حين يتعلّق الأمر بأعمال الفنان الأمريكي لويس كومفورت تيفاني، فإن ما يختفي خلف الزجاج الملوّن غالبًا ما يكون بلا أهمية؛ فالنوافذ هي المنظر بحد ذاتها.
إلا أن نافذة "ستيلمان" التذكارية التي بيعت أخيرًا في مزاد سوذبيز بنيويورك مقابل 2.39 مليون دولار أمريكي، تتجاوز هذا المفهوم المألوف، إذ تُعد من الأعمال النادرة التي تتيح النظر من خلالها، وتستجيب للضوء بطرق تفاعلية، وتفتح مشهدًا بصريًا حيًّا يتبدّل مع تغيّر الإضاءة على مدار اليوم، ما يجعل منها عملًا فنيًا حيًا يُحاكي نبض الطبيعة.
النافذة التي أُنجزت عام 1903، صُممت خصوصًا لمكتبة "جناح ستيلمان" في دار بروكلين للمسنين والأزواج في نيويورك، تخليدًا لذكرى السيدة شارلوت إليزابيث غرينمان ستيلمان، وهي أرملة مصرفي أمريكي بارز من النخبة الصناعية في نيويورك، عُرفت بمساهماتها الخيرية والتزامها الاجتماعي في أواخر القرن التاسع عشر.
وقام بناتها الأربع بالتكليف بهذا العمل الفني الفريد تكريمًا لوالدتهن الراحلة، ليُخلّد ذكراها ضمن مشروع ثقافي وإنساني مكرّس لرعاية كبار السن. وتُعد هذه النافذة واحدة من أندر أعمال لويس كومفورت تيفاني التي صُممت لمؤسسة سكنية مدنية، لا لكنيسة أو ضريح، وهو ما يُضفي على القطعة تفردًا استثنائيًا من حيث الاستخدام والسياق.
نافذة ستيلمان.. لوحة ضوئية تتفاعل مع الزمن
ما يُميّز نافذة ستيلمان عن غيرها من أعمال تيفاني، إلى جانب شفافيتها النادرة، هو تناغمها البصري الآسر. في أسفلها، تنتشر زهور الزنبق الصفراء على سيقان خضراء مائلة، بينما تتسلل زهور نجمة النهر بألوانها الوردية والبنفسجية عبر القوس العلوي، وسط أوراق ناعمة تتناثر برشاقة.
أما القلب الزجاجي للنافذة، فيتكوّن من ألواح شفافة تمامًا تقريبًا، ما يتيح تواصلًا مباشرًا بين الداخل والعالم الخارجي، ويحوّل العمل إلى كائن حيّ يتغير لونه وإيقاعه مع تبدل ساعات النهار".
وفي هذا تقول جودي بولاك، رئيسة قسم تصميمات القرن العشرين لدى دار سوذبيز: "كل ساعة وكل يوم، تتغيّر هذه القطعة بسبب الضوء والمنظر الطبيعي خارجها. إنها تجربة تفاعلية حقيقية، تُضفي بعدًا حيًا يجعل من الفن جزءًا من إيقاع الحياة اليومية." وتضيف: "ما يدهشني دائمًا هو قدرة أعمال تيفاني على الاندماج بسلاسة مع أنماط فنية متباينة؛ فقد رأيتها إلى جوار لوحات من عصر النهضة الأوروبي، كما رأيتها تتناغم مع أعمال معاصرة مثل أعمال جان-ميشيل باسكيا وآندي وارهول، وفي كل مرة تنجح في احتلال مكانتها الخاصة".
Sotheby's
من المؤسسة العامة إلى المجموعة الخاصة
بعد عقود من وجودها في مؤسسة عامة، انتقلت "نافذة ستيلمان" إلى مجموعة خاصة يملكها الزوجان آن وروبرت فرومر اللذان يُعدّان من أبرز جامعي تحف لويس كومفورت تيفاني في العصر الحديث. استقرت النافذة في منزلهما الواقع في قلب لونغ آيلاند، حيث اعتلت موقعًا يطل على حدائق غنّاء ومشهد بانورامي لمياه مضيق لونغ آيلاند.
هناك، لم تكن النافذة مجرد قطعة معمارية مدهشة، بل تحوّلت إلى جوهرة بصرية ضمن واحدة من أرقى المجموعات الخاصة المكرّسة لفنون تيفاني الزجاجية والزخرفية.
Sotheby's
عُرضت النافذة ضمن مزاد خاص بعنوان "روائع لويس كومفورت تيفاني: مجموعة آن وروبرت فرومر" Masterpieces by Louis Comfort Tiffany, Featuring The Ann and Robert Fromer Collection، الذي أقامته دار سوذبيز في 12 يونيو 2025.
وضمّ المزاد أيضًا مجموعة مختارة من المصابيح الزجاجية الرصاصية، وآنية من زجاج فافرِيل، وتحفًا مكتبية وزخرفية من القرن العشرين، أغلبها لم يظهر في السوق منذ أكثر من ثلاثة عقود.
Sotheby's
وجاء المزاد بعد أقل من عام على بيع نافذة دانر التذكارية Danner Memorial Window، التي حطّمت الرقم القياسي لأعمال تيفاني في نوفمبر الماضي بعدما بيعت مقابل 12.5 مليون دولار، لتُصبح أغلى قطعة من إنتاج تيفاني تُباع في مزاد على الإطلاق. وفي ديسمبر الذي تلاه، سجّلت مبيعات تيفاني في دار سوذبيز وحدها 26 مليون دولار خلال يوم واحد، ما يؤكّد الزخم المتصاعد حول أعمال هذا المصمّم الرائد.
وتعليقًا على هذا التزايد الكبير في الطلب، تقول بولاك: "الطلب على أعمال تيفاني يتجاوز بفارق كبير ما نستطيع تأمينه من المعروض"، ما يعكس عودة هذا الاسم العريق إلى صدارة السوق العالمية، ليس بوصفه فنانًا فحسب، بل رمزًا خالدًا للجمال المتجدّد".