في أحد الحقول الريفية الهادئة بمقاطعة وارويكشير الإنجليزية، وفي أثناء انشغال صاحب مقهى محلي بهوايته المفضلة في استخدام جهاز كشف المعادن، وقعت أنظاره على بريق ذهبي غامض تحت التربة. لم يكن يدري حينها أنه يقف على أعتاب اكتشاف استثنائي سيهز الأوساط الأثرية: قلادة من الذهب الخالص عيار 24 على هيئة قلب، باتت تُعرف اليوم باسم قلب تيودور. هذه القلادة، التي جرى اكتشافها في عام 2019، لم تكن مجرد قطعة جواهر فاخرة، بل نافذة جديدة على واحدة من العلاقات الملكية الأكثر تأثيرًا في تاريخ إنجلترا. 

من خلال تفاصيلها الدقيقة ورموزها الملكية، تكشف القلادة عن طبقات من المعاني السياسية والعاطفية التي أحاطت بزواج الملك هنري الثامن من كاثرين الأراغونية، وتمنحنا لمحة نادرة عن فخامة البلاط الملكي في مطلع القرن السادس عشر. تُزيّن القلادة بزوج من الرموز الملكية البالغة الدلالة: وردة تيودور التي ترمز إلى سلالة هنري، وثمرة الرمان التي ارتبطت بكاثرين الأراغونية، في إشارة مباشرة إلى اتحادهما الملكي عام 1509. كما يحمل شريطها المنقوش كلمة "tousiors"، وهي تعني "دائمًا" بالفرنسية القديمة، في تعبير شاعري عن عهدٍ لم يدم، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى في التاريخ الإنجليزي.

المتحف البريطاني يسابق الزمن لإنقاذ قلادة قلب تيودور من مصير التملك الخاص

British Museum

وبعد مرور أعوام على هذا الاكتشاف الذي أضاء زاوية منسية من تاريخ البلاط الإنجليزي، تحرّك المتحف البريطاني لحماية القلادة من أن تُفقد في غياهب المجموعات الخاصة. فقد أعلن أخيرًا عن إطلاق حملة وطنية لجمع التبرعات، تهدف إلى اقتناء قلادة قلب تيودور النادرة، وضمان بقائها ضمن الإرث الثقافي للمملكة المتحدة. وبهذا يدخل المتحف البريطاني في سباق مع الزمن، إذ يحتاج إلى جمع 4.6 مليون دولار أمريكي بحلول أبريل 2026. تلقت الحملة دفعة أولى من الدعم بفضل تعهد من صندوق جوليا راوسينغ The Julia Rausing Trust بقيمة 635 ألف دولار أمريكي، فيما يأمل المتحف أن يسهم الجمهور في دعم هذه المهمة من خلال بوابة التبرعات الإلكترونية.

وبالتوازي مع جهود جمع التبرعات، واصل فريق المتحف البريطاني أبحاثه حول القلادة لفهم أصولها التاريخية، إذ تشير النتائج الأولية إلى أنها ربما صيغت على نحو خاص لأحد الاحتفالات الرسمية، وتحديدًا لمناسبة أقيمت في أكتوبر من عام 1518 احتفاءً بخطوبة الأميرة ماري، ابنة هنري وكاثرين، إلى دوفين فرنسا، ولي العهد الفرنسي آنذاك. وكان هنري معروفًا بشغفه بتنظيم الاحتفالات الفخمة، وغالبًا ما كان يطلب تكليفات بصياغة قطع جواهر تُرتدى في مثل هذه المناسبات لإضفاء طابع من البذخ والهيبة على البلاط الملكي.