وفي ما يشبه امتداداً لذاكرة المكان، تلفتك فيه لوحة بديعة بعنوان Cinco Cames للفنان اللبناني مروان سحمراني تفرض سطوة ألوانها المشرقة على أحاديث الضيوف، شأنها في ذلك شأن لوحة Vicarious Enlightment لأنطونيو سانتان، التي تضفي مسحة حداثة معاصرة على تصميم المطعم فيما تستحضر الحس المتمايز للفنان الإسباني الذي يحوّل رسوماته للسجاد إلى أبجدية يصوّر بها أحلامًا بعيدة.

يثري المساحات الداخلية أيضًا عمل بتوقيع محمد ياغوبيان يحتفي بفن التخطيط في منطقة الشرق الأوسط، ومنحوتة انسيابية الخطوط للفنانة المقيمة في لندن أولا سانياوا التي تبتكر أعمالها باستخدام قطع من الخزف.

أن تحتفي هذه المنحوتة بتأثير ثقافات حوض البحر الأبيض المتوسط على منطقة المشرق العربي ليس أمرًا مستغربًا في مطعم أراده مؤسساه، مالك المطاعم إيفنجي كوزين والطاهي إيزو آني، فسحة تستنسخ رحلاتهما ومشاهداتهما عبر البلاد المكوّنة للجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعكس أيضًا ما يجتمع في ثقافات هذه البلاد من معاني الإبداع، والكرم، والأصالة.

لن يمر وقت طويل قبل أن تتبيّن أن كوزين وآني نجحا في تحقيق مبتغاهما من خلال مقاربة متفرّدة لتجربة طعام يرقى بها ثراؤها إلى مرتبة مغامرة حسيّة ماتعة صيغت عناصرها مزيجًا من خيرات الأرض في هذه المنطقة وأساليب طهو تزاوج بين التقاليد ولمسات أكثر عصرية.

وأنت تستستلم وصحبك لجاذبية أصناف وفيرة من المقبلات والأطباق الرئيسة التي يرتكز تقديمها إلى مفهوم المشاركة، قلما تجد طبقًا لا يعكس توازنًا متقنًا بين مذاقات يكمن سرّها في الأعشاب الطازجة، وتوابل يتصدّرها الكمّون والقرفة والهال والسمّاق، ومكسّرات مثل الصنوبر والفستق الحلبي واللوز، وكثير من عصير الليمون الحامض الذي يشكل مكوّنًا راسخًا في مطبخ البحر الأبيض المتوسط. 

هذه المذاقات التي تتداخل وتتكامل في سمفونية حسّية تستأثر بالذائقة على الرغم من بساطتها، أو ربما بسببها، اختبرناها بداية في المقبلات التي تتربع على عرشها "الكبّة" النيئة، وصلصة الطحينة بالطماطم وأوراق الريحان، والمحمّرة التقليدية التي تُعد في هيئة غموس من مهروس الفلفل الأحمر الحلو والجوز ودبس الرمّان.

على أنه لا يجدر بكم أيضًا أن تفوّتوا فرصة استكشاف تلك الجرأة التي تطبع بصمة الطاهي في أصناف أخرى مثل شرائح سمك الإنتياس النيء المتبلة بصلصة الزنجبيل والسماق، أو سلطة الجزر والبرغل الحارة والمقرمشة، أو فطائر البوريك بالجبن التي تتمايز في مطعم ألايا بمذاق الكمأة الطازجة.  

وإذا كان في هذه البداية من الثراء ما يكفي للارتحال بالحواس إلى تلك الوجهات التي ألهمت فلسفة إيزو آني الإبداعية، من لبنان وسوريا وفلسطين إلى الأناضول واليونان، فإن براعة الطاهي في إعادة ابتكار الأطايب التقليدية لمطابخ شرق المتوسط بأسلوب عصري تجلّت لنا خصوصًا في أطباق متقنة الصنع ومتوازنة المذاقات تفاوتت بين طبق مانتي الأضلاع القصيرة المعد من عجينة محشوة باللحم تُقدم مع صلصة الطماطم والزبادي الحار، وباستا ريغاتوني التي تثريها صلصة بيضاء وشرائح من الطماطم متبّلة بالصعتر، وسمك القاروص المنكّه بالتمر الهندي والليمون الحامض والصعتر، فضلاً عن طبق حبوب الفريكة بالكمأة البيضاء.

فبالإضافة إلى المأكولات البحرية والدجاج واللحوم الحمراء، التي تتكامل في كثير من الأصناف مع شرائح البطاطس المخبوزة المقرمشة، والتي يثريها طعم زبدة الكمأة، تزخر قائمة ألايا بكثير من الخيارات التي ترضي ذائقة النباتيين. 

أما خاتمة التجربة، فلا ينبغي أن تخلو من الأطايب التقليدية، وفي طليعتها الكنافة المقدمة مع المثلجات بنكهة القشدة، والقطايف التركية المزدانة بالفستق الحلبي المكرمل، وإن كان المطعم يتيح أيضًا خيارات وفيرة من الحلويات الغربية مثل كعكة الشوكولاته وفطيرة المشمش.