قد لا يضاهي الإقبال الراهن على ما يُعرف بساعات الطاولة أو ساعات المكتب ما كان عليه الحال في حقبات سابقة، ولكن القيمة المرتبطة بهذه الابتكارات لم تتغير، بدليل أن الدور البارزة في القطاع تواظب على طرح إصدارات مبتكرة ضمن هذه الفئة، وإن كانت حصرية وبعيدة عن متناول العموم. مدعاة هذه المحدودية تكمن في المزايا الجمالية التي تكتسي بها هذه القطع كما في المواصفات التقنية التي تتجاوز في أحيان كثيرة حدود المألوف، على ما تشهد الساعات الخمس الجديدة التي نستعرضها في ما يأتي.
Panerai Jupiterium
قدّمت ملاحظات غاليليو غاليلي في عام 1610 دليلاً حاسمًا على أن الأرض ليست مركز الكون. فقد رصد العالِم العبقري بوساطة التلسكوب أربعة أقمار تدور حول كوكب المشتري، وبذلك خلص إلى بطلان نظرية مركزية الأرض. من هذا الاكتشاف الثوري الذي قلب وجه علم الفلك، تستلهم دار بانيراي رموز هذه الساعة التي يبلغ ارتفاعها 86 سنتيمترًا وعرضها 75 سنتيمترًا ووزنها نحو 110 كيلوغرامات.
عبر الكرة الزجاجية للساعة، يطلّ مجسم الأرض من المركز وحوله الشمس والقمر والمشتري وأقماره الأربعة، وتسترشد حركة هذه الأجرام بآلية حركة ميكانيكية، معززة بوظيفة التقويم الدائم وتنطوي على ثمانية براميل تؤمّن الطاقة اللازمة لتحريك المكوّنات من دون انقطاع طيلة 40 يومًا. كما تتعزز هذه الآلية بميزة الارتداد التي تُحاكي الحركة التراجعية للكواكب على ما تُرى من الأرض.
لتجسيد هذه الظاهرة الفلكية، عمدت بانيراي إلى تطوير نظام مسجّل ببراءة اختراع يُجسد التباطؤ الظاهري لكوكب المشتري، وتراجعه، ثم استئنافه الحركة. على سطح الكرة المقسومة بشريط من التيتانيوم يرمز إلى خط الاستواء ويحمل نقوش الأبراج الفلكية الاثني عشر، تظهر الكوكبات النجمية المطلية بمادة سوبرلومينوفا الوضاءة على النحو الذي تُعاين به من الأرض.
ولكن هذا ليس كل ما تنطوي عليه هذه الساعة، إذ تنتصب الكرة الزجاجية على قاعدة من خشب الماهوغاني الأسود، ومنها يبرز ميناء يشتمل على مؤشر الليل والنهار عند الساعة 9، وعداد خطّي لاحتياطي الطاقة عند مؤشر الساعة 6. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعقيد التقويم الدائم لن يحتاج إلى التعديل إلا في عام 2099.
عبر الكرة الزجاجية للساعة، يطلّ مجسم الأرض من المركز وحوله الشمس والقمر والمشتري وأقماره الأربعة.
Patek Philippe Complicated Desk Clock Ref. 27000M-001
كلما كشفت باتيك فيليب عن إصدار جديد، تأكّد أنها من زمرة الدور الرائدة في قطاع الساعات الفاخرة، وهذا ما شهد عليه هواة الجمع خلال انعقاد الدورة الأخيرة من معرض واتشز أند وندرز (ساعات وعجائب).
الابتكار الذي استأثر باهتمام زوار المعرض كان الساعة ذات الرقم المرجعي Ref. 27000M-001، التي تمتد جذورها إلى العصر الذهبي لساعات المكتب والتي تستلهم رموزها التصميمية من القطع التي ابتكرتها الدار تلبية لطلب رائد الأعمال جيمس وارد باكارد والمصرفي الشهير هنري غريفز جونيور.
تستوطن هذه الساعة علبة من الفضة، تتباهى أسطحها بطلاء أخضر مصقول بتقنية الإشعال في الفرن وزخارف غيوشيه دائرية، بالإضافة إلى زخارف مضفّرة بارزة على القرص وعلى إطار العلبة المستطيل.
يتجلّى أيضًا تفوق خبراء باتيك فيليب في فنون الزخرفة والطلاء، بالرغم من التعقيدات المقترنة بها، عبر الميناء الفضي المشغول من الأوبالين، والذي يكشف عن مجموعة من التعقيدات، مثل تعقيد التقويم الدائم وتعقيد الليل والنهار وتعقيد التقويم الأسبوعي وتعقيد أطوار القمر وتعقيد الثواني القافزة. يقترن كل تعقيد بنوافذ محددة تتناغم في ترتيب متقن يبرز اقتدار حرفيي باتيك فيليب ومبلغ صبرهم.
فقد استغرق تطوير آلية الحركة يدوية التعبئة سبع سنوات كاملة. إلى ذلك، تنطوي الساعة على خمسة أزرار أسفل الميناء لضبط اليوم والأسبوع والشهر والتاريخ وأطوار القمر، كما تتعزز بمفتاح متفرد يتيح إدخاله في أحد المواضع الثلاثة تعبئة الساعة أو إيقاف الثواني أو ضبط الوقت. يذكر أن آلية الحركة الحاصلة على تسع براءات اختراع توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 31 يومًا.
تستوطن ساعة باتيك فيليب علبة من الفضة، تتباهى أسطحها بطلاء أخضر مصقول بتقنية الإشعال في الفرن فيما تكتمل بميناء من الأوبالين يكشف عن مجموعة من التعقيدات.
Tiffany & Co. Time for Speed
يتخذ قياس الوقت تعبيرات متنوعة. فبعض الدور تستنفر كامل طاقات الخبراء والحرفيين لاستحداث ساعات متفردة، وبعضها يستعيد جماليات الماضي في ساعات بعيدة عن متناول العموم، فيما دور أخرى تترجم الوقت في مجسّمات منحوتة بإتقان يندر مثيله. تنتمي بعض ابتكارات تيفاني أند كو إلى الفئة الأخيرة، على ما تشهد مجموعة Time Objects التي تتضمن ساعات تتخذ هيئة السيارات والطائرات.
عززت العلامة هذه المجموعة بنسخة جديدة من ساعة Time for Speed المستلهمة من سيارات السباق التي شاعت إبان خمسينيات القرن العشرين، وقد أبرزت هيكلها المشغول من الألمنيوم باستخدام طلاء أسود لامع يلفت الأنظار. بالإضافة إلى الهيكل المنحوت بعناية، تتمايز هذه السيارة بعجلات مطاطية صلبة، وإطارات مشغولة من الفولاذ المقاوم للصدأ، وغطاء محرك مطبوع بالرقم 57 الذي يشير إلى متجر تيفاني أند كو الرئيس في شارع 57 بنيويورك. على الجانب الأيسر من السيارة.
على الجانب الأيسر من السيارة، يرصد الناظر مرور الساعات والدقائق من خلال نافذة مشغولة من الفولاذ المصقول المقاوم للصدأ.
يرصد الناظر مرور الساعات والدقائق من خلال نافذة مشغولة من الفولاذ المصقول المقاوم للصدأ، فيما تكشف القبة الزجاجية التي تتخذ هيئة خوذة بارزة فوق مقعد السائق عن الميزان وعجلة الساعة. ويكتمل هذا المشهد بشعار تيفاني أند كو المنقوش على الشبكة الأمامية للسيارة. وقد جُهّزت هذه الساعة بآلية حركة يدوية التعبئة من ابتكار الدار السويسرية العريقة L’Epée 1839، توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 8 أيام، ويمكن تعبئتها بتحريك السيارة إلى الخلف على سطح مستو. جدير بالذكر أن ضبط الوقت يستوجب إدارة عجلة القيادة عكس اتجاه عقارب الساعة، وهذا ما يسبغ على الساعة، البالغ سعرها 45,000 دولار، طابعًا يخاطب الحواس.
تتمايز السيارة بعجلات مطاطية صلبة، وإطارات مشغولة من الفولاذ المقاوم للصدأ، وغطاء محرك مطبوع بالرقم 57 الذي يشير إلى متجر الدار في نيويورك.
Chanel Diamonds Astroclock
لم تتوانَ دار شانيل عن إبراز اقتدارها في ميدان الابتكار خلال انعقاد معرض واتشز أند وندرز في جنيف هذا العام، إذ كشفت فيه عن مجموعة من الفرائد التي توزعت بين فئات الساعات اليدوية والساعات الجواهر وساعات المكتب. لقد كان لهذه الابتكارات صدى طيّب بين هواة الجمع الذين وفدوا على هذا المحفل من حول العالم، لا سيما ساعة Diamonds Astroclock التي استحدث من خلالها استوديو شانيل للساعات رؤية مذهلة لقراءة الوقت.
أول ما يلفت الأنظار في هذه الساعة، التي اقتصر إنتاجها على نموذج واحد، هو الأسد المهيب الجاثم ببراثنه الأمامية على كرة من السّبج، والذي صيغ من الذهب الأبيض وتألق بضياء 5,037 ألماسة بالقطع البراق على نمط ندف الثلج. عمل خبراء شانيل ثمانية أشهر كاملة على اختيار الألماسات ونظمها بدقة على منحوتة ملك الغابة، الذي يحرس كرة زجاجية تحتضن آلية الحركة الميكانيكية يدوية التعبئة.
وعبر هذه الكرة، يظهر عقرب ساعات مشغول من الذهب الأبيض، مرصع بضياء 11 ألماسة ويتخذ هيئة مذنّب، فضلاً عن كوكبة الأسد النجمية التي تُجسد عقرب الدقائق، وكرة صغيرة دوّارة تتلألأ ببريق 66 ألماسة، وتتولّى مهمة الإشارة إلى أن الساعة في حالة حركة. تتناغم مختلف هذه العناصر ببراعة لتنطق بالكثير عن الدار. فالأسد يرمز إلى برج غابرييل شانيل، واللون الأسود يشير إلى الرقي والغموض، فيما تحيل آلية الحركة التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 8 أيام إلى اقتدار محترفات شانيل المسؤولة عن إنتاج الساعات الفاخرة.
أول ما يلفت الأنظار في هذه الساعة هو الأسد المهيب الجاثم على كرة من السّبج، والذي صيغ من الذهب الأبيض المرصع بالألماس.
Van Cleef & Arpels Planétarium
واظبت دار فان كليف أند آربلز منذ تأسيسها على طرح ابتكارات نفيسة تستند إلى طائفة متنوعة من التقنيات الحِرفية العتيقة، وقد بلغت في هذا الميدان مبلغًا يتيح لها استكشاف مسارات إبداعية بعيدة عن المألوف، على ما هو عليه الحال في هذه الساعة التي تنتمي إلى مجموعة Planétarium المنبثقة عن سعي الدار الفرنسية إلى تجسيد القبة السماوية وفق أبعاد مختزلة، والمتمايزة بخليط متجانس من مواد وأحجار كريمة تزدان بها القبّة والقاعدة الخشبية التي تصطفّ عليها تواليًا موانئ الساعات والدقائق ومؤشرات الليل والنهار والتقويم الدائم واحتياطي الطاقة الذي يدوم 15 يومًا.
في هذه الساعة التي تحتجب تحت قبتها أجرام سماوية صيغت من مواد مختلفة، يكشف باب صغير عن شهاب يدور ليشير إلى الساعات والدقائق.
يُعاين الناظر عبر القبة الشمس والكواكب المرئية من الأرض، وتحديدًا عطارد والزهرة والمشتري والمريخ وزحل، وكذلك الأرض وقمرها، كما يلمح حركتها البديعة التي تطابق حركتها الواقعية. صيغت هذه الأجرام السماوية من مواد مختلفة ورُصّعت بمزيج من الأحجار الكريمة وأحجار الزينة، مثل الياقوت الملوّن واللؤلؤ واليشب والألماس والكهرمان والعقيق والسبيسارتيت، وهذا ما يرتقي بحركتها الشاعرية إلى مقام رفيع، لا سيما أنها تجري فوق قاعدة مؤلفة من 15 حلقة من اللازورد المَشوبة بالألماس، والنجوم المشغولة من الذهب الوردي والذهب الأبيض. عند تنشيط الآلية، ينفتح باب صغير يكشف عن شهاب مشغول من الذهب الوردي ومرصع بالألماس والياقوت المنظوم بتقنية الرصف السري Mystery Set. يدور هذا الشهاب ليشير إلى الساعات والدقائق في رقصة رشيقة تؤكد اقتدار خبراء فان كليف أند آربلز.





