أعلنت السلطات الأرجنتينية مطلع سبتمبر عن استعادة لوحة إيطالية نادرة سرقها النازيون منذ ثمانية عقود، لتنهي بذلك لغزًا استمر 80 عامًا، وتفتح في الوقت نفسه تحقيقًا واسعًا مع ابنة مسؤول نازي سابق وزوجها بتهمة الإخفاء وعرقلة سير العدالة.
بحسب ما أوردته الصحيفة الهولندية Algemeen Dagblad، ظهرت اللوحة الشهيرة "الكونتيسة كولِّيوني" بريشة الرسام الإيطالي جوزيبي غيسلاندي في صورة منشورة ضمن إعلان عقاري لأحد المنازل في مدينة مار ديل بلاتا الساحلية. ومن هنا انطلقت عملية تحقيق دولية واسعة، تبعتها مداهمات ومصادرة أعمال فنية، وسط متابعة دقيقة من خبراء الفن والجهات المعنية بملاحقة الأعمال المنهوبة زمن الحرب.
اللوحة تعود ملكيتها إلى تاجر الأعمال الفنية في أمستردام جاك غودستيكّر، الذي توفي عام 1940، وكانت واحدة من أكثر من ألف عمل فني نهبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية، وظلت مُدرجة في قواعد بيانات الأعمال المنهوبة لعقود طويلة. وقد صُنّفت اللوحة من قبل الحكومة الهولندية بوصفها عملاً غير مُسترد، حتى عادت للظهور بالمصادفة من خلال صورة عقار معروض للبيع.
جمع غودستيكر مجموعة كبيرة من لوحات كبار الرسامين القدامى، واضطر إلى بيعها تحت الإكراه، وقد أُعيد بعضها بالفعل إلى عائلته. فعلى سبيل المثال، في عام 2023، أُعيدت لوحة من القرن السادس عشر منسوبة إلى الفنان الهولندي كورنيليس فان هارلم، وذلك بعد أن عرض أحد الجامعين العمل على متحف رولان في مدينة أوتون بفرنسا.
Historiek
وفي عام 2009، نُظّم معرض في نيويورك ضم أعمالاً كانت تعود سابقًا إلى غودستيكير، وأشار وصف المعرض آنذاك إلى أن عائلته تمكنت من استعادة 200 عمل فني. وشملت القطع المعروضة لوحات لكل من سالومون فان رايسدايل، ويعقوب فان رايسدايل، ويان فان دير هايده.
ووفقًا لوكالة رويترز، سرعان ما قادت التحقيقات إلى باتريسيا كادغيين، ابنة الضابط النازي السابق فريدريش كادغيين، الذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في حكومة أدولف هتلر قبل أن ينتقل إلى الأرجنتين بعد الحرب العالمية الثانية ويستقر بها حتى وفاته عام 1979. ويشاركها في القضية زوجها خوان كارلوس كورتيغوسو، إذ يواجهان معًا اتهامات تتعلق بالإخفاء المشدد وعرقلة العدالة، بعد أن تبين للادعاء أنهما أزالا الإعلان العقاري من الإنترنت، وأنزلا لافتة للبيع، كما استبدلا باللوحة قطعة نسيج في محاولة لإخفائها قبيل مداهمة الشرطة.
الإجراءات القضائية جاءت دقيقة وحازمة. فبعد رفع الإقامة الجبرية عن الزوجين، فرض القاضي حظر سفر لمدة 180 يومًا، وأمرهما بتسليم جوازي سفرهما، بالإضافة إلى منعهما من مغادرة المنزل لأكثر من 24 ساعة من دون إذن قضائي مسبق. وفي أثناء المداهمات، عُثر على نقوش ورسوم ومطبوعات ولوحتين تعودان إلى القرن التاسع عشر. وأكدت السلطات على احتمالية توجيه اتهامات جديدة إذا تبيّن أن هذه الأعمال قد نُهبت أيضًا في الحقبة النازية.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد محامي الدفاع كارلوس مورِياس أن موكليه امتثلا للتعليمات وكانا مستعدين لتسليم اللوحة طواعية، مشددًا على أن القضية لا تتعلق بالإخفاء بقدر ما ترتبط بتحديد الملكية الشرعية للعمل الفني. مورِياس وصف قرار حظر السفر لمدة 180 يومًا بأنه مبالغ فيه، لكنه قبله بعد أن أوضحت المحكمة حيثياته.
أوضحت النيابة العامة أن اللوحة ستبقى في الأرجنتين إلى حين استكمال الإجراءات اللازمة لتحديد مصيرها، سواء بإعادتها إلى هولندا أو إلى ورثة مالكها الأصلي. وستُسجل اللوحة رسميًا لدى المحكمة العليا في الأرجنتين، مع حفظها في متحف الهولوكوست في بوينوس آيرس بشكل آمن ومنع عرضها للجمهور، إلى أن تُحسم مسألة ملكيتها النهائية.