في سابقة فنية استثنائية على مستوى الشرق الأوسط، تستعد دار سوذبيز لتنظيم أول معرض عام للفنون الجميلة في أبوظبي، وذلك يومي 1 و2 أكتوبر المقبل، باستضافة مؤسسة بسام فريحة للفنون Bassam Freiha Art Foundation.
هذا الحدث التاريخي سيضم مجموعة نادرة ونفيسة من روائع الفن العالمي، تحمل تواقيع ستة من أعظم الأسماء في تاريخ الفن: فنسنت فان غوخ، فريدا كالو، إدفارد مونك، بول غوغان، رينيه ماغريت، وكامي بيسارو. وتُقدّر القيمة الإجمالية لهذه الأعمال الاستثنائية بنحو 150 مليون دولار أمريكي.
يُعد هذا المعرض الأضخم من نوعه الذي تنظمه دار سوذبيز في المنطقة، ليس من حيث القيمة السوقية فحسب، بل أيضًا من حيث الأهمية الفنية والتاريخية للأعمال المعروضة التي تعود لمجموعات خاصة مرموقة، ولم يسبق عرضها في الشرق الأوسط.
والأكثر إثارة هو أن ثلاثًا من هذه اللوحات الفنية تُعرض علنًا للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، ما يضفي على الحدث طابعًا نادرًا لا يُفوّت.
كامي بيسارو.. مشهد طبيعي يوثّق التحوّل الحضري
أنجز كامي بيسارو لوحته Bords de l’Oise à Pontoise (ضفاف نهر واز في بونتواز) عام 1872، في لحظة كانت فيها الرؤية الانطباعية تتكوّن على مهل، لكن بشغف غير مسبوق.
هذه اللوحة تنتمي إلى المرحلة الأكثر ابتكارًا في مسيرة بيسارو، حين كان يقود مع زملائه مسارًا جديدًا لتحرير الضوء واللون من قوالب الأكاديمية الصارمة.
يمتد المشهد الهادئ على ضفاف نهر واز، في ضواحي بونتواز، لكن الهدوء الظاهري يُخفي بدايات التغيير. فالجسر الحديدي الظاهر في الخلفية، الذي ربط المدينة بباريس وروان، كان يمثل رمزًا لتحوّلات حضرية كبرى بدأت تتسلل إلى الريف الفرنسي، وتفرض إيقاعًا جديدًا على الحياة والمنظر.
في هذا العمل، يظهر بيسارو وهو يبتعد عن التكوين البنائي الصارم، متجهًا نحو ضربات فرشاة أكثر حرية وتعبيرًا، ما جعل من هذه اللوحة مقدّمة بصرية لما ستصبح عليه الانطباعية لاحقًا.
ولم يكن تأثيرها لحظيًّا، إذ عاد بول سيزان بعد نحو عقد ليقف في الموقع نفسه عام 1881، متأثرًا بما أنجزه بيسارو هناك.
وقد واصلت اللوحة رحلتها التاريخية، فشاركت في معرض أرموري شو Armory Show الشهير في نيويورك عام 1913، المعرض الذي غيّر نظرة الجمهور الأمريكي للفن الحديث، وفتح أبواب الذائقة البصرية على تجارب أوروبا الطليعية.
اليوم، تُعد هذه اللوحة من الأعمال النادرة التي توثّق لحظة التحوّل من الواقعية إلى الانطباعية، وتُقدّر قيمتها السوقية بما بين 1.2 مليون دولار و1.8 مليون دولار أمريكي، لكن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها شهادة مبكرة على ولادة لغة جديدة في الرسم.
Sotheby’s
فان غوخ.. لوحة الكتب الصفراء
وسط عالم فان غوخ الصاخب بالألوان والانفعالات، تقف لوحة (Romans Parisiens (Les Livres jaunes - الرومان الباريسيون (الكتب الصفراء) بوصفها همسةٍ هادئة، لكنها مشبعة بالمعنى.
إنه عملٌ نادر لا يصوّر الطبيعة أو الوجوه، بل يُقارب الروح من مدخلٍ مختلف: الكتاب، ذاك الكائن الصامت الذي طالما كان مأوى للفكر وملاذًا للقلق الإنساني.
أنجز فان غوخ هذه اللوحة عام 1887، وفيها تتراكم الكتب في مشهدٍ ساكن، لكنه نابض بالرمزية. إنها إشارة بليغة إلى شغف الفنان بالقراءة، وارتباطه العميق بأدباء عصره مثل إميل زولا وغوستاف فلوبير، الذين تركوا أثرًا واضحًا في رؤيته للعالم وللفن.
ورغم أن القراءة كانت جزءًا من يوميات فان غوخ، فإن ظهور الكتب في أعماله كان نادرًا، ما يجعل من هذه اللوحة قطعة استثنائية داخل إرثه البصري.
في العام التالي، قدّم فان غوخ هذه اللوحة ضمن مشاركته في معرض "صالون المستقلين"، الذي شكّل أول ظهور رسمي لأعماله في أوساط الفن الباريسي.
ومنذ تلك اللحظة، تحوّلت اللوحة إلى شاهد بصري على نقطة تحوّل محورية في مسيرته، ليس لأنها التقطت جانبًا نادرًا من شخصيته، بل لأنها نجت من الزمن لتبقى واحدة من لوحتين فقط ما زالتا في حوزة مجموعات خاصة، وتُقدّر قيمتها اليوم بما يقارب ٤٠ مليون دولار أمريكي.
Sotheby’s
بول غوغان.. لحظة تحوّل في أسلوب الفنان
في عام 1889، أنجز بول غوغان لوحته المميزة La Maison de Pen du, gardeuse de vache (منزل بين دو، راعية البقر) في قرية بونت-أفين الفرنسية؛ القرية التي شكّلت ملاذًا بصريًا وروحيًا له، واحتضنت بدايات تحوّله من الانطباعية إلى أسلوب أكثر رمزية وتجريدًا. كانت اللوحة بمنزلة تجلٍّ مبكر لما سيصبح لاحقًا توقيعه الفني: الألوان المسطحة، والخطوط المُبسطة، والبُعد الروحي الكامن تحت سطح الصورة.
هذا التحوّل لم يمر بصمت؛ فقد حملت اللوحة حضورها الخاص إلى عدد من المعارض الكبرى، كان أبرزها معرض الفنانين المستقلين Den Frie Udstilling في كوبنهاغن عام 1893، ثم المعرض الصيفي في متحف الفن الحديث بنيويورك عام 1930، إذ وُضعت أمام جمهور واسع، وشكّلت جسرًا بين تجربة غوغان البريتانية ومغامراته البصرية اللاحقة في عالم الفن.
ومن بين 22 عملاً أنجزها غوغان في تلك الفترة، لا يزال هناك أربعة فقط في مجموعات خاصة، وهذه اللوحة تتصدرها. فهي عمل نادر لم يُعرض في مزاد منذ أكثر من أربعة عقود، وتُقدّر قيمته اليوم بين 6 ملايين دولار و8 ملايين دولار أمريكي، رقم يعكس وزن اللوحة الفني، وليس قيمتها السوقية فحسب.
Sotheby’s
إدفارد مونك.. لوحة ليلية تنبض بالرمزية
ليلة واحدة تكفي لتغيير كل شيء. في عمله Sankthansnatt Johannisnacht Mittsommernacht (ليلة القديس يوحنا – عشيّة منتصف الصيف)، الذي أنجزه بين عامي 1901 و1903، يلتقط الفنان النرويجي إدفارد مونك لحظة غروب الشمس في ليلة صيفية مشبعة بالأساطير، يمتد فيها ضوء النهار حتى منتصف الليل، وتتلاشى حدود الطبيعة مع النفس البشرية في مشهد غارق بالغموض والتأمل.
في هذه اللحظة العابرة، يُعيد مونك تشكيل طريق مألوف في بلدة أوسغوردستراند الساحلية، ملاذه الصيفي الذي استلهم منه الكثير.
الطريق يتحول في لوحته إلى مسرح بصري صامت تتقاطع فيه مشاعر الشباب، بين الرغبة والتوتر المكبوت، ليصنع توازنًا نفسيًا بديعًا يعكس تعقيدات الإنسان في مواجهة الذات والطبيعة.
تنتمي هذه اللوحة إلى مجموعة ليونارد لودر أحد جامعي الجواهر الفنية الأبرز في الولايات المتحدة، ما يمنحها بُعدًا توثيقيًا وتاريخيًا نادرًا، ويجعلها من أبرز الأعمال المعروضة حاليًا في سوذبيز أبوظبي، ضمن مجموعة تكشف عبقرية مونك في تحويل اللحظة العابرة إلى تأمل بصري خالد.
Sotheby’s
فريدا كالو.. لوحة الحلم
تتألق لوحة (El sueño (La cama - الحلم (الفراش) التي أنجزتها فريدا كالو عام 1940 في صدارة المعروضات، بوصفها عملاً فنيًا نادرًا يجمع بين الرمزية العميقة والتعبير الصادق عن الألم والتحوّل.
جاءت هذه اللوحة في أعقاب طلاقها من دييغو ريفيرا، وفي خضم مرحلة شديدة الاضطراب على المستويين النفسي والجسدي، لتُجسّد تأملاً وجوديًا في مفاهيم الحياة والموت والانبعاث.
تُصوّر كالو مستلقية على سرير يطفو في فضاء أزرق، تتشابك حول جسدها أغصان خضراء، فيما يعلوها هيكل عظمي يحمل زهورًا جافة ويرتدي حزامًا من الديناميت، في مشهد يختزل فلسفتها حول الفناء والخلود.
ذلك السرير الذي تحوّل إلى مساحة إبداعية بعد حادث الحافلة الذي أصابها في سن 18، حين صمّمت والدتها لها حاملاً خاصًا للرسم وهي طريحة الفراش، فأنجزت من فوقه عددًا من أبرز أعمالها.
تُقدّر قيمة اللوحة بين 40 مليون دولار و60 مليون دولار أمريكي، ما يجعلها مرشحة لتحطيم الرقم القياسي لأعمال كالو، بل ربما تتجاوز أعلى سعر سُجّل لأي عمل لفنانة على الإطلاق. هذا التقدير يعكس العمق الفني والتاريخي للعمل، ما يجعله محط أنظار كبار جامعي المقتنيات الفنية حول العالم.
Sotheby’s
رينيه ماغريت.. فارس وحيد في غابة الأحلام
بعد مرور 16 عامًا على تقديمه لأول مرة، عاد رينيه ماغريت إلى سلسلة الفارس والفرس في لوحة Le Jockey perdu (الفارس الضائع) التي أنجزها عام 1942، ليُعيد استكشاف هذا الرمز السريالي من منظور أكثر نضجًا ودقة تقنية.
تُعد هذه اللوحة واحدة من عملين زيتيين فقط في هذه السلسلة المحورية، وتُجسّد ذروة تطوره الفني من حيث البناء البصري والرمزية.
Sotheby’s
في هذا العمل، يقدّم رينيه ماغريت مشهدًا غارقًا في الغموض، إذ يقف فارس وحيد يعبر غابة حالمة من أشكال البيلبوكيت bilboquet الشاهقة، تلك الأعمدة الشبيهة بالألعاب الخشبية التقليدية، لكنها هنا تتحول إلى أعمدة مسرحية تقود إلى واقع بديل. لا يكتفي المشهد بإثارة التساؤلات، بل ينسج توترًا داخليًا صامتًا، يعكس فلسفة الفنان في تحويل المألوف إلى لغز بصري يتحدى العقل.
اللوحة تحمل أيضًا قيمة تاريخية استثنائية، إذ تنقّلت بين أيدي جامعي الأعمال الفنية الأشهر في القرن العشرين، بدءًا من وليام كوبلي، أحد داعمي الحركة السريالية، وصولاً إلى مجموعة كاي وماثيو بوكسباوم، اللذين اعتبراها جوهرة مجموعتهما الفنية. بهذا الامتداد الزمني والبصري، تُجسّد لوحة الفارس الضائع لحظة فارقة في مسيرة ماغريت، وتُكرّس مكانته بوصفه أحد روّاد السريالية الأبرز في القرن العشرين.