في مشهد غير مألوف، أُغلقت أبواب متحف اللوفر في باريس يوم الاثنين الماضي، ليس بسبب حرب أو تهديد أمني، بل نتيجة إضراب مفاجئ نفذه موظفو المتحف أنفسهم، الذين أعلنوا أن المؤسسة التي تُعدّ رمزًا عالميًا للفن والجمال باتت تتداعى من الداخل.
هذا الصرح، الذي يضم كنوز الحضارة والروائع الخالدة مثل لوحة الموناليزا وأعمال ليوناردو دافنشي، وجد نفسه مشلولًا بأيدي الأشخاص المكلّفين باستقبال الزوّار من مختلف أنحاء العالم.
وتحوّل الحدث إلى أكثر من مجرد احتجاج عمالي عادي، إذ يُنظر إليه على أنه مؤشر حقيقي على تفاقم أزمة السياحة المفرطة التي تعصف بالأماكن الأيقونية، إذ يضطر اللوفر، بوصفه أشهر متحف في العالم، إلى مواجهة تداعيات شعبيته الضخمة.
بنية تحتية مُنهكة أمام تدفّق غير مسبوق
انطلق الإضراب على نحو مفاجئ خلال اجتماع داخلي روتيني، رفض فيه موظفو القاعات ووكلاء التذاكر وأفراد الأمن أداء مهامهم احتجاجًا على ما وصفوه بالازدحام الخانق، إلى جانب نقص أعداد العاملين، وظروف العمل التي لم تعد تلبّي الحد الأدنى من المعايير المقبولة.
وسط هذه الفوضى، علت أصوات الزوار المحاصرين تحت الهرم الزجاجي الشهير، معبرين عن إحباطهم وغضبهم نتيجة غياب أي تفسير رسمي من إدارة المتحف.
ويُعد إغلاق متحف اللوفر أمام الجمهور حدثًا نادرًا للغاية، لم تشهده المؤسسة إلا في ظروف استثنائية محدودة، مثل فترات الحروب أو جائحة كورونا، أو خلال إضرابات محدودة في الأعوام الماضية؛ لكن الوضع الراهن يختلف تمامًا، إذ توقف المتحف فجأةً عن استقبال الزوار وسط حشود كبيرة من الناس الذين يحملون تذاكرهم، ما منح المشهد طابعًا دراميًا غير معتاد.
مشروع إنقاذ لعقد كامل.. ومطالب آنية
تأتي هذه الأزمة في ظل تحديات بنيوية كبيرة تواجه متحف اللوفر، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطة إنقاذ تمتد لعشر سنوات، بتكلفة تقديرية تراوح بين 700 مليون و800 مليون يورو، تهدف إلى تحديث البنية التحتية، ومعالجة تسربات المياه المتكررة، والتقلبات الحرارية، وتجديد النظم التقنية والخدمية بالكامل.
وتعتمد الخطة على مزيج تمويلي من عائدات التذاكر، والتبرعات، والدعم الحكومي، إلى جانب الإيرادات المُتأتّية من ترخيص اسم اللوفر لفرعه في أبوظبي، مع توقّعات برفع أسعار التذاكر للزوار من خارج أوروبا.
لكن العاملين في المتحف لا يرون في هذه الخطط حلًا كافيًا لمشكلاتهم الفورية، إذ تؤكّد سارة سفيان من نقابة CGT-Culture، إحدى أكبر النقابات العمالية في فرنسا التي تمثل العاملين في قطاعات الثقافة والفنون، أن الضغط على الطواقم العاملة بلغ ذروته، وأن "الانتظار لسنوات كي يأتي الدعم ليس خيارًا واقعيًا". وتضيف سفيان: "الأمر لا يتعلّق بالحفاظ على الفن فحسب، بل بمن يحميه يوميًا من خلف الكواليس".
تحديات مستمرة.. وتجربة تنهك الزائر
وتُعَد هذه التحديات عوامل رئيسة تؤثر بشكل مباشر على تجربة الزائر، خصوصًا في ظل ازدحام المتحف وحرارة الصيف التي تضيف عبئًا إضافيًا على الجميع.
وتمثل هذه الأوضاع ضغطًا مستمرًا على العاملين الذين يحملون عبء تنظيم واستقبال ملايين الزوار سنويًا، ما دفعهم إلى التعبير عن احتجاجهم عبر الإضراب المفاجئ الذي تسبب في هذا الإغلاق التاريخي للمتحف.
ففي عام 2024، استقبل متحف اللوفر ما يقرب من 8.7 مليون زائر، أي ما يتجاوز ضعف قدرته الاستيعابية، مع حد أقصى يومي بلغ 30 ألف زائر. هذا التدفّق الكثيف يضع المنشأة أمام معضلة مزمنة: نقص في مناطق الراحة، ومحدودية في مرافق الخدمات، ودرجات حرارة مرتفعة تفاقمها بنية الهرم الزجاجي، ما يجعل التجربة أشبه بمشقة بدنية، لا سيّما في أشهر الصيف.
وقد حذّرت لورانس دي كار، رئيسة المتحف، من أن بعض أجزاء المبنى لم تعد مقاومة لتسرّب المياه، وأن تقلّب درجات الحرارة يُهدّد سلامة الأعمال الفنية، معتبرة أن "التجربة الحالية للزائر لم تعد ثقافية فحسب، بل جسدية أيضًا".