لم ينقضِ على افتتاح مطعم "ذا كالينان" The Cullinan في منتجع جميرا مرسى العرب بدبي سوى أشهر قليلة، لكنّ زيارته تتيح الانغماس في تجربة حسية تتكامل أركانها وأوجهها المتعددة في ما يشبه التأكيد على أن هذه الوجهة ترقى إلى اسمها المستلهم من الألماسة الضخمة الشهيرة.
في الطابق الأول من المنتجع، يستدرجك المطعم المنضوي تحت مظلة مجموعة فود فاند إنترناشيونال - التي تمرّست منذ 14 عامًا على تقديم مفاهيم مُلهمة تركّز على تجربة الضيوف في مختلف المطاعم التي أطلقتها حول العالم – إلى تفاصيل رحلة مؤنسة ينضبط إيقاعها تارة على همس الموج الذي يعبر بك إليه مشهد الإطلالة الممتدة على بحر الخليج وفندق برج العرب الأيقوني، وطورًا على صخب حيوي يفيض عن حركة الطهاة في المطبخ المفتوح.
بل إنك سرعان ما تدرك ألا تفصيل في هذه الواحة، التي تترابط مساحاتها الداخلية والخارجية عبر واجهات زجاجية منزلقة لتذكّر بأسطح اليخوت الفارهة، تُرك للمصادفة، بدايةً من جماليات تصميم قد يبدو باذخًا لكنه مجرّد من الزوائد المتكلفة.
يحمل تصميم المطعم توقيع المعماري الشهير تريستان دو بليسي الذي أبدع في تحقيق تمازج متقن بين طابع عصري جريء ومعالم أناقة كلاسيكية، كرّسته مواد طبيعية مثل الخشب والرخام، ولوحة ألوان مصقولة تناغم بين الأبيض والعنّابي، وإضاءة تنساب رقراقة فوق المجالس التي تتوزّع عبر المساحات الشاسعة وصولاً إلى الركن الداخلي الأقصى لمن ينشدون قدرًا أكبر من الخصوصية. على أن أكثر ما يستثير فضولنا على مستوى التصميم هو المؤثّرات الفنية الحرفية.
فبالتعاون مع دار دي غوراناي الشهيرة بفن الرسم اليدوي على ورق الجدران والأقمشة الفاخرة والآنية الخزفية، توثّقت هوية ذا كالينان من خلال إبداعات فنية مبهرة..
شملت جدارًا بتكوين مذهّب تتوسطه شمس يتناثر وهجها الدافئ فوق الموج وحركة الريح في إشارة رمزية إلى موقع المطعم، وجدرانًا تتزيّن بمطرّزات على شكل أسماك أو بزخارف ذهبية وأشجار نخيل مرسومة يدويًا في إيحاء إلى ثراء المشهد الثقافي في دبي. يشي أيضًا بالإرث المحلي جدار شُكل يدويًا بتفاصيل من الرافيا والخرز المطرّز والعناصر الذهبية، واعتُمد فيه أسلوب "التلي" الحرفي المتوارث عبر أجيال من النساء الإماراتيات، والذي تتداخل فيه تصوّرات رمزية للنخيل واللؤلؤ والشعاب المرجانية.
وإن كانت هذه الجماليات تحوّل أرجاء المطعم إلى ما يشبه معرضًا حيًا للتعبير الفني، فإن المركز الذي يحتله أكبر مطبخ مفتوح في الإمارات يورّطنا في عرض مباشر لإبداعات طهاة يقاربون هم أيضًا خيرات البرّ والبحر بالقدر نفسه من الإتقان الحرفي والتمايز في الابتكار. فكل طبق على قائمة الطعام، التي تحتفي بالتمازج المتقن بين كلاسيكيات المطابخ التي تركّز على لحوم الشواء والتفسيرات الحديثة المبتكرة لفن الطهي، يتجلّى شاهدًا على فلسفة تغلّب الاهتمام الدقيق بالتفاصيل لإمتاع الحواس بالاتساق المتكامل بين المذاقات التي تفيض عن تلاحم مكوّنات عالية الجودة.
هذا ما نختبره بداية في المقبلات التي يتصدّرها طبق Scallop Crudo المكوّن من شرائح إسقلوب يوازن مذاقها الحلو مزيج من منقوع الشاي الأزرق وصلصة المكسّرات وجبن برميجيان وسلطة حمضية وحبيبات من الكافيار.
نختبر أيضًا هذه البراعة التقنية في توليف المذاقات والألوان في أصناف غير تقليدية مثل طبق Venison Tonnato الذي يكشف عن التركيبة الطرية لكن المتماسكة لشرائح لحم الغزال الرقيقة المحمّرة والتي يتعارض مذاقها على نحو مبتكر مع الطعم الحمضي لصلصة الطماطم القشدية والكبّار والفلفل المحمّص وحبيبات البصل المخللة.
The Cullinan
تناغم الألوان والمذاقات في طبق الأخطبوط المشوي الذي تكمله عصيدة من البطاطس بنفسجية اللون.
ولمن يثمّنون تناغم الأضداد، نوصي بطبق الأخطبوط المشوي بحرفية عالية تضمن إنضاجه بموازاة الحفاظ على طراوة لحمه، والذي ترافقه عصيدة من البطاطس بنفسجية اللون، والفلفل الأحمر المحمّص، والبطاطس المقرمشة.
لكن معيار الحُكم في مطعم يندرج ضمن فئة "ستيك هاوس" يبقى للأطباق الرئيسة، وفي مقدمتها اللحوم التي يرشدك خبير متخصص لتختار منها ما يناسب ذائقتك، وإن كانت كلها من الأصناف الأعلى جودة والأشد تميزًا والتي يُؤتى بها من نخبة مزارع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا ونيو إنغلاند الأمريكية. بغض النظر عن شريحة اللحم المختارة، تكشف كل لقمة عن الدقة في أسلوب الشواء وعن مذاق غني لا يمكن للأطباق الجانبية المرافقة أن تخفيه.
The Cullinan
طبق Cannon of Lamb المكوّن من لحم خاصرة العجل، والكسكسي ولفائف أعشاب البحر المحشوة بالهليون وصلصة الطماطم والفلفل.
لا تفوّتوا أيضًا الفرصة لاختبار طبق Cannon of Lamb المكوّن من لحم خاصرة العجل الذي يمنحه فرن جوسبر مظهرًا خارجيًا متفحمًا لا ينتقص من طراوته المعززة بنكهة منقوع الثوم وإكليل الجبل، والذي يترافق مع الكسكسي ولفائف أعشاب البحر المحشوة بالهليون وصلصة الطماطم والفلفل.
The Cullinan
Bottom image: حلوى كرة اليوزو والليمون الحمضية المقرمشة.
أما أولئك الذين لا يستهويهم مذاق اللحوم الحمراء، فتتيح لهم قائمة ذا كالينان خيارات وفيرة مثل رافيولي الكركند، وسمك القد، وريزوتو الطماطم.
فيما نختتم عشاءنا بأصناف من الحلوى التي يصعب تحديد ما إذا كان أشدها إمتاعًا لذائقتنا كعكة الشوكولاته المقدّمة مع المثلجات بطعم الشاي الأخضر الياباني، أو كرة اليوزو والليمون الحمضية المقرمشة، نُجمع على تمايز وجهة تقارب إبهار الحواس من منظور حرفي يغلّب البساطة المتقنة.
