منذ تأسيسها عام 1744 على يد بائع الكتب اللندني صموئيل بيكر، رسّخت دار سوذبيز مكانتها بوصفها رمزًا عالميًا للفخامة الثقافية والفنية. وعلى مدار ما يقرب من ثلاثة قرون، لم تكن سوذبيز مجرد دار مزادات، بل منصة تتقاطع فيها أذواق الأثرياء، وتُعاد عبرها صياغة قيمة الفن، ليس جماليًا فحسب، بل استثماريًا أيضًا.

خسائر فادحة تضغط على الدار العريقة

لكن هذا المجد العريق يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة؛ فقد تضاعفت خسائر الدار في عام 2024 لتصل إلى 248 مليون دولار أمريكي، مقارنة بنحو 106 ملايين دولار فقط في العام السابق، وفقًا للتقارير المالية الصادرة عن الشركة الأم بيدفير لوكسمبورغ Bidfair Luxembourg.

ورغم أن عالم الفن لطالما عرف تقلبات في السوق، إلا أن الانخفاض الحاد في الإيرادات من العمولات والرسوم بنسبة 18%، جاء ليؤكد التراجع الضخم في ثقة جامعي الأعمال الفنية الأثرياء، وسط أجواء جيوسياسية مضطربة ونزاعات تجارية تؤثر بشكل مباشر على مزاج السوق وقرارات الشراء.

في محاولة منها لمواكبة التحولات الجذرية في السوق، اضطرت دار سوذبيز إلى تنفيذ خطط إعادة هيكلة داخلية، جاءت أثمانها باهظة رغم هدفها المعلن في تقليص التكاليف. فقد قفزت تعويضات نهاية الخدمة إلى نحو 29.2 مليون دولار أمريكي في عام 2024، مقارنة بمبلغ 11.4 مليون دولار فقط في 2023، وذلك رغم انخفاض عدد الموظفين بشكل طفيف، ما يعكس حجم الأعباء المالية المصاحبة لإعادة الهيكلة، حتى في ظل تقليص الكادر الوظيفي. 

هذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الدار إذ تحاول الحفاظ على بنيتها البشرية والعملياتية في أكثر من 40 دولة، من دون التفريط بمكانتها التاريخية، وفي الوقت نفسه تقليل النزف المالي الناجم عن تراجع المبيعات.

بين الإرث العريق ورهانات المستقبل

ورغم أن دار سوذبيز لطالما عُرفت بقدرتها على التكيّف مع تحولات السوق العالمي، منذ توسعها في نيويورك في خمسينيات القرن الماضي حتى دخولها مجالات متخصصة مثل مزادات الألماس وتقديم القروض بضمان الأعمال الفنية، إلا أن التحوّل الأهم في تاريخها الحديث جاء في عام 2019، عندما استحوذ الملياردير الفرنسي المغربي باتريك دراهي عليها في صفقة خاصة بلغت 4.6 مليار دولار أمريكي.

ومنذ ذلك الحين، أطلق دراهي سلسلة من التغييرات البنيوية العميقة لإعادة تعريف دور سوذبيز في السوق، مدعومًا بشراكة مع صندوق أبوظبي السيادي ADQ، جمعت من خلالها الشركة نحو مليار دولار أمريكي. هذه الاستثمارات، التي جاءت بدافع إعادة التموضع العالمي والتحول إلى كيان ثقافي ومالي متعدد الأدوار، باتت تُترجم اليوم في شكل خطط إعادة هيكلة داخلية واسعة النطاق، صاحبها ارتفاع ملحوظ في التكاليف التشغيلية، وعلى رأسها تعويضات نهاية الخدمة التي بلغت قرابة 30 مليون دولار في عام واحد فقط، وهو ما شكّل أحد العوامل الجوهرية في تفاقم الأزمة المالية الراهنة داخل الدار.

اليوم، تقف سوذبيز عند مفترق طرق: بين تراث ثقيل يمتد لقرون، وواقع مالي وتجاري يتطلب قرارات جريئة وسريعة. وفي عالم باتت فيه قيمة العمل الفني تُقاس بمؤشرات السوق وتقلبات رأس المال، قد يكون التحدي الأكبر ليس في تجاوز الخسائر فحسب، بل في الحفاظ على الهوية.