تجربة طعام عصية على الاستنساخ يعد بها مطعم سابليموشن Sublimotion في دبي الذي يبدد الحد الفاصل بين الواقع والخيال فيما يزاوج بين التقنيات البصرية والصوتية والمذاقات المبتكرة.

في منتجع ماندارين أورينتال جميرا، الذي يستريح عند ضفاف شاطئ دبي واحة استجمامية تعلو بمعايير الضيافة في المدينة، لا تشبه تجربة الطعام التي يعد بها مطعم سابليموشن Sublimotion أي شيء مثلها. فالمطعم الذي استُقدم إلى دبي أواخر العام الفائت من إيبيزا -  حيث أبصر النور سنة 2014 متصدرًا التصنيفات الأعلى تميزًا في العالم - ليس وجهة تقليدية لتناول أطباق متقنة الصنع بقدر ما هو نافذة عبور إلى عوالم آسرة تتورط فيها الحواس انبهارًا.

لا يكاد المرء يعبر باب مطعم سابليموشن في دبي، مرورًا بدهليز معتم يفضي إلى حجرة المكتبة، إذ تُقدم للضيوف مقبلات في هيئة لقيمات، حتى تتأهب الحواس في انتظار أن تنجلي معالم الغموض التي تحيط بتلك الرحلة التي أبدع في صياغة عناصرها الطاهي الشهير باكو رونسيرو، مؤسس المطعم الأصلي والحائز نجمتي ميشلان في مدريد بالتعاون مع إدواردو غونزاليس، المدير الإبداعي في شركة فيغا فاكتوري المتخصصة في إدارة المناسبات.

وعلى ما هو عليه الحال في إيبيزا، سرعان ما يتجسّد المعنى الحقيقي لاسم المطعم في حجرة فارغة إلا من مائدة يتوزّع في محيطها اثنا عشر مقعدًا لاثني عشر ضيفًا فحسب يختبرون على مرّ ساعتين الانغماس الماتع في تجربة حسية متفرّدة تراوح بهم بين الواقع والخيال فيما تكشف لهم بسخاء ولكن تدريجيًا عن تجليات شغف رونسيرو بالمطبخ التقدمي، والتقنية، والابتكار.

على مر ساعتين من الانبهار الآسر، يتحوّل مسرح التجربة إلى فضاء سوريالي يستأثر بالأفئدة ويخطف الأبصار التي تظل شاخصة إلى وفرة مشاهد أخاذة تتوالى عبر الجدران بسبب نظام تقني بالغ التطور أتاح تحويلها إلى شاشات مُخصصة للعروض الضوئية بزاوية 360 درجة ومكوّنة من أكثر من سبعة ملايين بيكسل و50 ألف وحدة ضوئية في مطعم سابليموشن.

وفيما تبث التقنية الحديثة الحيوية حتى في طاولة الطعام، تارة يرتحل الضيوف إلى فضاءات قصية، من مساحات الجليد القطبية إلى أعماق البحار والمحيطات وخفايا غابات ضائعة، وطورًا تستلب أنظارهم وأسماعهم عروض ترفيهية وموسيقية تُرجع أصداء حقبات ذهبية غابرة.

إنها في الواقع عشر جولات تتبدل على مر عشر محطات للتذوق لا يتكرر أي منها في عمر هذه التجربة التي لا يتعاون على تنفيذها طهاة فحسب، ولكن فريق متكامل من الندل، والمصممين، والتقنيين، والموسيقيين، ومحترفي الخدع البصرية.

بدءًا من العرض التمهيدي الذي تقدمه مضيفة على وقع أنغام البيانو، فيما يتهيأ الضيوف لاستكشاف المذاق الفريد لكافيار بيلوغا الإيراني المقدم مع تارتار لحم البقر المعتق، تتوالى الجولات في المسرح الحي لتستثير في النفوس إحساسًا غامرًا بالدهشة.

BegelART

يحيط بك مرة في مطعم سابليموشن صخور مزروعة تطفو بين الأرض والسماء، ويتدلى من السقف قبالتك وعاء في هيئة بيت زجاجي تُربته مزيج من كعك الزنجبيل والزيتون الأسود نبتت فيه قطع مصغّرة من الجزر، والبازلاء، والبروكولي وغيرها من خضراوات تثري مذاقها صلصة الترتار وعصيدة القرنبيط وجذور الكرفس. تخال عندئذٍ أنه يُقدم لك وليمة في واحد من أفلام الخيال العلمي مثل أفاتار أو على أرض كوكب من عالم مستقبلي.

وبعد أن يدفعك العاملون في جولة أخرى إلى محطة للطهو الياباني، تتيح لك نظارات VR مقابلة طاه افتراضي تُحبس أنفاسك لمرآه يعد لك "مصاصة" من كبد الإوز والشوكولاته البيضاء المنكّهة بطعم حبوب الهال سرعان ما تجد طريقها إلى يدك في العالم الواقعي.

لكن حتى الواقع في عالم سابليموشن يخرج عن حدود المتوقع والمألوف، على ما تشهد تارة محطة تستحضر أجواء نادي ستورك الذي ذاع صيته في مانهاتن بين عشرينيات القرن الفائت وستينياته. سيحرّض العرض الموسيقي المرافق لهذه المحطة ذاكرتك السينمائية لتكاد توهمك بأنك تشارك جاي غاتسبي العظيم وصحبه صخب تلك الحقبة الغابرة فيما ذائقتك تستكشف المطبخ الجزيئي الذي يتفوق فيه رونسيرو من خلال مزيج متناغم من مذاقات قشدة "أخوبلانكو" والشمام الأصفر، والكركند النرويجي المقدّم مع هلام يوزو وفشار الطماطم المائي.

BegelART

جولة تلو الأخرى- مرورًا بالرحلة على متن خطوط طيران سابليموشن وما يرافقها من أطباق بحرية تُقدّم "للمسافرين على متن مقصورة الدرجة الأولى"، والمغامرة التي تليها إلى وجهة مجهولة من اختيار أحد المسافرين (قد تكون المكسيك أو نيويورك أو باريس أو أي مدينة حلم) لاختبار أطايب المطبخ المحلي فيها (التي تحضر للمفاجأة سريعًا) وليس انتهاء برحلة الغوص في عالم من نار وعروض سحرية تصاحب تقديم شرائح لحم واغو البقري - ستكتشف أن رونسيرو أحسن الإتيان بمعادلة مثالية توازن بين الإبهار البصري والمذاقات التي تعكس القدر نفسه من الغموض والإمتاع.

أما ختام هذه التجربة الحسية التي لا يتعجل الزائرون انقضاءها، فيتجلى فسحة لعمل إبداعي آخر يُنفذ على امتداد المائدة لوحة من حلويات مرسومة بالشوكولاته وألوان السكاكر التي تعود في المحطة الأخيرة في أشكال وضّاءة لا تكف عن الدوران.

خمسة آلاف درهم لكل شخص هي كلفة الرحلة الموعودة إلى خفايا عالم مطعم سابليموشن الذي يستمر عروضه اليومية في دبي حتى مطلع شهر فبراير المقبل (بمعدل تجربتين في الليلة الواحدة). لكنها تبقى كلفة مستحقة لتجربة انغماس ماتع عصية على الاستنساخ.