لم يكن 2025 عامًا عاديًا في ذاكرة الموضة، بل فصلاً مؤثرًا ودافئًا في سجلها الذهبي. فقد ودّع العالم خمسة من أبرز المبدعين الذين شكّلوا ملامح الأناقة العالمية خلال العقود الماضية؛ أسماء تركت بصمتها على القطاع، وحوّلت الإبداع إلى إرث خالد يتجاوز حدود الزمن.

ليونارد أ. لودر  

في منتصف العام، طوى عالم الجمال أحد فصوله الأهم مع رحيل ليونارد أ. لودر، الرجل الذي جعل من علامة ايستيه لودر Estée Lauder أكثر من شركة مستحضرات تجميل، بل مدرسة في الحلم والابتكار. وُلد ايستيه في نيويورك عام 1933، وشهد منذ طفولته بدايات العلامة التي أسسها والداه، قبل أن ينضم رسميًا إليها في عام 1958 ليقودها عبر أكثر من ستة عقود من التحوّل والتوسع العالمي.

خلال رحلته الطويلة، أعاد لودر تعريف مفهوم الفخامة في عالم الأناقة والجمال، فأسس أول مختبر للبحث والتطوير داخل الشركة، واستقطب نخبة العقول الإدارية والعلمية، ووضع اللبنات التي جعلت الدار رائدة في صناعة العناية بالبشرة والعطور على مستوى العالم.

تحت قيادته، قفزت الشركة من متجر محلي إلى كيان دولي بقيمة مليارات الدولارات، لتصبح مثالاً على التلاقي النادر بين الرؤية العائلية والإدارة المؤسسية. حتى بعد تقاعده عن الرئاسة التنفيذية، ظلّ ليونارد لودر مرجعًا ومُلهمًا لأجيال روّاد الأعمال والعاملين في عالم الفخامة.

ليونارد أ. لودر

AFP

آفا آه لو

المصمم آفا آه لو Afa Ah Loo واسمه الحقيقي Arthur Folasa Ah Loo، يُعد أحد الأصوات الإبداعية الأكثر جرأة وصدقًا في جيل جديد من مصممي الأزياء العالميين. فهو ابن جزر ساموا الذي نسج ألوان المحيطات في خيوط القماش، وحمل منذ بداياته إيمانًا بأن الموضة يمكن أن تكون مساحة شمول واحتفاء بالأجساد والقصص الإنسانية.

أطلق آه لو علامته التي تحمل اسمه عام 2013، وسرعان ما لفت أنظار النقّاد في أسبوع الموضة في فيجي ولوس أنجليس بفضل تصاميم تحتفي بالهوية الجزرية وتعبّر عن البهجة والحرية. وبين عامي 2022 و2024، صمّم أزياء لعدد من الأسماء اللامعة مثل دانا بوي نيغريتي وأولي كرافالو، إلى جانب أزياء لملكات جمال ساموا في المسابقات الدولية.

توفّي آه لو في 14 يونيو 2025. وبرحيله، فقدت الموضة العالمية مبدعًا آمن بأن التصميم الأجمل هو ذاك الذي يجعل الناس يرون أنفسهم فيه.

آفا آه لو

Afa Ah Loo / Instagram

مارينا يي

في نوفمبر، خسر عالم الموضة صوتًا عميق الأثر: المصممة البلجيكية مارينا يي، إحدى ركائز مجموعة أنتويرب سيكس Antwerp Six التي أعادت صياغة هوية التصميم الأوروبي في ثمانينيات القرن الماضي. كانت يي بعيدة عن الأضواء كما أرادت دومًا، لكنها تركت في غيابها صدى حادًا يعكس حجم حضورها الحقيقي.

لم تكن تصاميمها صاخبة أو معنية بالإبهار وإنما صُنعت بهدوء يشبه شخصيتها، إذ كانت تسأل من خلال أزيائها: ماذا يعني أن نرتدي؟ وكيف تُغيّرنا الملابس كما نغيّرها؟ بفضل هذا الوعي، صنعت لنفسها مكانة خاصة وسط جيلٍ من المصممين الذين حوّلوا الموضة من استعارة للتجميل إلى وسيلة للإبداع.

ظل تأثيرها واضحًا في أجيال المصممين الذين جاؤوا بعدها، ممن وجدوا في أسلوبها المجرّد مصدرًا للإلهام والحرية. ومع رحيلها، خسرت الموضة واحدًا من العقول التي أثبتت أن البساطة يمكن أن تكون أعقد أشكال التعبير.

مارينا يي

Marina Yee / Instagram

بول كوستيلو  

واصل شهر نوفمبر توديع رموز الموضة الكبار، وهذه المرة برحيل المصمم الإيرلندي بول كوستيلو، أحد الأسماء التي ربطت الأناقة البريطانية بالروح الإنسانية في التصميم على مدى أكثر من أربعة عقود.

وُلد كوستيلو في دبلن عام 1945، وتلقى تعليمه في أكاديمية غرافتون لتصميم الأزياء، قبل أن ينتقل إلى المعهد الباريسي Chambre Syndicale de la Haute Couture (الغرفة النقابية للأزياء الراقية). هناك صقل موهبته التقنية، ثم عمل في ميلانو ونيويورك قبل أن يؤسس علامته الخاصة عام 1979، فارضًا أسلوبًا يجمع البساطة الراقية بالحرفية الأوروبية.  

جاءت محطته الأبرز عام 1983 حين اختارته الأميرة ديانا مصممًا شخصيًا لها في علاقة مهنية استمرت حتى رحيلها عام 1997 وأسهمت في ترسيخ صورته بوصفه مصممًا يجيد ترجمة الأنوثة البريطانية في أبهى صورها.

حتى سنواته الأخيرة، ظل كوستيلو وجهًا مألوفًا على منصة أسبوع لندن للموضة. فقد قدّم في سبتمبر الماضي آخر عروضه التي جسدت ذوقه الهادئ وأناقة قصّاته المائلة إلى الرقة والتوازن. ترك وراءه مسيرة تمتد من صالات العرض إلى الحياة اليومية، مؤكّدًا أن الأناقة الحقيقية تكمن في البساطة المدروسة والصدق مع الذات.

بول كوستيلو

AFP

جورجيو أرماني 

كان إعلان دار أرماني عن رحيل مؤسسها جورجيو أرماني في سبتمبر الماضي بمنزلة لحظة صمت امتدت عبر عالم الموضة بأكمله. فالرجل الذي أعاد تعريف الأناقة الإيطالية منذ السبعينيات لم يكن مجرد مصمم، بل مؤسسًا لأسلوب حياة فخم ومتوازن ترك بصمته على كل زاوية من الرفاهية الحديثة.

بدأت فلسفة أرماني بثلاثة عناصر بسيطة غيّرت مسار الموضة العالمية: سترة غير مبطنة، وسروال مريح، ولوحة ألوان حضرية محايدة. بهذا المزيج ابتكر ما أصبح لاحقًا يُعرف باسم الأناقة الهادئة. بفضل الأسلوب المبتكر والتجدد الدائم، تحوّلت دار أرماني على مر السنين إلى إمبراطورية تمتد من الأزياء إلى العطور والأثاث والضيافة حتى الشوكولاته، برؤية متكاملة جعلت اسم أرماني مرادفًا للانضباط والرقي الإيطالي.

جورجيو أرماني

AFP

حتى أيامه الأخيرة، ظلّ أرماني يقود علامته بهدوئه المعتاد، رافضًا الخوض في مسألة الخلافة علنًا، مكتفيًا بتأسيس مؤسسة خيرية تضمن وحدة شركاته. وبرحيله، يُغلق فصل أساسي في تاريخ أناقة القرن العشرين، لكنه يترك وراءه مدرسة كاملة في البساطة المقصودة، وتذكيرًا بأن الأرستقراطية الحقيقية تولد من التفاصيل المتقنة وليس من المظاهر.