تتأرجح صناعة الساعات الفاخرة بين صون التقاليد والابتكار، بين حفظ الحِرف العريقة وحمايتها من الاندثار وتبنّي التقنيات الحديثة وإدراجها في عملية الإنتاج.
على أن هذا التأرجح بين ما ترسّخ في الماضي وما يتيحه الحاضر يدفع بالدور العريقة والحديثة على حد سواء إلى استكشاف الإمكانيات الكامنة في القطاع، من حيث اختيار المواد أو استحداث التقنيات أو تطوير التعقيدات.
ومن المواد التي شاع استخدامها في السنوات الأخيرة التيتانيوم، هذه المادة التي يعود ظهورها على المعصم إلى نصف قرن على الأقل، لكن استخدامها في ساعات الدور البارزة استغرق بعض الوقت.
نستعرض هنا بعض الطرز من ساعات التيتانيوم التي ترتقي بهذا المعدن الخفيف والمتين والمقاوم للتآكل على نحو يليق بهواة الجمع المتميزين.
Royal Oak Perpetual Calendar Openworked 150th Anniversary
يصادف هذا العام الذكرى المائة والخمسين لتأسيس أوديمار بيغيه، وبهذه المناسبة فتحت الدار بوّابة إرثها العريق لابتكار جماليات تليق بإصداراتها الاحتفالية، على ما هو عليه حال ساعة Royal Oak Perpetual Calendar Openworked 150th Anniversary التي تشهد على براعة الدار في تطويع المواد.
فقد صيغت العلبة التي يبلغ قطرها 41 ملليمترًا من التيتانيوم، واقترنت بقرص مشغول من "الزجاج المعدني اللابلّوري" Bulk Metallic Glass، الذي يتخلّل السوار المدمج كما يُحيط بغطاء الجزء الخلفي المصنوع من البلور الياقوتي.
عبر الواجهة، يبرز ميناء هيكلي يستمد رموزه من ساعة جيب معروضة في متحف أتولييه أوديمار بيغيه. يطغى لون أزرق داكن على الميناء المشغول من البلور الياقوتي، بداية من الحلقة الداخلية التي تستعرض أسابيع السنة ونهاية بالعدادات الأربعة والعقارب المعززة بمادة وضّاءة.
ويلتزم تنسيق العدادات بالأسلوب المعهود في طرز الدار المجهزة بتعقيد التقويم الدائم، إذ يستقر عداد الأشهر والسنة الكبيسة عند مؤشر الساعة 12، فيما يستقر عداد التاريخ عند مؤشر الساعة 3.
أما عداد أيام الأسبوع، فيقبع عند مؤشر الساعة 9. لكن هذا الطراز يختلف عن سابقيه، وتحديدًا عند مؤشر الساعة 6، حيث تعقيد أطوار القمر الذي يُقارب مرور الوقت من خلال عرض المراحل الثماني للدورة القمرية، مجسّدةً على صفيحة تتباهى بصورةٍ للقمر على ما يُرى من الأرض.
وقد تحقّق تفاعل سائر هذه العناصر بفضل آلية الحركة ذاتية التعبئة Calibre 5135، التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 40 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 20 مترًا.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الإصدار سيمثّل آخر ظهور لهذه الآلية على طرز أوديمار بيغيه، وذلك بعد عقد من الدقة العالية، ضمنت فيه عدم حاجة التقويم الدائم للتصحيح إلا في عام 2100.
Audemars Piguet
صيغت الساعة في علبة من التيتانيوم يثريها ميناء هيكلي يستمد رموزه من ساعة جيب معروضة في متحف أتولييه أوديمار بيغيه.
Bvlgari Octo Finissimo Ultra Tourbillon
شهدت دورة هذا العام من معرض "واتشز أند وندرز" (ساعات وعجائب) المشاركة الأولى لدار بولغري في هذا الحدث الرفيع الذي يحتفي به هواة الساعات الفاخرة حول العالم.
وقد نجحت الدار من خلاله في التعبير عما وصلت إليه من تفوّق في قياس الزمن، وخصوصًا في ساعة Octo Finissimo Ultra Tourbillon التي تعد من أفخم ساعات التيتانيوم. تسير هذه الساعة على هدْي سلفها في تسجيل رقم قياسي جديد على مستوى النحافة.
ولكن تمايزها لا يتوقف عند هذه السمة، بل يمتد إلى ميدان التعقيدات الكبرى، وتحديدًا آلية التوربيون، وإلى ميدان المواد والتصميم.
تستوطن الساعة علبة بقطر 40 ملليمترًا وسماكة 1.85 ملليمتر، مشغولة من التيتانيوم المصقول صقلاً حبيبيًا، وتقترن بقرص ووصلات مشغولة من المعدن نفسه، فضلاً عن تاجيْن من الفولاذ المقاوم للصدأ، أحدهما عند مؤشر الساعة 3 لضبط الوقت والآخر عند مؤشر الساعة 9 لتعبئة آلية الحركة.
وبما أن النحافة تتطلب تحقّق مجموعة من الشروط التقنية الدقيقة، فقد عمد خبراء بولغري إلى صياغة صفيحة الميناء من معدن التنغستن لما يتمايز به من كثافة وصلابة، وبذلك تسنّى لهم احتواء عناصرها على نحو متناغم وأنيق.
وقد أسفر هذا التمايز التقني عن تصميم متناسق، يستقر فيه عداد الساعات والدقائق عند مؤشر الساعة 2، وآلية التوربيون عند مؤشر الساعة 5.
ولتطوير آلية توربيون على هذا القدر من النحافة، كان على بولغري الاستفادة من كل ما راكمته من خبرة في هذا المجال، وهذا ما أنالها ثماني براءات اختراع، منها ما يخص أجزاء آلية التوربيون ومنها ما يتعلق بسوار التيتانيوم المدمج الذي يبلغ سمكه 1.5 ملليمتر.
يُذكر أن الساعة تنبض بآلية حركة ذاتية التعبئة توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 42 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 10 أمتار.
Bvlgari
تحمل ساعة بولغري بالغة النحافة ثماني براءات اختراع، منها ما يخص أجزاء آلية التوربيون، ومنها ما يتعلق بسوار التيتانيوم المدمج الذي يبلغ سمكه 1.5 ملليمتر.
Chopard Alpine Eagle 41 SL Cadence 8HF
لا شيء يدل على الطابع الأيقوني لمجموعة ساعات مثلما يدل انكباب أجيال عدّة من عائلة واحدة على إعادة ابتكارها المرة تلو الأخرى، وكل مرة في حلة أرقى من سابقاتها. وهذا حال مجموعة Alpine Eagle، التي تَعاقب عليها ثلاثة أجيال من عائلة شوفوليه، أسهموا جميعًا في بلورة ساعات تنصهر فيها فلسفة شوبارد التصميمية على نحو يروق لصفوة هواة الجمع.
في هذا الإصدار الجديد، ارتقت الدار فوق عقبة الخفة الفائقة بنجاح محسوب لحرفييها الذين استطاعوا تطوير طراز يُعد الأخف على الإطلاق في المجموعة.
وقد تأتّى لهم ذلك بتوظيف التيتانيوم المختلط بالسيراميك في العلبة التي يبلغ قطرها 41 ملليمترًا وسمكها 9.75 ملليمتر، وفي القرص المزدان بثمانية براغ والتاج المنقوش بزهرة البوصلة الشهيرة.
لاستحداث هذا المركّب من التيتانيوم، المتفرد بمقاومةٍ عالية للخدوش والصدمات، استخدم خبراء شوبارد تقنية الأكسدة الكهربائية بالبلازما، ما عزّز صلابة المعدن ولونه الرمادي الداكن الذي لا يخبو وإن طال الزمن.
إلى جانب اللون الدائم، تزهو العلبة بتشطيبات حبيبية رفيعة، تتناغم مع زخارف الميناء المستمدة من قزحية عين النسر والتي تتجلى عبر الواجهة المشغولة من البلور الياقوتي.
ويتباهى هذا الميناء، المشغول أيضًا من التيتانيوم المطّعم بالسيراميك، بلون أسود داكن يُحيل إلى حلكة الليالي فوق القمم الجبلية، كما يتضمن حلقةً للدقائق وعقربًا للثواني بلون برتقالي بارز ونافذة لعرض التاريخ بين مؤشري الساعة 4 والساعة 5.
ولكن شوبارد لم تكتفِ بمزايا الخفة والجماليات البصرية، إذ ارتقت أيضًا بآلية الحركة ذاتية التعبئة، التي تنبض بتردد 8 هرتز، من خلال صياغة بعض مكوّناتها من التيتانيوم واستخدام السيليكون أحادي البلورات للحد من الاحتكاكات. توفّر هذه الآلية احتياطيًا للطاقة يدوم 60 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 100 متر.
Chopard
في الطراز الأخف في المجموعة، استخدم حرفيو الدار التيتانيوم المختلط بالسيراميك، ولاستحداث هذا المركب الذي يزيّن العلبة والميناء اعتمدوا تقنية الأكسدة الكهربائية بالبلازما.
Vacheron Constantin Overseas Grand Complication Openface
عندما تبتكر علامة ما آلية حركة شديدة التعقيد، فمن الطبيعي أن تحاول إبراز مكوّناتها قدر الإمكان، ليس عبر الجزء الخلفي للعلبة فحسب، بل حتى عبر الواجهة. وتعدّ فاشرون كونستانتين من أوائل الدور التي تبنّت هذا النهج، عندما خالفت التوجه الجمالي السائد خلال عشرينيات القرن العشرين، ذروة حقبة الآرت ديكو، باعتماد التصميم المفتوح في ساعات الجيب التي أصدرتها آنذاك.
وقد استمرت الدار على هذا التقليد إلى اليوم، على ما تشهد ساعة Overseas Grand Complication Openface التي تعد من أفخم ساعات التيتانيوم، ولانطوائها على تعقيد معيد الدقائق، استغرق الوقوف على صيغتها النهائية نحو عام ونصف من البحث والتطوير.
تستوطن الساعة علبةً مشغولة من التيتانيوم بقطر 44.5 ملليمتر وسماكة 13.1 ملليمتر، تقترن بقرص تتجانس عليه التشطيبات اللامعة والتشطيبات المستحدثة بتقنية السفع الرملي على نحو يُعزز طابعها الرياضي، خصوصًا في ظل اكتمالها بسوار قابل للتبديل مصنوع من التيتانيوم.
عبر الواجهة، تبرز عناصر الميناء بألوانٍ متباينة بين الرمادي والفضي والأزرق، يزيد من تباينها استخدام البلور الياقوتي في صياغة العدادات المتناسقة على صفحته.
ويتجلى هذا التناسق في أسلوب عرض تعقيد التقويم الدائم الذي يتضمن عدادًا للتاريخ عند مؤشر الساعة 3 وعدادًا لأيام الأسبوع عند مؤشر الساعة 9 وعدادًا للأشهر عند الساعة 12 يُحاذيه على يمينه مؤشر السنة الكبيسة.
إلى ذلك، يشتمل الميناء على آلية توربيون عند مؤشر الساعة 6، تُحيطها حلقة للثواني الصغيرة، ومؤشرات وعقارب مشغولة من الذهب الأبيض ومطلية بمادة سوبرلومينوفا الوضاءة.
لا ننسى أيضًا تعقيد معيد الدقائق الذي يرنّ عند الطلب على رأس كل ساعة أو ربع ساعة أو دقيقة بفضل آلية الحركة ذاتية التعبئة Calibre 2755 QP التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم نحو 58 ساعة.
KARIN CREUZET
تستوطن الساعة علبةً من التيتانيوم تقترن بميناء مكشوف يستعرض الأسلوب المبتكر في عرض تعقيد التقويم الدائم الذي يتكامل مع آلية التوربيون وتعقيد معيد الدقائق.
Richard Mille RM 43-01 Ferrari Tourbillon Split-Second Chronograph
عندما انعقدت الشراكة بين علامتي ريتشارد ميل وفيراري في عام 2021، لم يكن أحد من المهتمّين بصناعة الساعات الفاخرة ليتصور أن الإصدار الأول الذي يتمخض عن هذه الشراكة سيكون ساعةً لا يزيد سمكها على 1.75 ملليمتر.
لكن هذا ما حدث. فمن خلال ساعة RM UP-01 Ultrafat Ferrari، أعلنت كلتا العلامتين أن التعاون بينهما سيخرج عن حدود المألوف، وهو ما تأكد مرة ثانية مع ساعة RM 43-01 Ferrari Tourbillon Split-Second Chronograph التي تعود إلى ثنائية التعقيدات الكبرى التي عززت بها ريتشارد ميل بعض طرزها السابقة، لتضيف إليها عناصر مأخوذة من عالم الحصان الجامح.
وقد يكون أول هذه العناصر التيتانيوم المصقول، الذي صيغت منه العلبة المستطيلة والقرص والبراغي البارزة، ومركب الكربون Carbon TPT الذي صيغت منه الأزرار الضاغطة.
PHILIPPE LOUZON
في العلبة المستطيلة التي صيغت من التيتانيوم المصقول، تبرز عبر الواجهة المشغولة من البلور الياقوتي تفاصيل تستلهم عالم السرعة احتفاءً بشراكة ريتشارد ميل وفيراري.
تبرز مزيد من التفاصيل المتعلقة بعالم السرعة عبر الواجهة المشغولة من البلور الياقوتي، إذ يحتضن الميناء عدادًا للدقائق الثلاثين عند مؤشر الساعة 9، وعدادًا لاحتياطي الطاقة بين مؤشري الساعة 10 والساعة 12، وعدادًا لعزم الدوران بين مؤشري الساعة 12 والساعة 2، وصورة الحصان الجامح عند مؤشر الساعة 7.
كما يستعرض الميناء آلية توربيون تقترن بعدادٍ للثواني الصغيرة مقسّم إلى خمسة أقسام قوام كل واحد منها 12 ثانية، فضلاً عن عقربي الكرونوغراف وعقارب الساعات والدقائق المتفردة بتصميم مخروم.
في سبيل لمّ شمل آلية التوربيون وتعقيد كرونوغراف أجزاء الثانية، كان لزامًا على خبراء ريتشارد ميل ابتكار آلية حركة جديدة من الصفر.
ومع أن الأمر استغرق ثلاث سنوات، ولكن النتيجة كانت تحفة تقنية متفردة ومتينة، توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 70 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 50 مترًا. وقد طرحت ريتشارد ميل هذه الساعة في 75 نموذجًا فقط.