في الركن الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، تعود محافظة العُلا لتشرع فضاءاتها أمام زوار يطلبون أنسًا بين واحات النخيل ومزارع الحمضيات، والجبال الرملية والصخور العجيبة التي تشكلت عبر المساحات الصحراوية أبجدية لحكايات عمرها آلاف السنين. في صحراء العُلا، الرابضة على طريق البخور والتوابل، يتحوّل سكون الصحراء صخبًا ماتعًا يتردد صداه من دادان وجبل عِكمة إلى موقع الحِجر الأثري، مستلبًا الأفئدة لانغماس آسر في مهرجانات وتجارب تجمع بين المغامرات الاستكشافية وتعرّف التراث والتاريخ، والعروض الفنية والموسيقية.

كنوز ونقوش وحكايات

منذ عام 2017، نشطت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا في تحقيق خطة طويلة الأمد لتطوير هذه المنطقة التي شكلتها يد الطبيعة ويد الإنسان بما يضمن ترسيخ مكانتها على نحو مستدام من حيث كونها واحدة من أبرز الوجهات الأثرية والثقافية والسياحية والترفيهية في المملكة العربية السعودية والعالم على حد سواء، وبما يتماشى مع رؤية 2030. وأول ما أثمرت عنه مبادرات الهيئة في هذا السياق نافذة عبور إلى حكايات تاريخ غارق في القدم ما فتئت تعترش مساحات العُلا، حيث تزيّن الجرود والوديان بقايا مستوطنات من زمن غابر، ومقابر أثرية لحضارات اندثرت مخلّفة نقوشها وكنوزها محفورة في صخر ورمل. هذه الواحات من صحراء العُلا تبوح بحكاياتها للزائرين طيلة الفترة الممتدة من شهر سبتمبر الفائت حتى أواخر شهر يونيو المقبل على صهوة جولات استكشافية تسخى على مريديها بصخب تاريخ يعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين. 

 

نُقوش بالخط الداداني تزين صخور صحراء العُلا

صحراء العلا
نُقوش بالخط الداداني تزين الصخور في جبل عكمة الذي يبدو أشبه بمكتبة مفتوحة في صحراء العُلا توثّق يوميات من سكنوا الأرض قبل القرن السادس قبل الميلاد.

في الجزء الشمالي الشرقي من صحراء العُلا، تُرجع أصداء التاريخ في موقع دادان الذي يستظل بفيء جبال شديدة الحمرة آثار من مملكتي دادان ولحيان تستحضر الإرث الحضري لمن سكنوا هذه الأرض قبل القرن السادس قبل الميلاد، فيما المقابر التي نُحتت على واجهة الجبل الشرقي المجاور، وفي طليعتها مدافن الأسود، توثّق فنون العمارة والهندسة التي عرفها الدادانيون واللحيانيون، وسبل عيشهم والأنظمة الاجتماعية التي احتكموا إليها. وعن مملكة لحيان - التي بسطت سلطانها على المنطقة من القرن السابع (أو التاسع) قبل الميلاد حتى القرن الثاني قبل الميلاد.

بقايا مقابر منحوتة داخل الجبال الصخرية في موقع الخريبة الأثري من صحراء العُلا

Ratib Al Safadi
بقايا مقابر منحوتة داخل الجبال الصخرية في موقع الخريبة الأثري، أرض مملكة دادان.

 يحكي جبل عِكمة في صحراء العُلا كأنه مكتبة نُحتت من صخر لتوثق بمئات النقوش والكتابات بلغات مختلفة يوميات مجتمع عرف أصول المعاملات التجارية والمقايضة وجباية الضرائب والخراج، وامتهن بعض الحرف الدقيقة مثل صياغة المعادن والنحت، بل كان أيضًا على دراية بفن العزف على الآلات الوترية.

يحتضن جبل البنات في موقع الحجر واحدًا من أكبر تجمعات المدافن. هناك نُحِت 29 مدفنًا في مختلف جوانب جبل الحجر الرملي.

صحراء العُلا
يحتضن جبل البنات في موقع الحجر واحدًا من أكبر تجمعات المدافن. هناك نُحِت 29 مدفنًا في مختلف جوانب جبل الحجر الرملي.

متحف مفتوح وفنون صخرية  

لكن الشاهد الأبرز على المأثرة التراثية العالمية التي تمثلها العُلا يحتجب في موقع الحِجر الأثري، أكبر موقع محفوظ للحضارة النبطية جنوب البتراء في الأردن، وأول موقع في المملكة العربية السعودية أدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في عام 2008.

في تلك المدينة القديمة الممتدة على مساحة 52 هكتارًا، تأخذك جولة استكشافية على مر ساعتين لتعرّف قصص الأنباط الذين كانوا يسكنون سهلًا منبسطًا أسفل تكوينات صخرية طبيعية نحتوا فيها مقابرهم. عبر امتدادات صحراوية تحتضن اليوم ما يقارب 111 مقبرة، بدءًا من جبل البنات ومقبرة لحيان بن كوز، إلى جبل الأحمر وجبل الخريمات، تستكشف برفقة الرواة والمرشدين بعض حكايات شعب العُلا القديم وثقافته.

هناك تبدو المقابر المنحوتة في تشكيلات صخرية عملاقة أشبه بقصور تزهو واجهاتها بالأعمدة البارزة والتيجان المزخرفة والتجاويف الجدارية لتوثّق إرث الأنباط الذين أتقنوا فنون الهندسة والنحت والزخرفة، بقدر ما برعوا في حفر الآبار وشق القنوات المائية على ما تشهد من حول مدينة حِجر أنقاض أكثر من 130 بئرًا تحمل دلالات كافية على محاولات التكيف مع مناخ صحراء العُلا القاحل. وفي شرقي المدينة التراثية، يرتفع النتوء الصخري المسمّى جبل أثلب شاهدًا على الممارسات والطقوس الدينية القديمة فيما يحتشد فيه أكثر من 100 نقش بلغات مختلفة بعضها رسائل خلّفها السكان المحليون، والمسافرون، والجنود الذين كانوا يحرسون الطريق إلى مدينة دادان القريبة.

معالم وجه تخاله يحرس تاريخ صحراء العُلا من علو.

صحراء العلا
صخرة شكلت يد الطبيعة ذراتها معالم وجه تخاله يحرس تاريخ العلا من علو.

في صحراء العُلا التي تُعد اليوم أكبر متحف حيّ في العالم، لا تنضب فرص الغوص في استكشاف كنوز تراثية من أزمنة غابرة. وبعض هذه الكنوز يتجلى في هيئة فنون صخرية يأخذك إلى عوالمها مسار ينبسط في الحِجر على امتداد نحو 1500 كيلومتر. وسواء تتبعت المسار نهارًا، أو ليلاً باستخدام المشاعل لتجربة غامرة تستلهم الحياة الليلية قديمًا، فإنك ستكتشف، إذ تسير عبر 10 محطات للفن الصخري، رسومًا حفرها فوق الصخر من عبروا في المكان أو استوطنوا ضفاف الواحات، وكلها توثّق حكايات يطول شرحها، من طرائق الصيد والقتال التي يستحضرها مثلاً رسم لآدمي يوجّه سلاحه نحو فارس على صهوة جواده، أو مشهد يجسّد استخدام الكلاب في صيد الوعول، وليس انتهاء بلوحات صخرية تبيّن أصول استئناس الجمال ورعي الماشية في منطقة لم ينقطع الوجود البشري فيها على مر عشرات آلاف السنين.  

تحتضن منطقة الخريمات بالحجر 53 مدفنًا موزعة على تسعة جبال في صحراء العُلا

صحراء العلا
وسط الامتدادات الصحراوية، تحتضن منطقة الخريمات بالحجر 53 مدفنًا موزعة على تسعة جبال تزهو واجهاتها بالأعمدة البارزة والتيجان المزخرفة والتجاويف الجدارية.

شتاء طنطورة

وأنت تستزيد من كنوز لا تنفك تعاند عاديات الدهر، لا تفوّت زيارة بلدة العُلا القديمة التي جرى استيطانها بدءًا من القرن الثاني عشر على أقل تقدير والتي تتجلّى متاهة تتناثر في رحابها بقايا أكثر من 900 بيت من الطين تحرسها من علو قلعة قديمة. يشكل سوق وادي القُرى، الذي أعادت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا إحياءه، امتدادًا للبلدة ولحكايات تستعيدها على ألسنة أهل السوق في المتاجر التراثية حيث تُباع قطع من الصابون مصنوعة من رمال وتمور صحراء العُلا، وسلال حُبكت من خوص نخيلها، وحلي قديمة، ومشغولات من خشب الأثل والنحاس وغيرها.

كلاسيكيات على ضوء الشموع / صحراء العُلا

صحراء العلا
تجربة حسية آسرة أتاحها حفل "كلاسيكيات على ضوء الشموع" في محيط الآثار النبطية.

وفي السوق الذي يرتفع في جانب منه مسجد الصخرة التاريخية – فيما مسجد العظام حيث صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى غزوة تبوك يقع إلى الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة - يحتجب موقع المزولة الشهيرة أو "الطنطورة" التي استُلهم منها اسم مهرجان شتاء طنطورة في العُلا. إلى يومنا هذا، يواظب السكان المحليون على استخدام هذه الساعة الشمسية التي وجدت طريقها إلى هذا الموقع قبل نحو 400 سنة في هيئة بناء هرمي يتحدد به بدء موسم الزراعة وتبدّل الفصول، لا سيما بداية ما يُعرف بمربعانية الشتاء. 

 قاعة المرايا التي تستضيف العروض الأوبرالية والفنية في صحراء العُلا

صحراء العلا
تتجلى قاعة المرايا في صحراء العُلا التي تستضيف العروض الأوبرالية والفنية تحفة معمارية ترتفع من رمال وادي عشار مثل سراب فيما تتباهى واجهاتها بمرايا تعكس مفاتن الطبيعة المحيطة.

انطلق مهرجان شتاء طنطورة، المندرج ضمن برنامج لحظات العُلا، في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر الفائت، وكانت البداية من حفلين مهيبين نُظما للمرة الأولى في هذه الدورة من المهرجان تحت عنوان "كلاسيكيات على ضوء الشموع". في تجربة حسية استحوذت على الأسماع والأبصار والأفئدة، أضاءت مئات الشموع الآثار النبطية في موقع الحِجر فيما ملأت سكون صحراء العُلا الأنغام الآسرة لمعزوفات كلاسيكية ومعاصرة تلاقت عبر نوتاتها الموسيقا الغربية بالشرقية.

سوق بلدة العلا القديمة / صحراء العُلا

صحراء العلا
في سوق بلدة العلا القديمة، سلال تُحبك من خوص النخيل.

سيشمل مهرجان شتاء طنطورة، الذي يستمر حتى الثاني والعشرين من الشهر المقبل، عروضًا موسيقية وغنائية أخرى مسرحها قاعة المرايا، هذه التحفة المعمارية التي ترتفع من رمال وادي عشار مثل سراب فيما تتباهى واجهاتها بمرايا عاكسة تعادل مساحة 9,740 مترًا مربعًا لتعكس مفاتن الطبيعة المحيطة بموازاة الاحتفاء بالدور التاريخي للعُلا من حيث كونها نقطة تلاقي الحضارات القديمة، ومركزًا ثقافيًا حديثًا توثّق رحابه مشهد الفنون المتنامي في صحراء العُلا.

بلدة العلا القديمة / صحراء العُلا

صحراء العلا
ما فتئت بلدة العلا القديمة، التي كان يحتجب قديما خلف أبوابها الأربعة عشر ما مجموعه 900 منزل و400 متجر وخمس ساحات، تحتضن بقايا أبنية من الحجر والطوب.

وللمرة الرابعة، سيعود صوت مغني الأوبرا الإيطالي أندريا بوتشيللي ليصدح من على خشبة مسرح المرايا الذي يتهيأ لاستضافة نخبة من الفنانين والموسيقيين العالميين والمحليين، وفي طليعتهم الفنان السعودي عبد الرحمن محمد الذي يشتهر بغناء القصائد الغزلية التراثية والتلحين الارتجالي، والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو المصري عمر خيرت.

صخرة رملية في صحراء العُلا نُحتت بإزميل عوامل التعرية على هيئة فيل عملاق

Mohammed Alkaabi
تشمل أبرز معالم صحراء العُلا صخرة رملية نُحتت بإزميل عوامل التعرية على هيئة فيل عملاق.

الخيل والبيداء ومسارات المغامرين

بموازاة المسارح الحية التي يتخللها أيضًا مهرجان شتاء طنطورة - والتي تُقام في الواحات الطبيعية وفوق الطرقات الترابية، مثل عرض مسار الشعراء، وعرض الرحالة ابن بطوطة في البلدة القديمة – ومهرجان العُلا للحمضيات الذي ينعقد هذا الشهر ويشمل مزادًا لبيع المحصول المحلي، يعاود شتاء طنطورة الاحتفاء بالروابط التاريخية الوثيقة بين صحراء العُلا والحصان العربي، بدءًا من "عرض أزياء الفرسان في الحِجر" الذي ينطلق بتاريخ 27 يناير الحالي، يليه سباق كأس الفرسان للقدرة والتحمل، الذي يُنظم في العُلا للمرة الثالثة وينقسم إلى أربع مراحل على امتداد 120 كيلومترًا في الصحراء.

الانزلاق عبر الحبال المعلقة في سماء حرة عويرض / صحراء العُلا

صحراء العلا
لهواة المغامرات، جرعة من الإثارة في صحراء العُلا، يعد بها الانزلاق عبر الحبال المعلقة في سماء حرة عويرض.

 كما تستضيف هذه الواحة يومي 11 و12 فبراير المقبل بطولة العُلا لبولو الصحراء التي ستتنافس فيها هذه السنة أربع فرق بحضور نخبة من اللاعبين العالميين ورُعاة لعبة الملوك. على هامش مهرجان شتاء طنطورة، وبرنامج لحظات العُلا، تبرز هذه المنطقة أيضًا وجهة تليق بهواة المغامرات والباحثين عن جرعة من الإثارة توازن الشعور الغامر بالسكينة الذي تشيعه صحراء العُلا في النفوس.

بطولة العلا للفروسية على أرض صحراء العُلا

صحراء العلا
بطولة العلا لبولو الصحراء جزء من أنشطة تحتفي بالفروسية وإرثها التاريخي في المنطقة.

بالإضافة إلى الجولات التقليدية على متن منطاد الهواء الساخن، أو طائرة مروحية تحلق فوق سبعة من أشهر المعالم والمواقع التراثية في صحراء العُلا، بما في ذلك جبل الفيل وسكة حديد الحجاز، تشمل التجارب الأخرى المتاحة الانزلاق بسرعة 100 كيلومتر في الساعة عبر الحبال المعلقة في سماء حرّة عويرض، ومسار المغامرة الذي يتيح المشي عبر ثمانية كيلومترات من الكنوز التاريخية.

رحلة على متن طائرة مروحية استكشاف مفاتن صحراء العُلا

صحراء العلا
تتيح لك رحلة على متن طائرة مروحية استكشاف مفاتن صحراء العُلا ومواقعها الأثرية من علو.

والقيادة عبر الطرقات الصحراوية الوعرة قبل المضي مشيًا على الأقدام مسافة قصيرة فوق مسار مرتفع لاستكشاف قمة بركان خامد. تتأتّى لضيوف العُلا أيضًا الفرصة لركوب الجمال في قافلة تجوب وادي عشار بموازاة اختبار الثقافة البدوية من خلال قصص شعبية ومخيم تقليدي، أو القيام بجولات في رحاب موقع الحِجر على الطراز النبطي على متن عربات تجرها الخيول. 

عمل فني بعنوان The Black Arch / صحراء العُلا

The Black Arch
عمل فني بعنوان The Black Arch للفنانة السعودية شادية عالم التي تشارك في معرض What Lies Within.

فضاءات الإبداع

بداية من شهر فبراير المقبل، ينطلق مهرجان فنون العُلا بجدول أعمال يحتشد بالمعارض وبإبداعات المواهب الفنية فيما يحتفي بتراث العُلا العريق ويرسّخ مكانتها ملتقى للتبادل الثقافي. وتتصدّر برنامج الأحداث المرتقبة النسخة الثانية من معرض ديزرت إكس العُلا Desert X AlUla الذي يحوّل الامتدادات الرملية الشاسعة، والمنحدرات الشاهقة التي تشكلت من الحجر الرملي، والصخور الضخمة إلى خلفية لروائع إبداعات فنانين سعوديين وعالميين وحدتهم رؤية منسقي المعرض، ريم فضة ورنيم فارسي ونيفيل وايكفيلد، من حول فكرة "السراب"، متيحة لهم أن يستكشفوا بملكتهم الفنية العلاقة الوثيقة التي تربط السراب والواحات بتاريخ صحراء العُلا. بموازاة ذلك، تستضيف قاعة المرايا معرضًا للفن المعاصر بعنوان What Lies Within يسلّط الضوء على إبداعات فنية من المجموعة الشخصية لراعية الفنون بسمة السليمان.

سيضم المعرض الذي نسقته لولوة الحمود أعمالًا ابتكرها خلال العقدين الأخيرين فنانون سعوديون أمثال عبد الناصر غارم، وزهرة الغامدي، وأحمد ماطر، ودانا عورتاني، ومها ملّوح، وغيرهم.

على هامش المهرجان، سيتحوّل حي "الجدَيدة" المحاذي للبلدة العتيقة إلى مركز حيوي لأنشطة وتجارب فنية منسقة تستلهم تراث "الواحة". هناك أيضًا ستحتفي العلا بالفن السابع من خلال سينما الحوش التي أقيمت في الهواء الطلق، وحيث سيتسنى للذائقة الاستمتاع ضمن العروض السينمائية بمجموعة حصرية من أحدث الأفلام التي عُرضت مؤخرًا في مهرجانات عالمية مثل مهرجان كان ومهرجان فينيسيا.

تجربة تأمل نجوم صحراء العُلا التي تغازل بضيائها التكوينات الصخرية في الغراميل

صحراء العلا
عالم آسر تعد به تجربة تأمل النجوم التي تغازل بضيائها التكوينات الصخرية في الغراميل.

عالم نجمي وملاذ للسكينة

فيما يُرخي الليل سدوله على العالم، تُطرز ملايين النجوم سماء صحراء العُلا لترسم بوهجها لوحة طبيعية تُحبس لها الأنفاس. وبالرغم من أن تجربة تأمل النجوم التي تغازل بضيائها التكوينات الصخرية الغامضة في منطقة الغراميل تكفي للاستزادة من سحر هذا العالم النجمي، إلا أنك لن ترغب في تفويت عرض "كوكبة النجوم" الليلي لمراقبة النجوم باستخدام طائرات دون طيار تسلّط الضوء على الأبراج السماوية المرئية بموازاة إمتاعك بحكايات عن دلالاتها واستخداماتها في الحضارات المختلفة.

أما تجربة الذروة، فيتيحها العرض الموسيقي "سيمفونية تحت النجوم" (بتاريخ 11 مارس) الذي يزاوج بين الموسيقا الكلاسيكية والمؤثرات البصرية المعاصرة ليقدم مشهدًا حسيًا مبهرًا في إطار مهرجان "سماء العُلا" الذي تستمر أنشطته من 27 فبراير إلى 12 مارس، وتتيح مغامرات استكشافية من علو للطبيعة الجيولوجية الساحرة في العُلا، من السهول البركانية إلى الهياكل الصخرية والمواقع التراثية. 

 هذا الشعور بالأنس الذي تعد به واحة صحراوية تشكلت ملاذًا للسكينة يرقى به أيضًا في النصف الأخير من شهر مارس مهرجان العُلا للاستجمام والاسترخاء والذي يشمل تجربة تفاعلية في "حديقة اللحظات" مع عناصر بيئة طبيعية محفّزة للخيال، ومجموعة متكاملة من طقوس الرفاه الجسدي والعقلي التي تتيحها خلوة "الحواس الخمس" برفقة خبراء متمرسين في مجالات اليوغا والتأمل والتيقظ.

تجربة عشاء شاعرية تعد بها مجالس مطعم مرايا سوشل فوق سطح قاعة مرايا في صحراء العُلا

صحراء العلا
تجربة عشاء شاعرية تعد بها مجالس مطعم مرايا سوشل فوق سطح قاعة مرايا.

بيتك في صحراء العُلا

في صحراء العُلا، قد يُغريك حسّ المغامرة بأن تختار من أماكن الإقامة المتاحة إحدى المقطورات التي تتناثر عبر المسارات الهادئة في متنزّه كارافانات الوادي، أو - إن كنت تبحث عن تجربة أكثر أصالة - في أحد أجنحة منتجع صحاري العُلا الذي يحتضن 80 فسحة للإقامة صُممت في هيئة خيام بدوية لا تنقصها وسائل الراحة.

أما إذا كنت تنشد اختبار معاني الرقي في الضيافة، فإن منتجع هابيتاس العُلا، التابع لمجموعة Habitas الفندقية، والذي تحرسه التشكلات الجبلية الصخرية من علو، سيشكل خيارك الأمثل. في خفاء صحراء وادي عشار، بين بساتين النخيل ومنحدرات الأحجار الرملية، تنبسط 96 فيلا في ثلاث فئات مختلفة هي Celestial، وAlcove وCanyon (بدءًا من 2,250 ريالا سعوديا لليلة الواحدة) صيغت مساحاتها من مواد عضوية مستدامة على ما يليق بالقيم التي ترتكز إليها علامة هابيتاس الصديقة للبيئة، وبما يضمن التماهي مع المحيط الطبيعي في العُلا.

يوفّر المنتجع أيضًا تجارب للرفاه الصحي في نادي Thuraya Wellness الذي يحتضن حجرات للجلسات العلاجية، المتاحة أيضًا في الهواء الطلق، وناديًا للياقة البدنية واستوديو لليوغا. وفيما يتيح المنتجع أيضًا تجربة طعام متفردة في مطعم Tama الذي يزاوج بين المذاقات العالمية والمطبخ الشرق أوسطي، يقدم أيضًا برامج متكاملة لاستكشاف التاريخ والثقافة المحلية من خلال رحلات التنزه في الوادي، وحلقات النقاش المفتوح، وعروض الأفلام الوثائقية في الهواء الطلق.

من المتوقع أيضًا أن يشهد الفصل الثالث أو الرابع من عام 2022 افتتاح منتجع بانيان تري العُلا في وادي عشار والذي سيضم فيلات مكوّنة من غرفة نوم واحدة، أو غرفتين، أو ثلاث غرف تكملها أحواض سباحة خاصة.

 فيلات منتجع هابيتاس العلا في رحاب صحراء العُلا

صحراء العلا
عيش أصيل لا يخلو من معاني الفخامة يختبره الضيوف في فيلات منتجع هابيتاس العلا في رحاب الصحراء.

حُسن ضيافة

فوق سطح مبنى مرايا، يتربع هذا العام مطعم مرايا سوشل Maraya Social متيحًا لضيوف العُلا اختبار المقاربة الإبداعية للطاهي الإنكليزي الشهير جايسون أثرتون الذي أفلح، منذ افتتاح المطعم بتاريخ 27 أكتوبر الفائت، في إمتاع ذائقة النخبة بأطايب تُعد من المنتجات المحلية فيما تُناغم بين فن الطهو البريطاني ومطبخ الخليج العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط. وتتكامل هنا قائمة الطعام الغنية بالمذاقات والألوان مع تصميم المطعم الذي يتناسق مع الهندسة المعمارية لقاعة مرايا ومع محيطه الطبيعي في آن، ويتجلى في أوقات المساء خصوصًا وجهة لتجارب شاعرية على ضوء النجوم المتلألئة في كبد السماء.

يعود أيضًا مطعم أنابيلز الشهير عالميًا إلى واحات العُلا، ليبسط مجالسه وسط أشجار النخيل والحمضيات في جبل عكمة، مستلهمًا في تصميمه نوادي الأعضاء الراقية في لندن، وفي قائمة طعامه طبيعة العُلا وتراثها. فضلاً عن ذلك، ستتيح تجربة العشاء Forces of Nature المميزة في مطلع شهر فبراير تناول الطعام في أحد وديان صحراء العُلا حيث تُطهى المأكولات بطريقة مبتكرة داخل حُفر في الأرض. أما حفلات عشاء طريق البخور التي تُنسق في النصف الثاني من الشهر نفسه، فمن المتوقع أن تستأثر بالحواس كلها من خلال عرض رقمي حيّ يجمع ما بين الطعام الراقي ورواية القصص التاريخية، ويضع العُلا على خارطة طُرق، مثل طريق البخور، فيما يُجرب الزوار أصناف مأكولات اشتهرت عبر التاريخ.