فيما يزداد العالم اهتمامًا بسرعة تتجاوز حدود الممكن، تكشف وكالة الفضاء الأوروبية ESA عن رؤية طموحة ستعيد تعريف السفر الجوي والفضائي معًا، من خلال الطائرة الفضائية الأسرع من الصوت Invictus، القادرة على قطع المسافة بين لندن ونيويورك في ساعة واحدة فقط.
إنه مشروع يتجاوز حدود الخيال العلمي ويجمع بين تقنيات الطيران التقليدي وقوة الدفع الصاروخي، ليضع أسس جيل جديد من وسائل النقل الفاخرة التي تختصر الزمن وتفتح آفاقًا غير مسبوقة نحو الفضاء.
بعد تقاعد مكوك الفضاء التابع لوكالة ناسا في عام 2011، ساد الاعتقاد بأن الطائرات الفضائية ستصبح جزءًا من الماضي. لكن الواقع يبدو مغايرًا.
فقد كشفت شركات أمريكية مثل سييرا سبيس كورب Sierra Space Corp وداون إيروسبيس Dawn Aerospace وراديان إيروسبيس Radian Aerospace عن نماذجها الخاصة من الطائرات القادرة على الإقلاع مثل الطائرات العادية، ولكن التحليق مثل الصواريخ.
أما فيرجن غالاكتيك Virgin Galactic، فتخطط قريبًا لإطلاق النسخة دلتا Delta من طائرتها الفضائية. وعلى صعيد الاستخدام العسكري، تشغّل القوات الجوية الأمريكية طائرة فضائية مدارية روبوتية تُدعى X-37B، فيما تملك الصين طائرة مشابهة تُسمى Shelong.
أخيرًا، دخلت وكالة الفضاء الأوروبية على خط هذا القطاع المزدهر، بإعلانها عن تمويل برنامج بحثي جديد يُدعى Invictus، يهدف إلى تطوير طائرة فضائية تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف، أي 5 ماخ، ما يعادل 5448 كيلومترًا في الساعة، ما يمثل ثورة حقيقية في عالم السفر الجوي. ومن المتوقع أن تكون الطائرة جاهزة للعمل بحلول عام 2031، لتعيد تعريف السفر السريع والفخم عبر القارات.
ستقود شركة الاستشارات البريطانية Frazer-Nash هذا المشروع، الذي سيستخدم تقنية طورتها شركة Reaction Engines Ltd، وهي شركة خاصة أُطلقت عام 1989 وسبق لها تصميم طائرة فضائية تُسمى Skylon مبنية بدورها على مفهوم من عام 1982 يُسمى "طائرة الإقلاع والهبوط الأفقي" HOTOL. ومع صعوبات مالية أدت إلى إغلاق الشركة العام الماضي، أصبحت تقنيات Reaction Engines متاحة لمشروع Invictus لتطوير جيل جديد من الطائرات الفضائية.
ستقلع الطائرة Invictus مثل الطائرات التقليدية، ثم تتحول إلى صاروخ، معتمدة على تكنولوجيا المبرد الفائق Pre-Cooler التي طورتها شركة Reaction ضمن محركها الصاروخي الهجين القابل للتنفس من الهواء SABRE، والذي يجمع بين خصائص محركات الطائرات النفاثة والصواريخ، إذ يستخرج الأكسجين من الهواء في الطبقات الجوية المنخفضة لتقليل الحاجة إلى حمل كميات كبيرة من الوقود المؤكسد، ما يجعل الطائرة أخف وأكثر كفاءة. في المقابل، سيكون الهيدروجين السائل الوقود الرئيس للطائرة في الفضاء.
وقال متحدث باسم Frazer-Nash لموقع سبيس دوت كوم: "الطائرات التي تحلق بسرعات فرط صوتية—أكثر من خمسة أضعاف سرعة الصوت—تواجه درجات حرارة هائلة بسبب الصدمات الحرارية واحتكاك الهواء.
محركات الطائرات التقليدية لا يمكنها العمل في هذه الظروف، لأن الهواء يكون ساخنًا جدًا فيصعب التعامل معه". وأضاف أن تقنية المبرد الفائق، التي تبرد الهواء المحمّى في أجزاء من الثانية، قد جُرّبت بنجاح على محركات نفاثة تقليدية، وهو ما يتيح لهذه الطائرات العمل بسرعات هائلة.
وفي حال نجاح مشروع Invictus في تحقيق كامل إمكاناته، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام الجيل الجديد من الطائرات الفضائية. وفي هذا قال تومازو غيديني، رئيس قسم الهندسة الميكانيكية بوكالة الفضاء الأوروبية في بيان صحفي: "نحن نضع الأساس لطائرات تقلع مثل الطائرات وتصل إلى المدار مثل الصواريخ، في ثورة ستغير شكل النقل الجوي والفضائي معًا، وتعيد تعريف طريقة انتقالنا عبر الكوكب وما بعده".
يُذكر أن الفريق المسؤول عن المشروع يواجه تحديًا مزدوجًا، يتمثل في تقديم مفهوم قابل للتنفيذ خلال 12 شهرًا، والوصول إلى نموذج عملي جاهز للطيران بحلول عام 2031، لتكون Invictus علامة فارقة في تاريخ السفر السريع على الأرض وفي الفضاء.