وسط هدير المحركات الكلاسيكية على شاطئ بيبل في كاليفورنيا، حيث تتلألأ السيارات الأشد ندرة وتفردًا على منصة بيبل بيتش، ارتقت سيارة أستون مارتن Mk2 من عام 1935 من طيّات التاريخ إلى صدارة المشهد، لتظفر بجائزة Montagu of Beaulieu المرموقة، المخصصة لأبرز السيارات البريطانية وأكثرها قيمة.
لم يكن هذا الفوز محطة عابرة، بل تتويجًا لرحلة استثنائية جمعت بين عبق الحكاية التاريخية، وروعة الحرفية الترميمية، وجاذبية التصميم الذي يتحدى الزمن.
قصة ترميم منسية
يقف خلف هذا الإنجاز اسم جامع السيارات البريطاني نيل بيكستون، الذي اكتشف السيارة في حالة مزرية، وقد تركت لعقود تحت مزراب مثقوب في أحد أحياء ليفربول.
ورغم مظهرها البائس، إلا أنه قرر خوض المغامرة فاقتنى السيارة في مزاد عام 2019 مقابل 91 ألف دولار أمريكي فقط، لينطلق بعدها في رحلة ترميم دقيقة امتدت لثلاث سنوات، جرى خلالها تفكيك كل قطعة بعناية وإعادة تركيبها، مع الحفاظ على نحو 90% من مكوناتها الأصلية، فيما استُبدل بالجلود والأخشاب والأقمشة مواد تقليدية مطابقة لطابعها الأول.
كان بيكستون يطمح إلى قيادة السيارة على طول الساحل الأمريكي، لكن القدر أعدّ له مفاجأة أكبر؛ إذ وجدت أستون مارتن Mk2 نفسها ضمن فئة السيارات الأوروبية الكلاسيكية في بيبل بيتش، قبل أن تخطف الصدارة من أكثر من خمسين سيارة بريطانية منافسة.
غير أن التتويج لم يكن ثمرة الترميم وحده، بل انعكاسًا لتفرد استثنائي ميّز هذا الطراز تحديدًا. فأستون مارتن Mk2 تنتمي إلى مجموعة محدودة لا تتجاوز 24 نسخة من طراز بيرتيلي سبورت صالون Bertelli Sports Saloon، ما منحها منذ البداية مكانة نادرة.
وتزداد قيمتها تفرّدًا بكونها أول سيارة من العلامة تجملت باللون الأخضر المعدني، عبر تقنية ابتكرتها شركة ICI البريطانية في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو إنجاز تقني سبق عصره. وخلال عملية الترميم تكشّف وراء الزخارف الطلاء الأصلي، لتؤكد الفحوص التي أجراها خبير الطلاء جون فالدر أن هذه الصبغة لم تُطرح سوى عام 1935.
وهكذا اجتمع عنصر الندرة مع الريادة التقنية ليحوّلا السيارة إلى قطعة متفرّدة تحمل قيمة تاريخية وجمالية مضاعفة، وتمنح فوزها في بيبل بيتش بريقًا يعلو على مجرد الجمال.
Max Earey\Instagram
أستون مارتن Mk2.. إرث استخباراتي طويل
يذكر أن ما يضاعف من بريق هذه السيارة هو أن تاريخها يرتبط بخيوط خفية من عالم الاستخبارات. فجامع السيارات نيل بيكستون لم يكن غريبًا عن مثل هذه الحكايات؛ إذ سبق له أن أنجز مشروع ترميم لسيارة سباق من ثلاثينيات القرن الماضي عُرفت في الأوساط التاريخية باسم "سيارة الجاسوس"، بعدما استخدمها ضابط استخبارات بريطاني لتهريب وثائق عسكرية سرية خلال الحرب.
هذا الإرث الاستخباراتي ينعكس أيضًا في مسيرة أستون مارتن Mk2 نفسها، التي انتقلت في خمسينيات القرن الماضي إلى ملكية المهندس فيليب كينيون، أحد الأسماء البارزة في فريق تطوير الرادار البريطاني، والذي أدى دورًا مهمًا في عمليات فك شيفرات الاتصالات الألمانية.
ولسنوات طويلة ظلّت السيارة حبيسة مرآب عائلة كينيون، شاهدة بصمت على جزء من التاريخ العسكري والتقني البريطاني، حتى طُرحت للبيع في مزاد عام 2019 بعد وفاة مالكتها الأخيرة.
ومن تلك اللحظة بدأت رحلتها الجديدة، إذ انتقلت من إرث عائلي غامض إلى قطعة متألقة تستعيد مكانتها في أرقى ساحات السيارات الكلاسيكية.