يبدع قسم الطلبات الخاصة لدى هيرميس ابتكارات لعالم الإصدارات المتفردة
سواء أكانت سيارات، أم يخوتًا، أم مفروشات أم طاولات بلياردو.

 

يمكن للذائقة الرفيعة، كما يبدو، أن تمسي إدمانًا. عندما تقدم أحد الزبائن إلى أكسيل دي بوفور، مدير قسم التصميم والهندسة في قسم الطلبات الخاصة لدى هيرميس، باقتراح بخصوص سيارة، أراد لها بحسب ما يتذكر دي بوفور أن "تصرخ عاليًا باسم هيرميس." أخبره حينها: "بأنه يطرق الباب الخطأ." إذ إن هيرميس، بأسلوبها الباريسي الفاخر، لا ترتضي الصراخ. كما أن إرث هيرميس التليد الذي يبلغ مائة وأربعة وثمانين عامًا لا يسمح بذلك. قدّم دي بوفور نصيحة للزبون مفادها: "كن متحفظًا لكن قويًا. احذر أن تبالغ." وقد أصغى الزبون إليه. إنه جامع سيارات أمريكي، ومنذ ذلك الحين استحسن تمامًا أسلوب هيرميس في إنجاز الأمور، وعاد بسيارات أخرى، كان أحدثها سيارة من طراز ماكلارين سبيدتال التي فرغ منها دي بوفور وفريقه الشتاء المنصرم. 

كان ما يرغب فيه الزبون في البداية، عبر "الصراخ عاليًا"، هو أن تزدان السيارة باللون البرتقالي المميز للعلامة. لم تكن السيارة جاهزة للتسليم بعد من قِبل الصانع في إنكلترا، لذا سافر دي بوفور إلى المَصْنع ليراها شخصيًا، وفي ذلك يقول مبتهجًا: "إنها وحش."  بيد أن اللون البرتقالي لم يكن خيارًا صائبًا لسيارة ماكلارين. أدرك دي بوفور أن الزبون كان يبحث عن شيء فريد من نوعه، كما أن مقاربة الطلاء الأزرق للعلامة أثارت لديه فكرة. قال دي بوفور للزبون: "لدينا جلد أزرق يمكننا استخدامه على نحو نستلهم منه ظلاً لونيًا جديدًا يناسب السيارة." وقد أبدى الزبون موافقته. بعد أشهر، جرى إبداع الظل اللوني المثالي. اقترح دي بوفور أيضًا تعديلاً في المقصورة، ما جعلها أكثر راحة، وأقلّ تعقيدًا، حيث عمد دي بوفور إلى تقليل غرز الحياكة التي تزين الجلد القشدي، تاركًا إياه لينًا وناعمًا، وأضاف لمسات من قماش أبيض بدا ملائما. أصبحت السيارة الآن، بالرغم من أنها أصلاً حلم أي هاو يجمع سيارات، تحفة راقية ومتفردة.

جيب السيارة الجلدي الجديد. 

Maxime Horlaville
جيب السيارة الجلدي الجديد. 

إن هذا التحول من بذرة فكرة إلى شيء جميل وفريد ومعزز بأداء وظيفي ذي كفاءة هو جوهر برنامج الطلبات الخاصة. إن قسم الطلبات الخاصة، أو "métier" بحسب ما يسميه دي بوفور، هو مقصد الزبائن طلبًا لمشاريع متفردة وغير مألوفة، من قبيل قفازات ملاكمة، أو صندوق موسيقي، أو حتى عربة ريكشا. لكن المشاريع الأكبر محل اهتمام أيضًا: حيث يحفل محترف العمل بجملة من المركبات في كل عام، ويتعهد أيضًا بتصاميم مقصورات داخلية لطائرات ويخوت خاصة. وفي ذلك يقول دي بوفور، الذي تدرب بوصفه معماريًا بحريًا: إن كل فرصة تتاح للعمل على هذه الأشياء مدعاة للسرور ومثيرة للألغاز كذلك. لذا، فإن محترف العمل يقوم أيضًا مقام معمل للتصميم الهندسي خاص بالشركة. وفي ذلك يقول: "نحاول الابتكار في كل مشروع جديد. لا نحاول كسب الوقت، بل المعرفة فحسب."

يستغرق تنفيذ الطلبات عادة عامًا واحدًا من البداية حتى النهاية، بالرغم من أن العمل على يخوت وطائرات قد يستغرق ما يصل إلى ثلاث سنوات. في هذه الأثناء، يمكن أن تستغرق الأبحاث شهورًا، تنقيبًا عن تاريخ سيارة، مثلاً- كما في حالة السيارة فوازان Voisin التي تولى أمرها قسم الطلبات الخاصة العام الماضي- أو في مجموعة سجلات هيرميس الخاصة، التي تحتفظ بها تحت الأرض، وتشمل السنوات الممتدة منذ نشأة الشركة في عام 1837 وعملها في إبداع الأحزمة والسروج بحسب الطلب. في إحدى المرات، كان دي بوفور يبحث عن أقمشة خفيفة الوزن، كونها مرغوبة بشدة من أجل تصميم الطائرات والقوارب، وفي ذلك يقول: "اكتشفت أن هيرميس كانت تستخدم الأقمشة الخفيفة قبل 100 عام. ثمة ضغط كبير اليوم باتجاه فعل الشيء نفسه. لقد كانوا بارعين. هذا الأمر يشعرني بالتواضع. لقد حدث كل هذا من قبل."

"نحاول الابتكار في كل مشروع جديد. لا نحاول كسب الوقت، بل المعرفة فحسب."

صنع "اللجام" بحسب الطلب لإغلاق صندوق السيارة فوازان.

Maxime Horlaville
صنع "اللجام" بحسب الطلب لإغلاق صندوق السيارة فوازان. 

لا يزال حسّ الابتكار ذاك في معظمه ممكنًا بسبب مقاربة التصميم بحسب الطلب التي شكلت جزءًا من إرث العلامة، وذلك قبل أن يصبح الإنتاج الضخم خيارًا بمدة طويلة. على الرغم من أن البرامج المصممة بحسب الطلب تبقى جزءًا من الإرث العريق للعلامة- حقيبة بيركين الشهيرة بدأت بوصفها تكليفًا- يقول دي بوفور إنها اكتسبت صبغة رسمية أكثر قبل نحو 10 سنوات في عام 2010، عندما عمدت هيرميس إلى توسيع النطاق ليشمل مشاريع أكبر. اشتملت التطويرات الأخرى التي أبدعها قسم الطلبات الخاصة على جلود مقاومة للحريق، تعد ضرورية لتحقيق معايير السلامة الحديثة في السيارات والطائرات النفاثة، وفي ذلك يقول دي بوفور: "نجري تجارب على الجلود لنقف على مقاومتها للحريق. في البداية كان الجلد جافًا جدًا. أما الآن فلا يمكنك القول إنه يختلف بأي درجة عن جلود أخرى فاخرة." 

فيما يتعلق بالسيارة فوازان، عتيقة الطراز من عشرينيات القرن المنصرم، فقد واجهته بعض التحديات. أولاً، كانت سيارة مكشوفة، ومن ثم احتاج إلى جلد مقاوم للعوامل الجوية. بات الجلد الذي استقر عليه اختيارهم أشهر ما يميز العلامة، وترجع درجة لونه إلى مقاربة الدباغة الطبيعية لا إلى إضافة أصباغ ملونة. وفي ذلك يقول دي بوفور: "سواء كنا بصدد العمل على سيارة، أو طائرة، أو غرض صناعي، فإننا نحاول العثور على الجلد الأفضل الذي يدوم طويلاً أيضًا لكي نجعله مثاليًا." في بعض الجلود المصبوغة، تتعرض الصبغات للتلف أو تصبح باهتة اللون بمرور الوقت. إن الجلد الجيد يشبه الغيتار الجيد: تعزف عليه يومًا، ويبقى أفضل حالاً بعد مئة عام."

لكن دي بوفور كان يسعى أيضًا لإضافة تفاصيل خاصة أخرى. وفي ذلك يقول: "نعرف كيف نصنع قطعًا طبق الأصل، لكننا نحاول إبداع اللمسات التي تتجاوز حدود المألوف. كما هو الحال في معطف هيرميس، حيث يتوافر جيب مبطن بالجلد." في الواقع، اقترح عضو في فريق التصميم إضافة جيب جانبي ضمن الحيز المخصّص للساقين في السيارة فوازان. كما نجح دي بوفور وفريقه في استحداث لمسة أخرى غير مألوفة في السيارة وتنفيذها: طوق جلدي مستلهم من حزام السرج لإغلاق صندوق السيارة. وفي ذلك يقول: "لم نبتكر شيئًا يشبه ذلك من قبل،" ، وهو ما يُعد في حد ذاته انتصارًا للعلامة.

تزدان المقاعد بتنجيد من جلد مقاوم للعوامل الجوية.

Maxime Horlaville
تزدان المقاعد بتنجيد من جلد مقاوم للعوامل الجوية.

بينما يتطلب كل عمل فذ بحثًا، إلا أنه يتطلب أيضًا درجة من الهندسة تبدو مخادعة في بعض الأحيان على نحو مذهل. وفي ذلك يقول دي بوفور: "دونك على سبيل المثال إبزيم حقيبة معدنيًا بسيطًا. ينبغي أن تكون الهندسة الميكانيكية دقيقة. تلك هي الأشياء الأكثر دقة التي أتولى إبداعها في هيرميس. فالأداء الوظيفي لها يُعد ضرورة أساسية."

رغم أن فوازان أسرت مخيلة دي بوفور خلال معظم عام 2020، إلا أن المشروع الذي يُعد الأكثر شغفًا به في الوقت الحالي هو طاولة سنوكر. وفي ذلك يقول: "إنها لعبة تحكمها قواعد، لذا نحن بحاجة إلى احترام ذلك، وإلى إبداع طاولة وفقًا للمعايير الأرقى في الوقت نفسه. لقد تعلّمت أن سماكة قماش اللباد مهمة." عمل قسم الطلبات الخاصة مع مُورّد ليبدع الهيكل الأساسي، واستعان بمشورة أصحاب الاختصاص في لعبة سنوكر. بعدها تولت هيرميس زمام الأمور، وعمدت إلى إعادة تصميم اللباد، واستحداث أدراج خاصة للكرات، وتصميم عصي سنوكر خشبية مشغولة يدويًا، بل إعادة تصميم النهايات الطرفية للعصي كذلك. وفي ذلك يقول دي بوفور: "تحظى مشاعرنا تجاه هذه المشاريع بأهمية عندي، إنه ذاك الشغف. نحن هنا لبعض الوقت فحسب. بينما هيرميس- وكل شيء مميز- ستُعمّر أكثر منا."