في الحكايات القديمة، يُقال إن طائر الفينيق لا يحلّ إلا حين يسود السلام، كأنه مرآة لعصور تفيض بالنور والجمال. هكذا، أعادت حقبة الإمبراطور تشيان لونغ كتابة هذا المعنى من جديد حين أهدت العالم إحدى تحفها الأشد ندرة: المزهرية الإمبراطورية Blue and White and Iron-Red Phoenix Moonflask، قطعة تتجاوز حدود الزخرفة لتصبح نشيدًا من خزف يروي قصة الخلود بلغة الضوء واللون.

هذه المزهرية التي خرجت من الإمبراطورية الصينية في القرن الثامن عشر، ما زالت حتى اليوم تُدهش العالم بحضورها المهيب. فقد بيعت أخيرًا في مزاد بونهامز لندن بسعر بلغ 367،800 دولار أمريكي، لتعيد تسليط الضوء على روائع الخزف الإمبراطوري الذي جسّد رؤية تشيان لونغ الجمالية وهي: أن الفن ليس مجرد صنعة، بل هو انعكاس للحكمة والهيبة والخلود معًا.

يحمل تصميم المزهرية في تفاصيله انعكاسًا لتلك الفلسفة الإمبراطورية الدقيقة. فقد صيغت القطعة على هيئة قمر مسطّح الجانبين يستقر على قاعدة بيضاوية، يعلوه عنق قصير يتدلى على جانبيه مقبضان منحوتان في شكل رؤوس فيلة تتقاطع جذوعها بانسيابية تشي بذروة الحرفية الصينية. وتغمر هيكل المزهرية زخارف من الأزرق العميق تمتزج بتفاصيل من الأحمر الحديدي تُظهر زوجًا من طيور الفينيق في رقصة أبدية أسفل لؤلؤة متّقدة تمثل النور والحكمة الإمبراطورية، فيما تتحاور بين طياتها أزهار الفاوانيا واللوتس لتخلق مشهدًا بصريًا بالغ التوازن والنعومة.

وهنا، لا يبدو حضور طائر الفينيق مصادفة زخرفية بقدر ما هو امتداد رمزي للمعنى الكامن في كل تفصيل من تصميمها. فهذا الطائر يمثل في الفلسفة الصينية رمزًا للرخاء والتجدّد الأبدي، وربطه بالإمبراطورة في مواجهة التنين الذي يرمز إلى الإمبراطور جعل حضوره على هذه المزهرية بمنزلة رسالة دقيقة عن التوازن بين العظمة والرحمة، وبين الصرامة والرقي. ولهذا، تبقى هذه القطعة أكثر من عمل خزفي؛ إنها قصيدة مصنوعة من النار والخزف، تُجسّد الجمال الذي لا يذبل وإن عبرت عليه قرون.

مزاد بونهامز يعيد طائر الفينيق إلى الضوء.. بيع مزهرية إمبراطورية نادرة من عهد تشيان لونغ

Bonhams

ولا يكتمل سحر القطعة إلا حين نعرف رحلتها عبر الزمن. فقد كانت ضمن مجموعة السويسري فرديناند فون سوايرون، أحد جامعي التحف الأبرز في أوروبا خلال القرن العشرين، الذي كان يرى في كل عمل اقتناه انعكاسًا لتاريخ الإنسان مع الجمال. وربما لهذا السبب اعتنى بهذه المزهرية كأنها قلب مجموعته النابض.