افتتحت دار كريستيز مزاداتها الربيعية في مدينة نيويورك بسلسلة من المزادات المتتالية التي جمعت ما يقارب 489 مليون دولار مع الرسوم، في حدث يعد من أبرز الأحداث الفنية لهذا الموسم.

ملخص نتائج مزادات كريستيز المسائية بمدينة نيويورك

اعتلت مجموعة ليونارد ولويز ريجيو صدارة المشهد، وضمت 39 قطعة فنية نادرة جمعها رجل الأعمال الراحل ليونارد ريجيو، مؤسس إمبراطورية بارنز آند نوبل، وزوجته لويز. تمثل هذه المجموعة احتفاءً بقمم الفن الحديث من القرن العشرين، وتميل بشكل بارز نحو تيارات السريالية، والحداثة، والتجريد البسيط Minimalism.

وعلى الرغم من حالة الترقب وعدم اليقين التي أحاطت بالمزاد، إلا أن قطع المجموعة بمعظمها بيعت، مدعومة بضمانات مقدمة من الدار عبر مختلف القطع، ما أضاف قدرًا من الثقة للمشترين. 

أما مزاد فن القرن العشرين الذي تبِع ذلك وضم 35 قطعة، فاتسم بطابع متحفي، وتضمن لوحات بارزة لأسماء شهيرة مثل كلود مونيه، ومارك روثكو، وآندي وارهول، شكّلت نقاط القوة في تلك الأمسية.

رغم أن إجمالي قيمة المزاد، شاملاً للرسوم، بلغ 489 مليون دولار، متجاوزًا التقدير الأدنى لما قبل البيع البالغ 446 مليون دولار، إلا أن إجمالي المبيعات النهائية كان أقل بكثير، إذ بلغ 409 ملايين دولار فقط، مما يشير إلى أن الدار لم تحقق كامل تطلعاتها في تحقيق الأرقام المرجوة. 

مع ذلك، تفوقت النتائج على مزاد فن القرن العشرين المسائي لعام 2024، الذي حقق 413 مليون دولار من خلال بيع 64 قطعة وثلاث حالات انسحاب، كما تجاوزت إجمالي مبيعات المزادات المسائية للدار في نوفمبر 2024، التي بلغت 486 مليون دولار.

مؤشرات متباينة لحالة سوق الفن العالمي

بشكل عام، قدّمت الليلة لمحة واضحة عن حالة سوق الفن الرفيع. فالسوق مستقر، ولا يزال مقسمًا إلى طبقات، ويعتمد بشكل كبير على الأسماء البارزة والمضمونة. 

وقد صرح مستشار الفنون داين جنسن لمجلة آرت نيوز قائلاً: "كانت هناك جهود واضحة لتحقيق أرقام مرضية، أعتقد أن الفريق عمل بجدية، والنتيجة ليست كارثية، لكنها تعكس وجود حالة من الضيق في السوق".

كما وصف المستشار الفني هيوغو ناثان لمجلة آرت نيوز المزاد بأنه كان"قويًا" مضيفًا: "لم تكن التقديرات من النوع الذي يثير الحماس، وأعتقد أن كثيرين اتخذوا قراراتهم في اللحظات الأخيرة بسبب حالة عدم اليقين السائدة".

بدأت الأمسية ببيع مجموعة ليونارد ولويز ريجيو، المعروفة منذ زمن بين المطلعين في عالم الفن بالرغم من أنها نادرًا ما عُرضت للجمهور. 

وقد تميزت المجموعة بجودة ثابتة وتنوّع لافت، من الدقة الهندسية إلى اللمسة السريالية. وشكّل المزاد أيضًا وداعًا علنيًا لأحد أبرز الثنائيات في عالم جمع الأعمال الفنية في نيويورك، حيث بدأت لويز ريغيو بتقليص ممتلكاتها بعد مغادرتها شقتهما الشهيرة.

بلغ صافي المبيعات 228 مليون دولار مقابل 38 قطعة، أو 272 مليون دولار شاملة الرسوم، متجاوزًا التقدير الأدنى البالغ 252 مليون دولار. حصلت 23 قطعة على ضمانات من أطراف ثالثة، في حين حظيت  الأعمال كافة بضمان سعر أدنى من دار كريستيز، ما يعكس استراتيجية دقيقة لضمان النجاح المالي للمزاد.

دار كريستيز تحقق 489 مليون دولار في مزاداتها المسائية بمدينة نيويورك

Christie’s

العمل الأبرز في المزاد كان لوحة بيت موندريان Composition With Large Red Plane, Bluish Gray, Yellow, Black and Blue لعام 1922، وكانت معلّقة سابقًا في مدخل منزل عائلة ريجيو  في بارك أفينيو. 

قُدّر سعرها بما يقارب 50 مليون دولار، لكنها بيعت عند 41 مليون دولار، أو 47.56 مليون دولار شاملة الرسوم — وهو رقم أقل من الرقم القياسي السابق للفنان البالغ 51 مليون دولار في عام 2022، لكنها كانت بلا شك القطعة الأبرز في المزاد.

جاءت في المركز الثاني من حيث السعر لوحة الفنان رينيه ماغريت L’empire des lumières، التي بيعت عبر مكالمة هاتفية مع أليكس روتر، الرئيس العالمي لدار كريستيز، بمبلغ 34.9 مليون شامل الرسوم. 

وعُرضت اللوحة سابقًا في مزادات كريستيز نيويورك في نوفمبر 2017 ثم مرة أخرى في نوفمبر 2023 وقد بيعت فيه بالسعر نفسه. وصرحت ميغان فوكس كيلي، المستشارة الفنية، لمجلة آرت نيوز عن لوحة رينيه ماغريت: "لم ينخفض سعرها، لكن لم يكن متوقعًا أن يرتفع".

لوحات أخرى بارزة مثل Les droits de l’homme  لرينيه ماغريت، بيعت بمبلغ 15.94 مليون شامل الرسوم، وحقق العمل الفني Femme de Venise لألبيرتو جياكوميتي، أداءً أفضل قليلاً بسعر 17.66 مليون دولار شاملة الرسوم. 

أما الأعمال اللافتة التي بيعت بأداء ضعيف، فشملت مطبوعة A Luta Continua, 1974 للفنان ستان دوغلاس. فعلى الرغم من وجود ضمان سعري أدنى، بيعت القطعة بمبلغ 12.6 ألف دولار شاملة الرسوم، مقارنةً بتقدير بلغ 60 ألف دولار. 

كما سُحب عمل Forme Sévère للفنان خوليو غونزاليس من المزاد، وكان قد حُدد له سعر تقديري يراوح بين 8 ملايين دولار إلى 12 مليون دولار.

تلا مزاد ريجيو مزاد فن القرن العشرين والذي كان يدور حول دفع أسماء ثقيلة الوزن إلى ساحة المزاد. وحقق المزاد مبلغ 217 مليون دولار شاملاً الرسوم، مقابل تقدير بلغ 194 مليون دولار، مع سحب قطعتين بارزتين لخوليو غونزاليس، بالإضافة إلى حصول 15 قطعة على ضمانات من قبل أطراف ثالثة.

من بين 35 قطعة معروضة في مزاد فن القرن العشرين، كانت القطعة الأعلى سعرًا لوحة كلود مونيه Peupliers au bord de l’Epte, crépuscule التي بيعت مقابل 42.9 مليون دولار شاملة الرسوم. بيعت اللوحة لمشترٍ عبر الهاتف مع كيث جيل  رئيس قسم الفن الانطباعي والحديث في دار كريستيز لندن. 

وحلت في المرتبة التالية لوحة مارك روثكو No. 4 (Two Dominants) [Orange, Plum, Black] من مجموعة مكونة من تسع أعمال. كانت قيمة اللوحة مقدرة بنحو 35 مليون دولار، وهي تندرج ضمت أبرز الأعمال الفنية بعد الحرب في المزاد، إذ بيعت بسعر 37.7 مليون دولار شاملة الرسوم.

أما القطعة الثالثة التي تجاوزت حاجز 10 ملايين دولار فكانت لوحة غيرهارد ريتشر Korsika Schiu التي بيعت مقابل 15.2 مليون دولار شاملة الرسوم. 

دار كريستيز تحقق 489 مليون دولار في مزاداتها المسائية بمدينة نيويورك

Christie’s

هذه اللوحة كانت أيضًا مضمونة بضمان طرف ثالث، وجرت مزايدة طويلة استمرت سبع دقائق ونصف، غالبًا بعروض صغيرة، ما دفع أدريان ماير، الرئيس العالمي لقسم المبيعات الخاصة في كريستيز إلى المزاح قائلاً: "هل خططنا لعشاء ضيوفنا؟"
تعكس نتائج هذه الأعمال الثلاثة اتجاهات تقرير آرت بازل وبنك يو بي إس، الذي أظهر كيف انخفض الجزء الأعلى من السوق للأعمال الفنية التي تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار بنسبة 39% في عام 2024، بعد تراجع بنسبة 27% في العام السابق. 

هذه الأعمال فائقة السعر تمثل الآن 18% من إجمالي قيمة السوق فحسب، مقارنة بنحو 33% في عام 2022. 

كانت لوحة Firuzabad III لفرانك ستيلا استثناءً ملحوظًا، إذ بيعت بمبلغ 3.17 مليون دولار شاملاً الرسوم، وكانت من بين الأعمال القليلة التي تجاوزت تقديرها الأعلى البالغ  مليوني دولار بفارق كبير. 

كما بيعت لوحة Endgame لدورثيا تانينغ مقابل 2.3 مليون دولار، مقارنة بتقدير مرتفع بلغ 1.5 مليون دولار، ما شكّل رقمًا قياسيًا جديدًا للفنانة في المزادات، وأبرز الاهتمام المستمر بالحركة السريالية.

تجدر الإشارة إلى أن لوحة Big Electric Chair لآندي وارهول، التي قُدرت قيمتها بحوالي 30 مليون دولار، مثلت ظهورًا نادرًا للفنان هذا الموسم. تنتمي اللوحة إلى سلسلة Death and Disaster، وكانت قد بيعت آخر مرة في 2019 بسعر 19 مليون دولار. 

وبما أن معظم أعمال وارهول الكبرى الآن محفوظة في مجموعات طويلة الأمد، قدّم هذا العمل فرصة نادرة لاختبار رغبة الجامعين في فترة يهيمن عليها باسكيا. وقد أُدرجت اللوحة من مجموعة الرعاة البلجيكيين روجر ماثيس وهيلدا كول.

لكن اللوحة فشلت في إثارة أي حماس، إذ كانت واحدة من عملين لوارهل جرى سحبهما خلال المزاد. عزا دان جنسن السحب إلى تراجع سوق الفنان وانخفاض الطلب على "صور الكوارث".

وكانت النتائج تبرز تفكك سوق الفن بشكل متزايد. فالأعمال الاستثنائية التي تأسر مشاعر المشترين المهتمين حققت أداءً جيدًا. قال ناثان: "لوحة ريختر مثال رائع، كانت لوحة عاطفية: القارب، البحر الهادئ، الغروب، صورة للسكينة في زمن مليء بالفوضى، أما لوحتا وارهول اللتان جرى سحبهما، فكانتا على الطرف المقابل من الطيف الجمالي. ليس الوقت مناسبًا لهما".