بعد انتظار دام أكثر من ثمانية عقود، كشفت جامعة هارفارد عن كنز تاريخي لم تكن تدري بوجوده بين مقتنياتها. ففي عام 1946، اشترت الجامعة ما ظنّته آنذاك نسخة باهتة من مخطوطة ماغنا كارتا Magna Carta الملكية مقابل 27.50 دولار فقط من أحد تجّار الكتب في لندن، من دون أن تتصور أنها تحتفظ بإحدى الوثائق الأصلية الأشد ندرة في التاريخ.
مخطوطة أصلية نادرة لماغنا كارتا.. كنز دستوري عتيق
المخطوطة المعروفة باسم HLS MS 172، التي تحتفظ بها مكتبة كلية الحقوق في الجامعة، ليست مجرد نسخة مكررة أو استنساخًا باهتًا على ما كان يُعتقد، بل وثيقة أصلية فريدة تعود إلى القرن الثالث عشر.
ويقدّر خبراء الوثائق التاريخية قيمتها بأكثر من 21 مليون دولار أمريكي، ما يجعلها من الكنوز القانونية المحفوظة في مؤسسة أكاديمية الأعلى قيمة.
تمثّل هذه المخطوطة واحدة من سبع نسخ معروفة من ماغنا كارتا التي أصدرها الملك إدوارد الأول، والتي شكلت في عهده حجر الزاوية في تحديد حدود السلطة الملكية وتكريس مبدأ المحاكمة العادلة. وفي مزاد سابق أُقيم في نيويورك عام 2007، بيعت نسخة مماثلة تعود إلى عام 1297 بسعر قياسي بلغ 21.3 مليون دولار في دار سوذبيز، ما يؤكد القيمة التاريخية والفنية الهائلة لهذه الوثائق.
وتجدر الإشارة إلى أن ماغنا كارتا ليست مجرد وثيقة تاريخية عابرة، بل تمثل البداية الفعلية للتشريعات الدستورية الحديثة، إذ منعت استبداد السلطة ومنحت المواطنين حقوقًا قانونية، ما جعلها رمزًا عالميًا للعدالة القانونية وحقوق الإنسان.
وتُعد نسخة هارفارد من أهم النسخ المحفوظة في المكتبات الكبرى، وتُظهر براعة الخطاطين والفنانين في العصور الوسطى، الذين أبدعوا في تزيين الصفحات بكتابات ورسومات تُبرز مكانتها الرمزية وقدسيتها القانونية.
Harvard Law Today
مصادفة غيّرت مسار هارفارد التاريخي
وفي مشهد يكاد يُشبه سيناريو سينمائيًا، عثر ديفيد كاربنتر، أستاذ التاريخ الوسيط في كلية كينغز كوليدج لندن على المخطوطة في أثناء تصفحه لموقع مكتبة كلية الحقوق بجامعة هارفارد في ديسمبر 2023. وصف كاربنتر هذا الاكتشاف قائلًا: "وجدت واحدة من الوثائق الأشد ندرة والأكثر أهمية في تاريخ الدساتير العالمية. إنها بحق أيقونة التقاليد السياسية الغربية وقانونها الدستوري".
وبعد هذا الاكتشاف، تعاون كاربنتر مع زميله، نيكولاس فينسنت، أستاذ التاريخ في جامعة إيست أنغليا للتأكد من أصالة المخطوطة وموثوقيتها عبر سلسلة من التحاليل والتدقيقات المتخصصة.
وعلى الرغم من القيمة المالية الضخمة لهذه الوثيقة النادرة، فقد أكدت جامعة هارفارد على تمسّكها بالمخطوطة..
وعدم نيتها بيعها، بل استخدامها منارةً تُلهِم الأجيال المقبلة للتعرّف على ماغنا كارتا بوصفها نصًا مؤسِّسًا لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما يعكس روح الجامعة الحقيقية بوصفها مؤسسة تعليمية عظيمة تنهل من ماضيها لبناء مستقبل مشرق.