوجة: بورتريه ذاتي غير موثق قفز سعره إلى نحو 988 ألف دولار أمريكي، بعد منافسة شرسة بين المزايدين. غير أن الحدث الأهم لم يكن الرقم وحده، بل ما تلاه مباشرة، إذ لم تذهب اللوحة إلى المشتري الفائز بالمزايدة، بعدما تدخّل ممثل عن قصر فرساي عقب هبوط المطرقة لتفعيل قانون فرنسي يُعرف باسم droit de préemption (حق الشفعة)، الذي يتيح لمتاحف الدولة استباق الشراء بالسعر النهائي نفسه عندما يتعلق الأمر بعمل ذي قيمة ثقافية وطنية.  

هذه الآلية، المعتمدة منذ عام 1921، تمنح متاحف الدولة الفرنسية أولوية اقتناء بعض الأعمال لحمايتها من الانتقال إلى ملكيات خاصة، وهي لا تُستخدم بشكل دائم، لكنها تظهر كلما برزت قطعة تُعد إضافة محورية للذاكرة الثقافية. ولهذا السبب تُراقب المؤسسات الفرنسية المزادات الكبرى مسبقًا وتضع سقفًا للشراء. فإذا انتهى المزاد عند رقم لا يتجاوز هذا السقف، يتدخل ممثل المتحف ويقتني العمل بالسعر النهائي نفسه من دون رفعه، وهو ما حدث هنا.  

لكن لماذا استحقت هذه اللوحة تحديدًا تدخل فرساي؟ لأن اسم صاحبتها وحده يحمل وزنًا تاريخيًا، ولأن العمل يمس لحظة مفصلية في سردية الفن الفرنسي. ترجع اللوحة إلى أدِلايد لابيل-غيارد، المولودة في باريس عام 1749 لأسرة تعمل في تجارة الأقمشة. شقّت أدِلايد طريقها في زمن كانت فيه النساء شبه مستبعدات من الاحتراف الفني، بل وكان كثير من الرسامين الرجال يبتعدون عن تعليم الطالبات. ومع ذلك، نجحت أدِلايد في دخول أكاديمية سان-لوك، ثم تلقت تدريبًا على يد أستاذ الباستيل الروكوكو كوينتان دو لا تور، قبل أن تتوسع في أدواتها بتعلّم الرسم الزيتي مع فرانسوا-أندريه فانسان، لتصبح لاحقًا من أوائل النساء اللاتي قبلتهن الأكاديمية الملكية عام 1783.

باستخدام حق الشفعة.. قصر فرساي ينتزع لوحة تاريخية ويقلب نتيجة مزاد تاجان في باريس

Tajan

لا ترتبط شهرة أدِلايد لابيل-غيارد اليوم بالبورتريهات الملكية ومناصرتها للفنانات فحسب، بل تتغذى أيضًا من منافستها التاريخية مع الرسامة إليزابيث-لويز فيجيه لو برون. والمثير هو أن هذا البورتريه الذاتي الذي استبق قصر فرساي شراءه لم يكن مجرد عمل إضافي في مسيرتها، بل الشرارة الأولى لتلك المنافسة التي شغلت الوسط الفني الفرنسي.  

تعود بداية القصة إلى عام 1782، عندما ظهر العمل للمرة الأولى في صالون المراسلات، وهو معرض أسبوعي للنوادر الثقافية كان محطة مهمة لقياس نبض الذائقة الباريسية. هناك، وُضع بورتريه لابيل-غيارد الواقعي وجهًا لوجه أمام لوحة فيجيه لو برون الزيتية Autoportrait au chapeau de paille (بورتريه ذاتي بقبعة من القش). وفي كلا العملين قدّمت الفنانتان نفسيهما وهما تمسكان بلوحات الألوان، لتبدأ المقارنات فورًا. ورغم الإشادة بما قدّمته لابيل-غيارد، إلا أن المزاج العام في تلك اللحظة مال لصالح لو برون، لتتحول المواجهة إلى علامة فارقة في تاريخ بورتريهات القرن الثامن عشر. 

ومع ذلك، لم تكن تلك جولة وانتهت؛ فقد استمرت كلتاهما في صناعة التاريخ. وبعودة البورتريه غير الموثق إلى فرساي، لا تُستعاد لوحة فنية فحسب، بل تُستعاد حلقة مفقودة من سيرة فنانة ساهمت في تغيير موقع المرأة داخل مشهد الفن الفرنسي.