في عام اتسم بالتقلبات الاقتصادية وتغير أذواق جامعي الأعمال الفنية، شهد سوق المزادات العالمية لحظات استثنائية صنعت عناوين بارزة وأرقامًا قياسية لافتة. من صعود أعمال كبار الرسامين القدامى إلى بروز فنون الحداثة الأوروبية، وصولاً إلى هيمنة التصميم المعاصر، حملت مزادات 2025 مفاجآت غير متوقعة عززت مكانة الفن بوصفه ملاذًا استثماريًا وجماليًا. في هذا التقرير، نستعرض أهم اللحظات التي خطفت الأضواء وشكّلت أبرز مشاهد المزادات العالمية لهذا العام.

صعود استثنائي لمقبول فدا حسين

في أمسية بدت عادية للوهلة الأولى داخل قاعة كريستيز في نيويورك، شكلت لوحة واحدة نقطة تحول في سردية سوق الفن الحديث. دخل عمل مقبول فدا حسين غير المعنون من عام 1954 مزاد الفن الحديث والمعاصر في جنوب آسيا بتقدير أقصى بلغ 3.5 مليون دولار، لكنه بيع بسعر يكسر مختلف المعايير: 13.8 مليون دولار أمريكي.

هذا السعر غير المسبوق لم يتجاوز سقف التقدير فحسب، بل ضاعف الرقم القياسي السابق للفنان المسجل في 2022، وأصبح أول عمل من الفن الحديث في جنوب آسيا يتخطى حاجز 10 ملايين دولار في مزاد علني. وبعد لحظات من إغلاق المزاد، اتضح حجم الهيمنة، إذ شكّلت هذه اللوحة وحدها ما يقارب نصف إجمالي حصيلة المزاد البالغة 24.9 مليون دولار، تاركة ثاني أعلى قطعة، عند 2.3 مليون دولار، في مرتبة تكشف اتساع الفجوة بين صفقة ناجحة ولحظة تعيد ضبط موازين السوق.

هذه النتيجة لم تأتِ من فراغ، بل تزامنت مع مرحلة يمكن وصفها بأقوى تجليات صعود فن جنوب آسيا. أسماء مثل حسين وطيّب مهتا ورضا انتقلت من دوائر مزادات متخصصة واهتمام محلي إلى قوائم اقتناء لدى المتاحف والجامعين الدوليين، حتى كسر الأرقام القياسية في دور المزادات الكبرى.

صعود استثنائي لمقبول فدا حسين

Christie’s

وحيد القرن يفرض حضوره

حينما تلتقي خيالات النحت المعاصر مع جرأة التصميم، تتحول أعمال فرانسوا-كزافييه لالان إلى رموز تتجاوز حدود الفن الكلاسيكي. ظهر ذلك جليًا في عمل Grand Rhinocrétaire II (المكتب الكبير على هيئة وحيد القرن – الثاني) الذي شكّل نقطة تحول في سوق المزادات الدولية بعدما اجتذب الأضواء مع بيعه بمبلغ 16.4 مليون دولار، متجاوزًا تقييمه الأولي بثلاثة أضعاف. في هذا العمل، لا ينحصر وحيد القرن في مجرد هيكل نحت، بل يرتقي بوصفه علامة بصرية تحمل توقيع فرانسوا-كزافييه لالان وتحدد أسلوبه السعري الفريد.

سحر وحيد القرن لدى فرانسوا-كزافييه لالان لم يكن حدثًا عابرًا أو وليد المزاد الأخير فحسب، بل هو امتداد لحالة شغف متزايدة بأعماله، تبلورت في صفقة سابقة بلغت 12.9 مليون دولار في باريس، إلى جانب الرقم القياسي المنفرد الذي سجله رأس وحيد قرن بقيمة 19.4 مليون دولار. هذه الهالة الاستثنائية التي أحاطت بمنحوتات الفنان أوجدت فصلاً جديدًا في عالم المزادات، إذ لم تعد خانات النتائج تقتصر على لوحات الصف الأول، بل بات التصميم المعاصر يفرض حضوره بقوة في مدارج القيمة ويُلهم الأسواق بمعايير جمالية وسعرية جديدة.

وحيد القرن يفرض حضوره

Sotheby’s

Elvire en buste تحقق قفزة سعرية لافتة

من عالم الرمزية، تنتقل بوصلة اللحظات الفارقة إلى الحداثة الأوروبية من خلال عمل بتوقيع أميديو موديلياني. فقد تحوّل أحد أبرز أعماله النحتية إلى محور اهتمام سوق الفن العالمي هذا العام. ففي مزاد باريسي استثنائي، خطف تمثال Elvire en buste (نصف تمثال إلڤيرا) الأضواء منذ لحظة ظهوره في القاعة، مجتذبًا سبعة مزايدين متنافسين رفعوا وتيرة المزاد تدريجيًا حتى استقرت المطرقة عند 31.3 مليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف تقديره الأولي.

هذا الرقم لم يكن مجرد نتيجة مباشرة لندرة الأعمال النحتية، بل يعكس ثقة متجددة في موديلياني بوصفه أحد الأسماء الأكثر تأثيرًا في مشهد الحداثة الأوروبية، رغم تقلبات السوق وقضايا التزوير التي لاحقته في السنوات الأخيرة. ومع كل مزايدة جديدة على لوحة "نصف تمثال إلڤيرا"، بدا واضحًا أن جاذبية هذا الفنان لا تزال قادرة على تحريك رؤوس الأموال وتوجيه اهتمام كبار الجامعين نحو أعماله.

لوحات الماضي تتصدر المشهد

نتوقف هذه المرة عند أحد الأعمال التاريخية التي منحت مزادات 2025 لحظة فارقة لا تقل قوة وتأثيرًا عن أبرز محطاتها السابقة. ضمن مزاد أعمال كبار الرسامين القدامى الذي نظمته دار كريستيز في لندن، استعاد مشهد البندقية بريقه مجددًا عبر لوحة كاناليتو الشهيرة the Return of the Bucintoro on Ascension Day (عودة البوتشينتورو في يوم الصعود). هذه اللوحة العائدة إلى ثلاثينيات القرن الثامن عشر تجاوزت حدود التوقعات عندما سجلت 43.9 مليون دولار، لتصعد إلى موقع ثاني أغلى عمل لفنان من كبار الرسامين القدامى في تاريخ المزادات، وتؤكد في اللحظة نفسها أن لوحات الماضي لا تزال قادرة على صنع مفاجآت حقيقية تنافس الأعمال المعاصرة الأكثر جرأة من حيث الطلب والأسعار.

هذا الإنجاز السعري لم يأتِ منعزلاً عن مسار السوق، بل وضع لوحة كاناليتو في قلب تحول أوسع تشهده فئة أعمال كبار الرسامين القدامى، إذ كان القسم الوحيد في سوق المزادات العالمية الذي حقق نموًا واضحًا في النصف الأول من 2025، مع ارتفاع المبيعات بنسبة 24.4%. في خلفية هذه الأرقام، تبرز عودة قوية لفكرة القيمة التاريخية باعتبارها ملاذًا استثماريًا وجماليًا، في مواجهة تقلبات السوق المعاصر وتبدل الأذواق السريع.

لوحات الماضي تتصدر المشهد

Christie’s

تمثال جياكوميتي.. عمل نادر بلا مشترٍ

اللحظة الأكثر تعبيرًا عن تغيّر المزاج العام في سوق الفن لم تأت من صفقة قياسية، بل من عمل بقي بلا مشترٍ. تمثال جياكوميتي البرونزي Grande tête mince (رأس نحيف كبير) المنجز عام 1955 دخل مزاد الفن الحديث المسائي لدى سوذبيز في نيويورك بتقديرات وصلت إلى 70 مليون دولار، لكنه خرج من القاعة من دون أن يجد مالكًا جديدًا. هذه النتيجة تناقض الفكرة الراسخة بأن العمل الاستثنائي يُباع دائمًا، وتكشف عن درجة متزايدة من الحذر لدى كبار المستثمرين أمام القطع الأعلى سعرًا.

تمثال جياكوميتي.. عمل نادر بلا مشترٍ

Sotheby’s

في ضوء هذا الحدث، تبدو لحظة تعثّر بيع تمثال جياكوميتي أقرب إلى خلاصة لعام 2025، بوصفه عامًا جمع بين صفقات مدوية حطمت التوقعات من ناحية، وتقلص واضح في الشهية لاقتناء القطع الأيقونية الأعلى سعرًا من ناحية أخرى.