فيما تبدأ الشمس رحلة غروبها، تبسط وشاح ألوانها النارية في أفق دبي لترسم تفاصيل لوحة شاعرية تستأثر بأبصارنا من علو الطابق الحادي والثلاثين في فندق دبليو دبي - شاطئ الميناء السياحي.

هناك افتُتح في شهر نوفمبر الفائت مطعم أتيكو دبي Attiko Dubai محتكرًا فوق سطح الفندق موقعًا متفردًا تعانق إطلالته الآسرة أفق المدينة الممتد من جزيرة بلو واترز وعين دبي إلى جزيرة نخلة جميرا مرورًا بميناء دبي هاربر. 

أوّل ما يجذب انتباهكم عبر مساحة المطعم الداخلية، الممتدة على ستة آلاف قدم مربعة، والمسوّرة بواجهات زجاجية ترتفع من الأرضية إلى السقف، عناصر تصميم يناغم بين أرائك طويلة باللون الرمادي، وكراس زهرية مرتفعة، وأصص نباتات، مستحضرًا في الأذهان صورة حديقة آسيوية تكمّل تفاصيلها ألوان ترابية داكنة.

وبالرغم من أن هذه الفسحة تظل مكانًا مثاليًا لتجربة عشاء فاخرة ولكن بغير تكلف، إلا أنكم قد لا ترغبون في تفويت تلك الفرصة التي تتيحها المجالس الخارجية للانغماس في مباهج جلسة شاعرية أعلى تميزًا تستأنس بها النفوس فيما تستزيد الأبصار من فتنة أفق لا يلبث أن يتلألأ بالأنوار إذ يرخي الليل سدوله على المدينة. 

لكن الإطلالة الأخاذة ليست وحدها، على ما يبدو، ما يحمل بشائر تجربة مؤنسة في مطعم أتيكو دبي. فإلى جانب تمايز الموقع، والكياسة التي يتمتع بها فريق من المضيفين لقينا منهم في سياق زيارتنا حس ضيافة رفيعًا، كانت معرفتنا المسبقة بأن الطاهي كيونغ سو مون هو من يقف وراء قائمة الطعام في هذه الواحة تكفي للارتقاء بمستوى توقعاتنا.

يستحضر تصميم المطعم صورة حديقة آسيوية تكمّل تفاصيلها ألوان ترابية داكنة.

يستحضر تصميم المطعم صورة حديقة آسيوية تكمّل تفاصيلها ألوان ترابية داكنة.


يحمل مون في جعبته خبرات عالمية مديدة راكمها على مدى أكثر من اثنين وعشرين عامًا، واضعًا بصمته الخاصة على العديد من المطاعم المتميزة في آسيا وأستراليا. وفي دبي، حيث عُيّن مديرًا لخدمات الطهي في المطاعم الآسيوية المنضوية تحت مظلة مجموعة سانسيت للضيافة، ذاع صيته كونه صاحب رؤية إبداعية تُعد من أبرز أسباب نجاح مطعم سوشي سامبا دبي الشهير والحائز جوائز عدة. 

وإذ استقدم مون أخيرًا رؤيته وخبراته وأساليبه في الطهي إلى مطعم أتيكو دبي، تعاون مع كبير الطهاة لين نينغ سو - المولود في بورما - ميانمار والذي تمتد خبرته المهنية في منطقة الشرق الأوسط أربعة عشر عامًا – للإتيان بمقاربة مبتكرة للمطابخ الآسيوية تبني أسس تجارب طعام ملهمة.

وكان أول ما اختبرناه من هذه المقاربة هو خيارات من المقبلات التي تعكس براعة في المزج على نحو متفرّد بين المطابخ الآسيوية المتنوعة وألوانها وتوابلها ومكوّناتها غير المتكلفة، وحسّ ابتكار فذًا تستحضره تأثيرات معاصرة من مختلف أنحاء آسيا، بما في ذلك الشرق الأوسط.

هذا ما يعد به مثلاً طبق Eggplant Tempura الذي يناغم بين الصيغة المقرمشة للباذنجان المقلي والمذاق الحلو والحاد لمزيج صلصة الصويا بالثوم والفلفل الأحمر والكزبرة، أو كرباتشيو سمكة التونة زرقاء الزعنفة التي تُقدم نيئة ومنكّهة بعصير الليمون الأخضر والأعشاب البحرية "شيو كومبو" والثوم المعمّر، فيما تزيد صلصة الصويا بالكمأة مذاقها ثراء من دون أن تطغى عليه.

طبق Beef Tataki الذي تتوّجه قطع من الكمأة الطازجة.

طبق Beef Tataki الذي تتوّجه قطع من الكمأة الطازجة.


أما إذا كنتم ممّن يميلون إلى الطعم الغالب للكمأة، فلا تفوّتوا فرصة الاستزادة منه في طبق Beef Tataki حيث شرائح اللحم البقري النيئة، التي تتوّجها قطع من الكمأة الطازجة، مشبّعة أيضًا بمذاق صلصة بونزو اليابانية بالكمأة، والكرّاث والثوم المقرمش.

وعلى ما هو متوقع، لا تغيب أيضًا عن قائمة الطعام أصناف السوشي والساشيمي التي تتصدرها خيارات غير تقليدية تشمل على سبيل المثال لفائف القرنبيط الأبيض مع الأفوكادو والخيار، وسوشي القنفذ البحري مع البابايا والأعشاب البحرية، وشرائح السلمون Aburi Salmon المحمّرة قليلاً لإثرائها بمذاق مدخّن ولكنه حلو في الوقت نفسه.

سمك القاروص المقدّم مع ثلاث صلصات مختلفة الألوان والمذاقات.

سمك القاروص المقدّم مع ثلاث صلصات مختلفة الألوان والمذاقات.


على أن هذه المقبلات ليست سوى فاتحة لمزيد من الشواهد على ذاك الإتقان في المواءمة بين مكوّنات ومذاقات يعكس تكاملها بساطة في الثراء.

فلا تعقيد يشوّه ذاك الطعم الذي تستسيغه ذائقتنا فيما نتوّج تجربتنا بشريحة من سمك القاروص تُقّدم إلى جانبها ثلاث مسحات من صلصات مختلفة الألوان والمذاقات تتفاوت بين القرنبيط الأبيض، والشمندر، والميزو، وبشرائح زهرية اللون من لحم واغو البقري منكّهة بالفلفل الأحمر والسمسم وصلصة الصويا الحلوة والثوم المعمّر.

مثلجات موشي الآسيوية بطعم الشوكولاته والمانغو وفاكهة زهرة الآلام.

مثلجات موشي الآسيوية بطعم الشوكولاته والمانغو وفاكهة زهرة الآلام.


وربما لا بد من الإشارة إلى أن قائمة الطعام نفسها تنأى عن أي تعقيد ألفناه في وجهات أخرى، إذ إن الخيارات التي تتيحها، خصوصًا في ما يتعلق بالأطباق الرئيسة، تنحصر في عدد غير مبالغ فيه من الأصناف المثالية للمشاركة، فلا يجد الضيف نفسه حائرًا في تحديد طلبه.

يحضر أيضًا هذا التناغم بين البساطة والثراء في أصناف الحلويات التي تشكل خاتمة مثالية لتجربة تستحسنها الذائقة، لا سيّما إذا كان خياركم حلوى الشوكولاته الداكنة مع المثلجات بطعم الفانيلا، أو حلوى الجبن "تشيز كيك" بطعم فاكهة زهرة الآلام الذي يتكامل مع مذاق المثلجات بنكهة الموز.