خلال الاحتلال النازي لباريس، وفيما كانت المدينة ترزح تحت وطأة الخوف والمراقبة، واصل بابلو بيكاسو مقاومته بطريقته الخاصة: عبر الريشة والألوان. ففي عام 1943، رسم لوحة نادرة حملت اسم Portrait de Femme à la Robe Verte (امرأة ترتدي فستانًا أخضر) جسّد فيها ملامح رفيقته ومصدر إلهامه دورا مار، لتصبح شاهدًا على قدرة الفن على الصمود حتى في أحلك اللحظات.
وبعد أكثر من ثمانية عقود على ميلادها، تستعد هذه القطعة للظهور من جديد في مزاد تُقيمه دار مزادات درووت Drouot التاريخية في باريس يوم 24 أكتوبر الجاري، بقيمة تقديرية أولية تصل إلى 9 ملايين دولار أمريكي. إعلان المزاد أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الفنية، ليس لقيمة العمل المالية، بل لما يحمله من رمزية تاريخية مرتبطة بمرحلة عصيبة من حياة بيكاسو ومن تاريخ أوروبا.
اللوحة تكشف عن دورا مار وهي ترتدي قبعة عريضة وفستانًا أخضر داكنًا، وقد انعكس على وجهها مزيج من الصلابة والقلق. ودورا لم تكن مجرد وجه أنثوي يختاره بيكاسو للوحاته، بل كانت مصورة وفنانة سريالية اضطلعت بدور مهم في حياته، وكانت رفيقته الفكرية في فترات باريس الأكثر اضطرابًا.
Drouot
الألوان الصاخبة التي اختارها بيكاسو في اللوحة بدت كأنها محاولة لمواجهة التوتر الذي عاشه، إذ لم يكن إبداعه في تلك الفترة مجرد بحث جمالي، بل وسيلة لمقاومة الخوف والانكسار.
على مدى عقود طويلة، ظلت هذه القطعة الفنية بعيدة عن الأنظار، محفوظة في مجموعة خاصة لم تُعرض للعامة، ما أضفى عليها غموضًا استثنائيًا وأتاح لها أن تحافظ على مكانتها بوصفها سجلاً حيًا لتاريخ بيكاسو الفني في أوقات الحرب.
هذه الندرة في العرض لم تزدها سوى أهمية وقيمة لدى عشاق الفن وجامعي التحف، إذ تنتظر اليوم فرصة لإعادة إحياء حضورها العالمي من خلال المزاد المرتقب.
يُنتظر أن تستقطب اللوحة اهتمامًا عالميًا عند عرضها في المزاد، لا سيما مع وجود شهادة الأصالة الموقعة من بيكاسو نفسه، ما يجعل هذا الحدث فرصة فريدة لإعادة اكتشاف لوحة تتجاوز حدود الإبداع التشكيلي لتكون شاهدًا حيًا على فصل مهم من حياة الفنان الخالد بابلو بيكاسو.