كانت بداية طائرة كونكورد مشروعًا مشتركًا بين شركة الطيران البريطاني والفرنسي. ولمدة 5 أعوام منذ الإعلان عنها للمرة الأولى، انتظر العالم بترقب الكشف عن أسرع طائرة ركاب قادرة على قطع المحيط الأطلنطي في أقل من 3 ساعات تقريبًا. 

وفي مقابل 10 آلاف دولار آنذاك، عززت كونكورد من تفردها لتصبح الاختيار الأول لمحبي السفر والوصول إلى وجهتهم في أسرع وقت ممكن. وعبر العديد من الرحلات التي بدأت عام 1976، تمكنت الطائرة من نقل العديد من المشاهير مثل بول مكارتني وإليزابيث تايلور،  أو فيل كولينز الذي أقام عام 1985 حفلاً في الصباح في لندن قبل أن يذهب إلى فيلادلفيا على بعد 5700 كيلومتر في رحلة بلغت مدتها أقل من 3 ساعات. 

جذب نجاح الطائرة الباهر العديد من شركات الطيران لتقديم طلبات للحصول عليها. ولكن في النهاية، لم تستطع إلا شركة الطيران الفرنسي والبريطاني المحافظة على خطوط سير الطائرة بشكل مناسب ومستمر، إذ كانت الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة أمرًا ثابتًا دومًا إلى جانب الرحلات الأخرى المتجهة إلى البحرين وبضع وجهات أخرى حول العالم. 

ولكن طائرة كونكورد تنتمي إلى عهد لم يكن العالم ينظر فيه إلى الوقود المستهلك في رحلات الطيران التجارية، لذلك كان من المقبول في وقتها أن تستهلك الطائرة من الوقود أكثر من 4 أضعاف ما تستهلكه رحلة Boeing 747 المعتادة التي تستطيع حمل 500 راكب (في مقابل 100 راكب في طائرات كونكورد). ولم تقتصر العقبات أمام كونكورد على استهلاك الوقود فحسب، بل امتدت إلى الحظر الكليّ من هيئات حكومية تمنع كسر حاجز الصوت في المناطق السكنية، والتحديات المتعلقة بشركات الطيران المختلفة، ومن ضمنها الأزمة التي طرأت في قطاع الطيران العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر، لينتهي عهد كونكورد الذي هيمنت فيه على الأجواء بوصفها الطائرة الأسرع في العالم في نوفمبر 2003. 

ومنذ ذلك الوقت، ظلّ حلم التحليق بسرعات تتجاوز سرعة الصوت يراود مختلف شركات الطيران في العالم، ولكن بالطبع مع طائرات ومواصفات جديدة تناسب العصر الحديث وقوانينه، وهو ما تحاول الشركات الناشئة الوصول إليه، ومنها شركة Boom المطوّرة لطراز Overture الذي يُعد الجيل الأحدث من طائرات كونكورد. 

طائرة مستدامة تستعد لحمل الراية بعدها

Boom

ورغم كون Boom Overture قادرة على تحقيق سرعات أقل نسبيًا من كونكورد، إذ تصل سرعتها القصوى إلى 1.7 ماخ، إلا أن الشركة تحاول إيجاد حلول مبتكرة للتغلب على العقبات التي اعترضت نجاح كونكورد وكانت من أسباب اندثارها. وتشمل هذه الحلول الاعتماد على الوقود المستدام للتحليق، ومحاولة تخطي مشكلة صوت الانفجار الذي يسمع عند كسر الطائرة لحاجز الصوت. 

ترى شركة Boom أن المستقبل لا يزال  أمامها، إذ إنها تحاول جاهدةً الوصول إلى النتائج المنشودة مع الحفاظ على السرعة القصوى للطائرة. وفي هذا السياق، حصلت الشركة على تمويلات كان من ضمنها تمويل من صندوق نيوم إلى جانب استقبال طلبيات من بضع شركات طيران للحصول على 35 طائرة بحلول عام 2029. 

في الوقت الحالي، ما زالت الشركة تجري اختباراتها بشكل دوري على الطائرات الاختبارية التابعة لها مثل XB-1 التي يتوقع أن تصبح جاهزة للاختبار النهائي قبل نهاية هذا العام، لتنطلق في رحلتها الأولى قبل نهاية عام 2024.

ويظل السؤال متروكًا من دون إجابة: هل تستطيع طائرة Boom Overture الارتقاء وحمل إرث كونكورد العريق؟ أم تظل محاولة واعدة من دون تحقيق نتائج حقيقية؟