أحدثت ثورة الذكاء الاصطناعي الأخيرة طفرة في مختلف القطاعات حول العالم، إذ تتسابق الشركات الآن لمحاولة تطويع هذه التقنيات لتناسب نموذج أعمالها بما يضمن لها تحقيق الاستفادة القصوى منها. وبينما اتجهت بعض الشركات لاستبدال الذكاء الاصطناعي بالعاملين في بعض الوظائف، إلا أن بعض المتاجر الإلكترونية قررت اتباع أسلوب مختلف، واعتمدت على الذكاء الاصطناعي ليكون رجل المبيعات الأول للمتجر ومساعد التسوق الذكي للعملاء الذين يبحثون عن أرقى تجارب التسوق. 

فكرة الاعتماد على مساعدي التسوق ليست أمرًا مبتكرًا في عالم الأزياء الراقية، إذ تتاح هذه الوظيفة في كثير من دور الأزياء، وفي أحيان كثيرة يكون هذا المساعد أحد أفراد طاقم المبيعات الموجود في المتجر. ويمكن اختصار دوره الأساسي في مساعدة العملاء للوصول إلى القطعة المناسبة بعد معرفة متطلباتهم وما يبحثون عنه، وهذا تحديدًا ما يقوم به مساعد التسوق الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. 

تطويع الذكاء الاصطناعي ليتناسب مع الموضة 

يعتمد الذكاء الاصطناعي على المدخلات التي يحصل عليها من المطورين والمستخدمين على حد سواء، وهذا يجعله تقنية دائمة النمو والتطور. فكلما جرى استخدامه أكثر تصبح استجابته أكثر دقة ومنطقية للشخص الذي يستخدمه. 

هذه الفكرة جعلت الذكاء الاصطناعي الابتكار المناسب والمثالي للعمل في مجال الموضة، وذلك عبر مساعدة المستخدمين من أجل الوصول إلى ما يبحثون عنه حتى وإن لم يكونوا على دراية به، وذلك بعد جمع البيانات والمعلومات عبر مجموعة من الأسئلة والتعليقات الموجهة من المستخدمين إليه. 

ورغم وضوح الفكرة نظريًا، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تطبيقها على أرض الواقع، بدايةً من اختيار لغة برنامج الذكاء الاصطناعي والطريقة التي يتحدث بها حتى طريقة فهم المتطلبات وتقديم الترشيحات المناسبة. ولهذا تعاونت غالبية المتاجر الإلكترونية التي قدمت هذا النموذج مع OpenAI واستخدمت ChatGPT، كونه يمتلك قاعدة بيانات واسعة يمكن تطويعها لاستخدامها في أي مجال. 

وعبر هذا التعاون، تمكنت بضع شركات من إنتاج روبوتات دردشة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ومن ضمنها روبوت ShopWith AI، وهو نموذج يجمع بين تقنيات ChatGPT وتقنيات خاصة بالشركة المطورة ليكون قادرًا على أداء وظيفة مساعد التسوق على أكمل وجه. وقد بدأت بعض المتاجر الإلكترونية في تطوير هذه التقنية أيضًا مثل Shopify وMercari وKNXT وZalando، وجميعها متاجر إلكترونية تعرض ابتكارات أشهر العلامات التجارية. 

على أن استخلاص نتائج أكثر تخصيصًا من البحث التقليدي على مستوى الوصول إلى العلامات التجارية المختلفة والحصول على ترشيحات للأزياء لا يعتمد على الذكاء الاصطناعي فحسب. يمكن استخدام بحث جوجل من أجل الوظيفة نفسها، ولكن الذكاء الاصطناعي يتفوق على البحث المعتاد في بضعة جوانب، أهمها التجربة المخصصة والأقرب إلى التجربة البشرية. 

هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى مساعد التسوق الأفضل؟

KNXT

عندما تستخدم محركات البحث المعتادة، فإنك تحصل على نتائج مماثلة في كل مرة تستخدم فيها الكلمات والعناوين نفسها، ويجب أن تكون كلمات وعناوين عامة تستخدمها العلامات التجارية والمتاجر الإلكترونية حتى تتمكن من الوصول إلى النتيجة التي يرى محرك البحث أنها أنسب لك من دون النظر إلى بقية متطلباتك. 

في المقابل، ينظر الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر إلى مختلف التفاصيل التي تقدمها له، ويأخذها في الحسبان قبل أن يقدم لك ترشيحات مخصصة ومختلفة في كل مرة. لذلك إن طلبت من الذكاء الاصطناعي ترشيح زيّ مناسب لحفلة صيفية على متن يخت يصل شواطئ موناكو في منتصف سبتمبر، فإنه يبدأ في البحث عن توقعات الطقس لهذا الوقت، ثم يبدأ في البحث عن الأزياء المناسبة لمثل هذه الحفلات، ويجمع المراجعات والتقييمات الموجودة على كل زي، وربما يسألك عن لونك المفضل أو تصميمك المفضل، وذلك قبل أن يخرج بقائمة من الملابس والأزياء التي تناسبك أنت وليس أي شخص آخر، وهو ما قمنا باختباره بشكل مباشر مع المساعد الذكي من KNXT الذي يدعى /madeline.

يستطيع الذكاء الاصطناعي البحث بنفسه في ملايين النتائج خلال ثوان معدودة ثم تقديم ترشيحات مناسبة، وهذا يختلف كثيرًا عن طريقة عمل محركات البحث، التي تعرض لك ملايين النتائج وتطلب منك الاختيار من بينها. وفي العادة ينتج عن هذا الأسلوب مجموعة ثابتة من الترشيحات المؤكدة مهما اختلفت الكلمات التي تستخدمها، وذلك لأن المواقع الاحترافية تستطيع خداع محركات البحث وجذب الزيارات إليها بسهولة. 

 عقبات ينبغي التغلب عليها

التجربة العملية لنماذج الذكاء الاصطناعي التي صممت خصيصًا لتكون مساعدًا شخصيًا للتسوق تؤكد وجود عقبات يجدر بالمطورين محاولة التغلب عليها، وهي عقبات نابعة من الاختلاف الموجود في تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها بعيدًا عن طريقة استخدامها. ففي بعض الأحيان تأتي الترشيحات والنتائج مختلفة عما نحتاج إليه أو أقل من احتياجاتنا. وفي هذه الحالة، قد تحتاج إلى إعادة توجيه السؤال أكثر من مرة مع إضافة معلومات جديدة في كل مرة حتى تصل إلى النتيجة المرضية. 

تتشارك مختلف نماذج الذكاء الاصطناعي في أوجه القصور هذه، وذلك لأنها جميعًا تعتمد على تقنيات وليدة اللحظة، ولم يمض عليها أكثر من عام منذ أن ظهرت للعامة وبدأ استخدامها بشكل مكثف. ومن المتوقع أن تزداد دقة هذه النماذج وتختفي هذه العقبات تمامًا مع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر وإتاحتها لمختلف المستخدمين والشركات على ما حدث في الماضي مع منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، إذ ازدادت دقتها وجودتها مع تطور التقنية وانتشارها باستمرار. 

تتيح مثل هذه التقنيات آفاقًا واسعة أمام العلامات التجارية المختلفة، إذ يمكنها عبر واجهة واحدة على الإنترنت أن تمتلك ذكاءً اصطناعيًا قادرًا على مساعدة آلاف وملايين المستخدمين في آن واحد للوصول إلى منتجات مميزة وفريدة، كما يمكن استخدامها أيضًا في المتاجر الحقيقية عبر الواجهات المتاحة للزوار، لتوفر بذلك تجربة أكثر تخصصًا للزائر. 

ورغم وجود كثير من العوامل المجهولة في عالم الذكاء الاصطناعي واستخداماته، إلا أنه من المؤكد أن هذه الاستخدامات ستغير شكل الحياة وستضيف إليها طبقات جديدة من الرفاهية والأناقة.