في قلب العاصمة الصينية بكين، وتحديدًا في أروقة المتحف الوطني الصيني، يتجسّد حوار فني بصري بين ثقافتين متجذرتين في أرض التاريخ. 
ففي سياق الاحتفاء بالعام الثقافي السعودي الصيني 2025، افتُتح أواخر شهر يوليو الفائت معرض "فن المملكة: إضاءات شاعرية" الذي لا يكتفي بتقديم أعمال تشكيلية من المملكة العربية السعودية، بل يُكرّس لحظة رمزية في مسار التبادل الحضاري المتنامي ثقافيًا ودبلوماسيًا بين الرياض وبكين.

جولة في رحاب المعرض الذي افتُتح بحضور معالي سفير المملكة في جمهورية الصين الشعبية، أ.عبدالرحمن الحربي، وعدد من كبار الشخصيات الثقافية ومسؤولي قطاع المتاحف والفنون في الصين.

Al MAMLAKA Art

جولة في رحاب المعرض الذي افتُتح بحضور معالي سفير المملكة في جمهورية الصين الشعبية، أ.عبدالرحمن الحربي، وعدد من كبار الشخصيات الثقافية ومسؤولي قطاع المتاحف والفنون في الصين.

في هذا الحدث - الذي انطلق بحضور معالي سفير المملكة في جمهورية الصين الشعبية، أ.عبدالرحمن الحربي، إلى جانب عدد من كبار الشخصيات الثقافية ومسؤولي قطاع المتاحف والفنون في الصين - تضع هيئة المتاحف السعودية بصمتها على إحدى أكبر منصات الفن في آسيا، مُطلقة رحلة وجدانية تتقاطع فيها التقاليد مع الحداثة، والذاكرة مع الخيال، ضمن رؤية ثقافية تستلهم روح المكان وتبثّ فيه نبض الإبداع السعودي الجديد. 

صورة فوتوغرافية من أعمال سمو الأميرة ريم الفيصل (من عام 2005).

Al MAMLAKA Art

صورة فوتوغرافية من أعمال سمو الأميرة ريم الفيصل (من عام 2005).

وكان معرض "فن المملكة"، الذي يُعد أول معرض جماعي متنقل بهذا الحجم، والذي تنظمه هيئة المتاحف، قد انطلق في نسخته الافتتاحية أواخر عام 2024 في القصر الإمبراطوري في ريو دي جانيرو بالبرازيل، حيث استقطب أكثر من 26 ألف زائر، قبل أن يستقر مطلع هذا العام في منطقة جاكس بالرياض، حيث تحوّلت فضاءات المتحف السعودي للفن المعاصر إلى واحة ازدانت بأعمال جديدة صُممت خصوصًا لهذا الفصل من الرحلة الذي اكتسب طابعًا تأمليًا أعمق عبر مقاربة الفن من زاوية التفاعل مع عصر التدفق المعلوماتي والسرعة الرقمية، وذلك في محاولة للإجابة عن سؤالين رئيسين: كيف يعبّر الفن عن الثقافة؟ وهل بمقدور الفنون البصرية أن تعيد صياغة السرديات حول الذاكرة والمجتمع والتاريخ؟

عمل تركيبي بعنوان "هما الهدف ونحن الصدفة" ناغمت فيه منال الضويان بين حرير توسار والحبر الحريري، وطلاء الأكريليك، والطين.

Al MAMLAKA Art

عمل تركيبي بعنوان "هما الهدف ونحن الصدفة" ناغمت فيه منال الضويان بين حرير توسار والحبر الحريري، وطلاء الأكريليك، والطين.

وإذا كان المعرض في الرياض قد نجح في ربط الأعمال الفنية التي استضافها بمفاهيم الهوية والانتماء والتحولات الاجتماعية، فإنه في محطته الثالثة في بكين تفوّق في العبور باللغة البصرية للتجربة الفنية السعودية إلى فضاء أوسع، مخاطبًا جمهورًا دوليًا متنوعًا ومبرزًا قدرة الفن المحلي على بناء جسور من الحوار الثقافي والفكري مع العالم. 

سلسلة ملصقات من عام 2018 للفنان أيمن يسري ديدبان.

Al MAMLAKA Art

سلسلة ملصقات من عام 2018 للفنان أيمن يسري ديدبان.

في النسخة الحالية في بكين، يضيء معرض "فن المملكة"، الذي تشرف على تنسيقه القيّمة الفنية ديانا ويشلر، على إبداعات أكثر من 30 فنانًا وفنانة من مختلف الأجيال والممارسات الفنية، ضمن سردية فنية تقارب موضوعين رئيسين: الصحراء بوصفها فضاءً بصريًا وتخيّليًا، والتراث الثقافي من حيث كونه جسرًا يصل الماضي بالحاضر. 

عمل من عام 2019 للفنان مهند شونو بعنوان "المطبعة الصامتة".

Al MAMLAKA Art

عمل من عام 2019 للفنان مهند شونو بعنوان "المطبعة الصامتة".

وتتنوّع الوسائط التعبيرية بين الرسم والنحت، ومقاطع الفيديو، وأعمال التركيب، والصور الفوتوغرافية، لتمنح الزائر تجربة شاملة تتقصّى تحوّلات المجتمع السعودي المعاصر وتستكشف قضاياه من زوايا جديدة فيما تدعو إلى التأمل في مفاهيم مثل الهوية، والذاكرة، والتقاليد، والتغيير. 

الفنون والأساطير والموسيقى والذاكرة تجتمع في صياغة أرشيفية حيّة لمدينة جدة من خلال عمل تركيبي لبسمة فلمبان بعنوان "حافة البحر".

Al MAMLAKA Art

الفنون والأساطير والموسيقى والذاكرة تجتمع في صياغة أرشيفية حيّة لمدينة جدة من خلال عمل تركيبي لبسمة فلمبان بعنوان "حافة البحر".

تشهد على ذلك أعمال نخبة من المبدعين السعوديين أمثال أحمد ماطر، وسمو الأميرة ريم الفيصل، ومنال الضويّان، ومهند شونو، وأيمن زيداني، ومعاذ العوفي، وعمر عبد الجواد، وأيمن يسري ديدبان، وفلوة ناظر، وأحمد عنقاوي، وبسمة فلمبان، ودانا عورتاني، ولينا قزاز. 

على أن المحطة الثالثة للمعرض، الذي يواصل استكشاف الثنائيات الكبرى التي شكّلت وعي الفنانين السعوديين، مثل الماضي والمستقبل، والإيمان والعلم، والفرد والجماعة، تضيف بُعدًا تاريخيًا لافتًا عبر عرض مختارات من أعمال روّاد الفن التشكيلي السعودي الذين بزغ نجمهم في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته..

 إلى جانب قطع مختارة من مجموعة وزارة الثقافة، ما يتيح للجمهور الصيني منظورًا تاريخيًا لتطور الحس الفني السعودي عبر العقود.

مختارات من المشروع المستمر للفنان معاذ العوفي بعنوان "التشهد الأخير" من عام 2017.

Al MAMLAKA Art

مختارات من المشروع المستمر للفنان معاذ العوفي بعنوان "التشهد الأخير" من عام 2017.

جدير بالذكر أن المعرض لا يتوقف عند استعراض التجربة البصرية السعودية فحسب، بل يسهم أيضًا في ترسيخ رؤية المملكة الثقافية التي تحتفي بتعدّد الأصوات الإبداعية وتمنح الفنانين مساحة حرّة للتعبير عن ذواتهم وتجاربهم. 

وفيما يكرّس "فن المملكة" مكانة الفن بوصفه وسيطًا فكريًا عابرًا للحدود، يتجلى خطابًا جماليًا يستدعي مفاهيم الهوية، والتغيير، والانتماء، والذاكرة الجماعية، ويُترجمها إلى إضاءات شاعرية.