أيام تفصلنا عن نهاية معرض بينالي الفنون الإسلامية بجدة، المنبسط على أكثر من 12000 متر مربع، والمنطوي على طائفة واسعة من الأعمال الفنية والقطع الأثرية، في مجالات جمة تهدف إلى استكشاف تأثير الإسلام في الحياة الثقافية. وإن تسنت لك الفرصة لزيارة المعرض قبل أن يغلق أبوابه،  فاحرص على ألا تغفل الأعمال التي نستعرضها في ما يأتي.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة عمل للفنان إغشان آدمز، المولود عام 1982 في كيب تاون بجنوب إفريقيا، والذي يستكشف من خلاله الكثير من الأبعاد السياسية والعرقية والدينية، والتي كان لها تأثير واضح على شخصه وعلى مجتمعه كذلك.

يستجلب الفنان مادة عمله من مجموعة من المواد الطبيعية والاصطناعية، بيد أن أغلبها يستلهم شكل ونمط المنسوجات الإسلامية التقليدية.

ولأن الفنان يريد أن يطبع عمله بطابع حقيقي أكثر، فقد جلب بعض سجاجيد الصلاة من أصدقائه والمقربين وعائلته في منطقة Bonteheuwel في كيب تاون.
إنها تلك المنطقة التي اكتوى العديد من العائلات السوداء والملونة فيها بنار الفصل العنصري في الستينيات. وقد عمد الفنان أيضًا إلى استخدام سجاجيد صلاة مهترئة لكي تكون خير تعبير عن حملها بصمات أجساد أصاحبها في أثناء الصلاة على مدى سنوات.

أظهر آدمز هذا التآكل عبر استخدام الخرز والأحجار شبه الكريمة؛ لتشكل معًا، في النهاية، عملًا مركبًا، يميط اللثام عن أبعاد أخرى في صلاة الجماعة.

صلاة الجماعة

Islamic Arts Biennale Jeddah

نسمة كونية

عمل آخر يُعرض في بينالي الفنون الإسلامية بجدة، وهو ممهور بتوقيع الفنان جو نعمة، المعروف باهتمامه بالتركيز على الأعمال الصوتية، والبحث فيها عن قضايا ذات صلة بالهوية والذاكرة.

في هذا العمل، جمع الفنان تسجيلات لأصوات الأذان من بلدان متعددة وأزمنة مختلفة، بما في ذلك أول تسجيل للأذان من المسجد الحرام في أواخر القرن التاسع عشر.

تشمل التسجيلات أيضًا صوت أذان آخر من المسجد الأقصى، وطائفة تسجيلات من بقاع شتى من بينها كاغا في اليابان ودوربان بجنوب إفريقيا وكولونيا بألمانيا وغيرها.

نسمة كونية

Islamic Arts Biennale Jeddah

كلنا من تراب

يتكون عمل الفنان المغربي مبارك بوحشيشي الذي يحمل عنوان «كلنا من تراب» من 1288 قطعة من الطين المحروق الملون، تبدو، حين النظر إليها لأول وهلة، وكأنها سجاد من الخزف ملوّن بالتراب.

يستكشف بوحشيشي، من خلال عمله ذاك، الرابطة التي توحّد بين البشر، إذ يصنع الفنان بلاطات ذات ألوان مختلفة مستخدمًا أنواعًا متعددة من الطين جمعها من مناطق مختلفة في المغرب. 

وتشكّل كل بلاطة بوابةً أو محرابًا، وهو ما يمنح العمل بعدًا جماليًا بديعًا. وتكمن براعة هذا العمل في قدرته على التشديد على الآصرة التي تربط بين البشر بغض النظر عن بلدانهم وألوانهم وهوياتهم.

كلنا من تراب

Islamic Arts Biennale Jeddah

بين الرجال

يُعد العمل التركيبي «بين الرجال» للفنان الجنوب إفريقي هارون جان سالي أحد أكثر الأعمال تفردًا في بينالي الفنون الإسلامية بجدة؛ إذ يعبر عن فكرة فريدة بطريقة بديعة ومبتكرة في الوقت نفسه أيضًا.

يتمثل عمل هارون جان سالي في عدد كبير من الكوفيات البيضاء السابحة في الهواء - ولكنها معلقة في السقف بخيوط تبدو غير مرئية للوهلة الأول - وعبر ظلالها المنعكسة على الأرض تشكل مظهرًا فريدًا أخاذًا.

قصد هارون جان سالي من عمله ذاك التصدي، وربما الإشارة، إلى أعمال العنف التي تعرضت لها المجتمعات المحلية في جنوب إفريقيا، إبان نظام الفصل العنصري.

ومن نافل القول إن الفنان سمي على اسم إمام وداعية من جنوب إفريقيا يدعى عبد الله هارون، كان مناهضًا لنظام الفصل العنصري، وقد قُتل في أثناء احتجازه لدى شرطة كيب تاون في 1969، وخرج لتشييعه أكثر من 40 ألف شخص في تحدٍّ واضح لسلطات الفصل العنصري. 

هذا العمل هو إشارة إلى هذه الحادثة على وجه الخصوص، وقد نفّذه الفنان بالتعاون مع أرملة الداعية وابنته إحياءً لذاكراه ووفاءً لنبله. وعمد الفنان إلى عرض الكوفيات، المدلاة من السقف، مصحوبة بتسجيل صوتي لسيرة الإمام والداعية عبد الله هارون، فضلاً عن بعض خطبه.

بين الرجال

Islamic Arts Biennale Jeddah

صياد الأمواج

العمل الأخير في هذه القائمة هو عمل تركيبي للفنانة والباحثة السعودية بسمة فلمبان، وقد قصدت من خلاله تجسيد الأذان في سلسلة من الأشكال الموجية، لتعبر بذلك عن النفس بين كل كلمة وعبارة من عبارات الأذان.

صياد الأمواج

Islamic Arts Biennale Jeddah

تضع بسمة فلمبان أشكالاً مختلفة لتعطي تعبيرًا ماديًا عن الأذان، وقد أفلحت في ابتكار طريقة تصور فيها المجالات والأصوات المختلفة، وصلة ذلك بدرجة الصوت وقوته.

تشبه القطع المكونة لعمل «فلمبان» طبولاً تقليدية أو فخاخ الصيد المستخدمة على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وتشير أهميتها إلى خشب الساج المستخدم في سفن الصيد والتجارة في الحجاز، مرددًا صدى ارتباطات البحور. 

إننا إزاء مشهد صوتي لأمواج المحيط يعيد تفسير عناصر الأذان، ويذكرنا بالموجات الصوتية الخفية التي تُحمل، عبر أصوات المؤذنين، إلى آذاننا.