وسط أجواء من الترقّب الاقتصادي، يسجّل الذهب هذه الأيام أداءً تاريخيًّا. فقد وصل سعر الأونصة إلى مستويات قياسية تجاوزت 3600 دولار للأونصة، بعد أن شهد ارتفاعًا قويًا منذ مطلع العام، وصلت نسبته إلى نحو 39٪. هذا الصعود جاء مدفوعًا بارتفاع الطلب العالمي على الذهب، إذ يُعد ملاذًا آمنًا للاستثمار في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي السائدة.
يقول شون هوي، المدير التنفيذي لشركة التخزين الخاصة IBV International Vaults London، في تصريح عبر البريد الإلكتروني لمجلة Robb Report: "الارتفاع الحالي في الطلب على الذهب يعكس بشكل مباشر القلق المتزايد من التضخم واستمرار التوترات الجيوسياسية. وفي ظل هذه الأجواء، يزداد توجه المستثمرين نحو الذهب بوصفها أصلاً آمنًا لحماية ثرواتهم".
عوامل الدعم
وليست الرسوم الجمركية العامل الوحيد وراء ارتفاع أسعار الذهب، فتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية جعلت المعدن أكثر جاذبية، في ظل ضعف الدولار وتراجع عوائد الأصول التقليدية، إضافةً إلى التساؤلات حول استقلالية البنك المركزي الأمريكي، في جعل المعدن النفيس أكثر جاذبية للمستثمرين.
وأضاف هوي: "في شركة IBV Gold، نشهد ارتفاعًا حادًا في إقبال الزبائن على شراء الذهب الفعلي والمعادن الثمينة بهدف تأمين استثماراتهم، إلى جانب زيادة في عدد المستثمرين الذين يفضلون تخزين أصولهم مباشرة في خزائن خاصة حيث تكون محمية ومعزولة عن تقلبات السوق العالمية".
اتبعت أسعار الذهب مسارًا تصاعديًا مشابهًا في عام 2023، إذ ساهمت تقلبات أسعار الفائدة، والأزمات المصرفية، ومخاوف الركود في هذا الازدهار. وفي عام 2024 ارتفعت أسعار الذهب بنحو 40%.
توقعات البنوك العالمية
رفع بنك يو بي إس UBS توقعاته لسعر الذهب بمقدار 300 دولار لتصل إلى 3800 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2025، وبمقدار 200 دولار لتصل إلى 3900 دولار للأونصة بحلول منتصف عام 2026، مرجعًا ذلك إلى التيسير المتوقع من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي وضعف الدولار الأمريكي المرتبط بخفض أسعار الفائدة. وكذلك رفع بنك Commerzbank توقعاته إلى 3800 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2026، مقارنة بتوقعاته السابقة عند 3600 دولار.
وصرّح بنك يو بي إس في مذكرة: "نحافظ على نظرة إيجابية تجاه الذهب ونبقى في مركز شراء ضمن استراتيجيتنا العالمية لتوزيع الأصول. وتشير تحليلاتنا إلى أن تخصيص نسبة متوسطة من خانة الآحاد للذهب يُعد الأمثل".
كما أشار البنك إلى أن المخاوف الجيوسياسية والفوارق في السياسات بين الإدارة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي تُعد من العوامل الرئيسة التي تعزز جاذبية الذهب، إلى جانب موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعم لخفض أسعار الفائدة.
ووفقًا لوكالة رويترز، توقعت غولدمان ساكس أن تصل أسعار الذهب إلى 3700 دولار بحلول نهاية عام 2025، وإلى 4000 دولار بحلول منتصف 2026، مع احتمال بلوغه 5000 دولار إذا اتجه المستثمرون الأفراد بعيدًا عن الأصول المقومة بالدولار.
وأضافت المؤسسة أن فقدان الاحتياطي الفيدرالي لاستقلاليته في أمريكا سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل، وضعف أسواق الأسهم، وتراجع مكانة الدولار بوصفه عملة احتياطية عالمية، في حين أن الذهب، بوصفه مخزنًا للقيمة لا يعتمد على الثقة المؤسسية، سيكون المستفيد الأكبر.
هذا وقد كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جهوده لفرض سيطرة أكبر على الاحتياطي الفيدرالي، الذي يُنظر إلى قدرته على إدارة التضخم بفعالية على أنها تتطلب استقلالاً عن التأثيرات السياسية في قرارات أسعار الفائدة.
كما قدّرت غولدمان ساكس أنه، وبافتراض بقاء العوامل الأخرى ثابتة، ربما تقترب أسعار الذهب من مستوى 5000 دولار للأونصة إذا ما أُعيد تخصيص 1% فقط من الأموال الخاصة المستثمرة في سوق الخزانة الأمريكية إلى الذهب.
وبحسب رويترز، يرى الخبراء أن محاولات ترامب للتأثير على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وتقويض الثقة بالدولار جعلت الذهب أكثر جاذبية. وفي المقابل، رأى محللون أن خفض أسعار الفائدة يزيد من جاذبية المعدن الأصفر، بينما رفعها يدعم الأصول المدرة للعائد مثل السندات.
الذهب يتجاوز الأسواق التقليدية
لم يقتصر تأثير ارتفاع الذهب على الأسواق المالية فحسب، بل امتد أيضًا إلى عالم الساعات الفاخرة. فقد أعلنت رولكس عن زيادة أسعار ساعاتها المشغولة في علب من الذهب مع بداية عام 2025، إذ ارتفع سعر ساعة Rolex Deepsea بنسبة 11.3% من 52 ألف دولار في 2024 إلى 58 ألف دولار هذا العام.
ومع استمرار هذه التطورات الحالية، يتوقع أن يظل الذهب في موقع الصدارة بوصفه أحد أبرز الأصول الاستثمارية، مع احتمالات قوية لتسجيل مستويات قياسية جديدة خلال السنوات المقبلة.