مشهد درامي جديد يجسّد تقاطع النفوذ بين الفن الرفيع والسلطة والمال، حين تحوّلت منصات المزادات الأمريكية إلى مسرح لواحدة من الفعاليات الأشد تفردًا في السنوات الأخيرة.
فقد عُرضت مجموعة من الأعمال الفنية النادرة، لم تكن مجرد تحف تشكيلية، بل شواهد دامغة على إحدى أضخم قضايا الفساد المالي في التاريخ المعاصر: فضيحة صندوق الاستثمار الماليزي 1MDB.
صفقات فنية تكشف أسرار الفساد
تولّت دار غاستون آند شيهان Gaston & Sheehan Auctioneers تنظيم المزاد الإلكتروني المغلق من مقرها في تكساس. ورغم بدايات المزاد المتواضعة، إلا أن وتيرة الأسعار شهدت تصاعدًا دراماتيكيًا مع اقتراب الإغلاق، في ظل تعتيم كامل على هوية المشترين، ما أضفى على الحدث هالة من الغموض والإثارة.
النتيجة جاءت لافتة: 35.8 مليون دولار أمريكي هي حصيلة عمليات البيع التي شملت تحفًا فنية ذات قيمة رمزية وتاريخية، من بينها لوحة طبيعة نادرة للفنان بابلو بيكاسو، وعملان للفنان الأمريكي الأسطوري جان ميشيل باسكيا، إلى جانب نسخة نادرة من الصورة الأيقونية للمصورة ديان آربوس.
وكانت هذه الأعمال كلها ضمن أصول تمت مصادرتها في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة الأمريكية لاسترداد جزء من الأموال المنهوبة، التي قُدرت بأكثر من 4.5 مليار دولار، حُوّلت بشكل غير قانوني من الصندوق الماليزي بين عامي 2009 و2015.
Gaston & Sheehan Auctioneers
لكن المفاجآت لم تقف عند القيمة السوقية للأعمال، بل امتدت إلى خلفياتها المعقدة، إذ تبيّن أن ثلاثة من الأعمال المبيعة كانت مملوكة سابقًا لنجم هوليوود ليوناردو دي كابريو، بعدما تلقاها بوصفها هدايا فنية من رجل الأعمال الماليزي جو لو، العقل المدبّر والمشتبه فيه الرئيس في فضيحة 1MDB، والذي لا يزال فارًا من العدالة حتى الآن. ورغم ارتباط دي كابريو بهذه القطع، إلا أنه لم يُواجه أي اتهامات جنائية، وقد تعاون بشكل كامل مع التحقيقات الأمريكية.
فَنّ خالد وسط عواصف المال المشبوه
من أبرز الصفقات التي خطفت الأضواء بيع لوحة Red Man One (الرجل الأحمر الأول) للفنان جان ميشيل باسكيا، بأسلوبها التعبيري الجريء وأبعادها التي تتجاوز ست أقدام طولاً، مقابل مبلغ وصل إلى 22 مليون دولار أمريكي.
واللافت هو أن رجل الأعمال الماليزي الهارب جو لو كان قد اقتناها عام 2012 من صالة عرض في مانهاتن مقابل 9.4 مليون دولار فقط، ما يعكس تضاعف قيمتها السوقية خلال العقد الأخير.
Gaston & Sheehan Auctioneers
ولم يكن هذا العمل الوحيد لباسكيا في دائرة المزاد. فقد برز أيضًا عمله الشهير Self Portrait (رسم ذاتي) من عام 1982، والذي دخل السوق هذه المرة عبر باب مختلف، بوصفه جزءًا من تسوية توصّل إليها المنتج الهوليوودي جوي ماكفارلاند مع السلطات الأمريكية، بعد أن ثبت تمويل شركته ريد جرانيت للإنتاج السينمائي من أموال الصندوق الماليزي المنهوب.
أما الصورة الأيقونية للمصوّرة الأمريكية ديان آربوس، والمعنونة باسم Child with Toy Hand Grenade in Central Park, New York (طفل يحمل لعبة على هيئة قنبلة يدوية في سنترال بارك – نيويورك)، فقد جاءت لتجسّد بدقة التداخل المعقّد بين الفن والمال المشبوه.
هذه الصورة، التي التُقطت ببصمة فنية فريدة تحاكي البراءة المهددة والعنف الكامن، وقد اقتناها جو لو عام 2013 مقابل 750 ألف دولار أمريكي من أموال الصندوق السيادي المختلس، قبل أن يهديها لاحقًا للنجم العالمي ليوناردو دي كابريو.
وفي المزاد نفسه، تواصلت فصول الحكاية مع أحد عمالقة الفن، حين بيعت لوحة Tête de Taureau et Broc (رأس ثور وجِرَّة) للفنان بابلو بيكاسو بمبلغ 5 ملايين دولار أمريكي.
وكان جو لو قد اقتنى هذه اللوحة عام 2014 مقابل 3.28 مليون دولار، ما يرسّخ مرة أخرى التصاعد المستمر في القيمة الفنية والتجارية لـأعمال بيكاسو، ويعكس ثبات مكانته في أسواق الفن العالمية، حتى في ظل خلفيات تكتنفها قضايا غسل أموال وسرقة أصول.