تداعب فكرة التمايز الساعاتي المتسامي خيال صانعي الساعات الفاخرة، ولذلك يشتد التنافس على تطوير ابتكارات تخطر أو لا تخطر على بال، لأن الريادة في نهاية المطاف في صف الجرأة لا القناعة. وقد تكون أبرز دار تخوض غمار هذا التحدي هي فاشرون كونستانتين، التي أصدرت أخيرًا في معرض واتشز أند وندرز ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complication التي حطمت الأرقام القياسية كلها.

ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complication

دخلت الساعة التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن خلفت ساعة فاشرون كونستانتين Reference 57260 التي حملت لقب أكثر الساعات تعقيدًا منذ عام 2015 لاشتمالها على 57 تعقيدًا ساعاتيًا مختلفًا. وتتمايز الساعة الجديدة التي تطلب تطويرها أحد عشر عامًا بدرجة غير مسبوقة من التعقيد، سواء على مستوى الوظائف التي بلغ عددها 63 وظيفة أو على مستوى الزخارف والتشطيبات التي زينت مختلف مكونات آلية الحركة التي يتجاوز عددها 2,800 مكون مختلف.

عادة ما تكون الطرز التي تكشف عنها العلامات البارزة محكومة بالتوجهات السائدة أو الرؤى المستقبلية التي تتوخى تثبيت مكانتها في منظومة المألوف. غير أن تطوير ساعة متفردة كالتي كشفت عنها فاشرون كونستانتين يحتاج إلى اصطبار يتطلع إلى النتيجة المنشودة مهما طال الزمن المطلوب لتحقيقها. ولا غرابة إذن أن يكون هاوي الساعات الذي كلّف الدار العريقة بتطوير الساعتين هو الشخص نفسه: ويليام روبرت بيركلي، مالك شركة التأمين العالمية دبليو آر بيركلي.

ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complication

Vacheron-Constantin

تعاون على تطوير ساعة الجيب هذه ثلاثة صنّاع مهرة من قسم Les Cabinotiers المتخصص في تحويل رؤى هواة الساعات إلى وقائع تستأثر بالأنظار. في هذه الحالة، استوطنت رؤية الزبون الاستثنائية علبة من الذهب الأبيض بقطر 98 ملليمترًا، تقترن بقرصين مصقولين على الواجهتين، وتاج يكتمل بنافذة من البلور الياقوتي على الجانب تسمح بمعاينة موضع التاج عند تعبئة الساعة أو ضبطها. إلى هذا، تتمايز الساعة بميناء أمامي يزدان بلون الأوبالين الفضي، وميناء خلفي يزهو باللون نفسه.

دمج مختلف التعقيدات داخل آلية الساعة

على واجهتي ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complication، تتوزع مجموعة من الوظائف التي يمكن تقسيمها إلى تسعة أقسام رئيسة: تعقيدات قياس الوقت، وتعقيدات التقويم الغريغوري الدائم، وتعقيدات التقويم الصيني الدائم، وتعقيدات التقويم الزراعي الصيني الدائم، وتعقيدات التقويم الفلكي، وتعقيدات كرونوغراف أجزاء الثانية، وتعقيدات المنبه، وتعقيدات الرنين، بالإضافة إلى وظائف أخرى تكمل التعقيدات الثلاثة والستين.

على الواجهة الأمامية، تبرز وظائف قياس الوقت، ممثلة في عداد الساعات القائم عند مؤشر الساعة 12 وعداد الدقائق والثواني الارتدادية الخاص بالتوقيت الشمسي عند مؤشر الساعة 6. تستخدم آلية الارتداد نظامًا يسمح بتعويض الزمن الذي يستغرقه عقرب الثواني الارتدادية في العودة إلى نقطة الصفر، وتشتمل الساعة على آلية توربيون حلقية كروية تسهم في تنظيم عملية القياس بدقة عالية.

إلى جانب التقويم الغريغوري الدائم، تتباهى الساعة كذلك بتقويم فلكي مضبوط على إيقاع مدينة شنغهاي، بما في ذلك مخطط سمائها ومواقيت شروق الشمس وغروبها. أما في ناحية تعقيدات الرنين، فإن الساعة لا تقل في دقتها عن أرقى الابتكارات الحاضنة لهذه الوظيفة المتميزة، إذ يمكن ضبطها لتكون منبهًا يصدر رنينه باستخدام مطرقة واحدة وجرس واحد، أو يمكن توظيف الأجراس الخمسة والمطارق الخمسة لضبط رنين معيد الدقائق، أو يمكن إيقافها كليًا بين الساعة العاشرة مساءً والساعة الثامنة صباحًا، كما أراد لها المالك بيركلي.

 ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complicatio

Vacheron-Constantin

أفلحت دار فاشرون كونستانتين في دمج مختلف هذه التعقيدات داخل آلية ساعة Les Cabinotiers - The Berkley Grand Complication لكنها لم تنس أن تسبغ على مكوناتها التي تقارب الثلاثة آلاف شتى أصناف الزخارف، من الحبيبية والدائرية والمستقيمة والمنحنية وغيرها. وبالرغم من أن هذه التشطيبات تحتجب خلف الميناءين، لكن فتح الساعة كفيل بإدراك البراعة التي تجسدت على مكنونات آلية الحركة التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 60 ساعة. 

من بين مختلف هذه التعقيدات، يبرز التقويم الصيني الدائم مثالًا على مبلغ التحدي الذي واجه الصانعين الثلاثة في أثناء تطويرهم آلية الحركة. إن ما يميز هذا التقويم أنه يشتمل على شهر تكميلي كل سنتين أو ثلاث سنوات، ما يعني أن السنة الصينية العادية تحتوي على 353 أو 354 أو 355 يومًا، فيما تحتوي السنة الزائدة على 383 أو 384 أو 385 يومًا. على أن التغيرات في عدد الأيام ليست الأمر الوحيد الذي تضعه آلية الحركة في الاعتبار، إذ تحتسب أيضًا تغيرات التقويم الصيني الشمسي وكذلك الأبراج الصينية.

ما كان لهذا العدد الهائل من المتغيرات والتعقيدات أن يتناغم داخل ساعة واحدة لولا استخدام خوارزميات تتيح برمجة التقويم بدقة كبيرة إلى حدود عام 2200. من ثم ترجم الحرفيون نتائج هذه الخوارزميات إلى ثلاثة "أدمغة" ميكانيكية بالغة الإتقان، يتكفل أحدها بتدبير الدورة القمرية وثانيها بتدبير الدورة الشمسية فيما يتكفل آخرها بتدبير الدورة الميتونية.