الوقت الذي تستغرقه رحلات الطيران في الوصول إلى وجهتها النهائية يعد أحد أكبر العقبات أمام الشركات العاملة في قطاع الطيران. ورغم أن السفر بالطائرة يعد أسرع في أوقات كثيرة من السفر برًا، إلا أنه لم يصل بعد إلى السرعة التي تجعله يحقق أحلام رواده. 

تحاول الشركات جاهدةً ابتكار محركات جديدة وطائرات جديدة قادرة على السفر بسرعات عالية، إلا أن عقبات كانت تقف أمامها من ضمنها استهلاك الوقود والضجيج الناتج عن هذه الطائرات السريعة، وهذه العقبات كانت هي السبب وراء اختفاء أسطورة الطائرات الأسرع من الصوت. 

في الماضي، كانت كونكورد تتربع على عرش الطائرات الأسرع من الصوت، وذلك قبل أن تقضي قوانين الضوضاء والانبعاثات على هذا الحلم، لتغرب الشمس على إحدى أهم الابتكارات في عالم الطيران المدني في العقود الأخيرة. 

إعادة إحياء الإرث الخيالي

حلم السفر بسرعة تفوق الصوت لم يفارق الشركات العاملة في قطاع الطيران وروادها، لذلك بعد مضي ما يقرب من 20 عامًا على اختفاء كونكورد، عادت الشركات إلى حقل التجارب من أجل تطوير طائرة جديدة تعالج المشاكل والعقبات التي واجهتها. 

هل يصبح السفر بسرعة تفوق سرعة الصوت واقعًا؟

Boom

شركة بوم Boom تحت قيادة مؤسسها ومديرها التنفيذي بليك شول اقتربت كثيرًا من تحقيق هذا الحلم والوصول إلى نتيجة مرضية في ما يتعلق بتحطيم سرعة الصوت. ورغم أن Boom قطعت شوطًا أكبر من منافسيها، إلا أن هذا لا يعني أنها الوحيدة في هذا المجال، إذ تسعى كثير من الشركات إلى تقديم طائرة قادرة على تجاوز سرعة الصوت بسهولة مثل لوكهيد مارتن Lockheed Martin التي تحاول إعادة بناء طائرة X-59 التابعة لناسا من أجل الاستخدام المدني. ولا يمكن أن ننسى شركة Hermeus التي تسعى للتفوق على سرعة الصوت بخمس مرات تاركةً المنافسة خلفها. 

على أن الرحلة التي بدأت هذه الشركات في قطعها لم تكن سهلة وبسيطة دائمًا، إذ تحطمت أحلام كثيرين مع طائراتهم الاختبارية، وقلّة منهم فقط تمكنوا من الإقلاع والاقتراب من السرعات المرضية التي يدّعون قدرتهم على الوصول إليها. 

ولكن التحدي الحقيقي لا يكمن في تطوير تقنية قادرة على الوصول إلى سرعة الصوت أو حتى احتمالها. بل إن المشكلة تكمن في القوانين التنظيمية لقطاع الطيران الجوي والتي تضع قيودًا على مدى الضجيج الذي تصدره محركات الطائرة إلى جانب الوقود الذي تستهلكه، وخاصةً مع تنامي الوعي العالمي بمخاطر استهلاك الوقود والجهود الحثيثة للتحول إلى الطاقة النظيفة في مختلف القطاعات. 

سعت بوم Boom إلى تطوير تقنية جديدة تكون قادرة على تلبية هذا التحدي والالتفاف حوله عبر تطوير محرك جديد يدعى Symphony قادر على الانتقال بين سرعة الصوت والسرعات الأقل بما يتناسب مع البيئة المحيطة به. 

يستطيع محرك Symphony الوصول إلى سرعة 1.7 ماخ فوق المسطحات المائية التي لا تضم تكتلات سكانية. وعندما يقترب من الأماكن السكنية، فإن سرعته تنخفض إلى 0.94 ماخ، وهي سرعة تقع ضمن الحد الذي تسمح به القوانين التنظيمية. 

ويمتلك هذا المحرك أيضًا مزايا تجعله قادرًا على خفض الضوضاء الناتجة عنه ومعادلتها بشكل كبير، لذلك فمن المتوقع ألا يتسبب في كثير من الضوضاء حتى عند التحليق بالسرعات التقليدية. 

هل يصبح السفر بسرعة تفوق سرعة الصوت واقعًا؟

Boom

تحديات جمّة 

تستطيع طائرة Overture التي تطورها بوم Boom نظريًا تخطي العوائق التي وقفت أمام رحلة تحطيم حاجز الصوت، ولكن هذا لا يعني أنها لم تواجه تحديات خاصة بها، إذ ظهرت مشكلات عطلت مسيرتها. 

تمثل التحدي الأكبر بتخلي أهم صانعي محركات الطائرات عن المشروع، إذ أعلنت شركات رائدة مثل رولز-رويس وGE Aviation وPratt & Whitney عن هذا الأمر، وذلك رغم أن بوم Boom حصلت على أكثر من 130 طلبًا لطائراتها الجديدة من شركات طيران عالمية مثل الخطوط اليابانية والخطوط الجوية الأمريكية ونورثتروب غرومان من أجل الاستفادة من التقنية في الاستخدامات العسكرية. 

استطاعت Boom حتى الآن جمع 600 مليون دولار من أجل تطوير محركها وطائراتها بالشكل الذي وعدت به. ورغم أن الشركة لم تكشف بعد بشكل نهائي عن الطائرة الخاصة بها، إلا أنها تمكنت من تحقيق نجاحات مختلفة في الاختبارات التجريبية للطائرة. 

لا تقتصر العقبات أمام Boom على القوانين الدولية فحسب، بل تمتد إلى استهلاك الوقود والطاقة الناتجة عن تطوير الطائرات التي تستطيع كسر سرعة الصوت، وهي تحديات تزداد مع تزايد الوعي العالمي والهجوم على الطائرات الخاصة نتيجة استهلاك كثير من الوقود الأحفوري في عالم يحاول الاتجاه نحو مصادر طاقة أكثر نظافة. 

ورغم هذه العقبات كلها، إلا أن Boom مازالت سارية في طريقها بخطى ثابتة من أجل تحقيق حلم مؤسسها. ويظل السؤال الأهم: هل تستطيع Boom النجاح فيما فشلت فيه كونكورد Concord؟