مع تزايد رغبة الأفراد في الانتقال إلى وجهات تتمتع بالاستقرار والرفاهية، يبرز التقرير السنوي الصادر عن منصة إنترنيشنز InterNations، أكبر مجتمع للمغتربين على مستوى العالم، بوصفه أداة مرجعية مهمة للكشف عن أفضل الدول للعيش في عام 2025. 

يستند التقرير إلى آراء أكثر من 10 آلاف مغترب ينتمون إلى 172 جنسية، ويجري تقييم 46 دولة وفق مؤشرات عديدة تشمل جودة الحياة، وسهولة الاندماج، وفرص العمل، والوضع المالي، والخدمات الأساسية مثل السكن والإدارة واللغة والحياة الرقمية.
آسيا تفرض حضورها في المراتب الأولى

في مشهد عالمي يبحث عن معادلة نادرة تجمع بين رفاهية العيش وقدرة الأفراد على تحمّل التكاليف، تبرُز آسيا بوصفها قارة تحمل ملامح المستقبل. فقد اقتحمت خمس دول فيها المراتب العشر الأولى عالميًا، لتؤكد أن الشرق لم يعد مجرد وجهة سياحية عابرة، بل صار موطنًا لحياة متكاملة تتناغم فيها الثقافة والاقتصاد والطبيعة.

من أقصى الجنوب الشرقي، تطل ماليزيا في المركز العاشر، حاملة بصمتها الاقتصادية المتزنة وخيارات سكنية صُممت بعناية لتواكب متطلبات العيش العصري. 

وإلى جوارها تتقدّم إندونيسيا إلى المرتبة الثامنة، جامعة بين الغابات الاستوائية بسحرها الأزلي وناطحات سحاب ترسم ملامح حداثة متسارعة.

أما الصين، فتقف في المركز السادس بوصفها قوة معيشية صاعدة، تتشابك فيها المدن الذكية مع أنماط حياة مترفة تليق بإيقاعها المتنامي. تليها فيتنام، في المرتبة الخامسة، وقد غدت مسرحًا لتجربة يومية نابضة، تمنح ساكنيها توازنًا فريدًا بين متعة الحياة وطفرة الاقتصاد.

أفضل الدول للعيش في 2025

Pexels

كما تتألق تايلاند في المركز الرابع في أفضل الدول للعيش في عام 2025، لتثبت أنها ليست جنة استوائية فحسب، بل دولة متكاملة البنية، تجمع بين حداثة البنية التحتية وعمق الإرث الثقافي الذي ينعكس في تفاصيل المعيشة اليومية.

الجامع بين هذه الدول الخمس هو أنها لم تكتفِ بالارتقاء في مؤشرات جودة الحياة، بل أحرزت مراكز متقدمة في معايير الرضا المالي، لتقدم برهانًا واضحًا على أن الرفاهية الحقيقية ليست رهينة الإنفاق الباذخ، بل تكمن في القدرة على اختيار موطن يمنحك قيمة حقيقية مقابل المال.

أفضل الدول للعيش في 2025

Pexels

أمريكا اللاتينية تواصل الصعود

بعد آسيا، تنتقل بوصلة التصنيف إلى قلب أمريكا اللاتينية، حيث تواصل المنطقة تعزيز حضورها بوصفها وجهة معيشية نابضة بالحياة. ثلاث دول منها حجزت مكانها في المراتب الأولى، لتكشف عن مزيج متفرّد يجمع بين الدفء الإنساني والجدوى الاقتصادية.

المكسيك، التي تربعت على القمة خلال عامي 2022 و2023، حلت في المركز الثالث هذا العام لتؤكد استمرار جاذبيتها: ثقافة مرحِّبة تنفتح على الغرباء، وسهولة في تكوين الصداقات، ما يمنح الوافدين شعورًا سريعًا بالانتماء. ورغم بعض التحديات في الأمن وجودة الهواء، إلا أن الأداء المالي الجيد جعلها تظل إحدى الوجهات الأبرز على مستوى تحقيق التوازن بين التكلفة ونمط الحياة.

أفضل الدول للعيش في 2025

Pexels

أما كولومبيا، فقد خطفت الأضواء بصعودها اللافت من المركز الخامس في 2024 إلى المركز الثاني في 2025. إذ أعرب 81% من المغتربين هناك عن رضاهم المالي مقارنة بمتوسط عالمي لا يتجاوز 54%، وهو ما انعكس في فرص سكن ميسورة وحياة اجتماعية نابضة بالحيوية. ومع ذلك، لا تزال الهواجس الأمنية والسياسية تحجب عنها مكانة الريادة المطلقة في جودة المعيشة.

وتلخّص كاثرين شودوبا، رئيسة التحرير في إنترنيشنز، هذه الصورة بقولها: "إن دول أمريكا اللاتينية الثلاث تهيمن على مؤشر سهولة الاندماج، إذ يختبر الوافدون دفء السكان المحليين وسلاسة التفاعل الثقافي والاجتماعي. إنها بيئة لا تتيح مجرد إقامة، بل تجربة إنسانية مكتملة الأبعاد".

أفضل الدول للعيش في 2025

Pexels

بنما.. الوجهة الأولى للعيش في 2025

للعام الثاني على التوالي، تواصل بنما اعتلاء قمة أفضل الدول للعيش في عام 2025، معبّرة عن نموذج نادر يوازن بين الراحة والجدوى. فقد كشف 94% من المغتربين المقيمين فيها عن رضاهم التام، في نتيجة استثنائية عزّزتها هيمنة بنما على المراتب الثلاث الأولى في معظم المؤشرات، بل تقدّمها في غالبية الفئات الفرعية، وهو أداء قلّما يتكرر.

جاذبية بنما لا تكمن في عنصر واحد، بل في توليفة شبه مثالية: بنية تحتية متينة بأسعار مقبولة، ومناخ استوائي معتدل، وثقافة منفتحة ترحّب بالوافدين وتسهّل اندماجهم. كما أن الطابع الخاص للمغتربين يضفي بُعدًا إضافيًا، إذ يشكّل المتقاعدون 35% من المقيمين، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، وغالبيتهم من أصحاب الدخل المرتفع، ما يعكس صورة مجتمع آمن ومستقر.

اللافت أيضًا هو أن ثلث هؤلاء المتقاعدين تقريبًا يخططون للاستقرار الدائم في بنما، ليمنحوها لقب الوطن الأخير. ومع احتلالها أيضًا صدارة مؤشر التقاعد العالمي الصادر عن إنترنشيونال ليفينغ International Living، ترسّخ بنما مكانتها بوصفها واحدة من الوجهات القليلة التي تجمع بين الرفاهية والقدرة على الاستدامة، ليس لعام واحد فحسب، بل كخيار حياة طويل الأمد.