مع الانتعاش الملحوظ الذي يشهده سوق الساعات المستعملة عالميًا، برزت سرقات الساعات الفاخرة بوصفها ظاهرة متصاعدة في أوروبا والعالم، لتحوّل هذه القطع الصغيرة والثمينة إلى هدف مثالي لعصابات منظمة تبحث عن أرباح سريعة.
في يوليو 2025، كشفت عناوين الصحف البريطانية عن الوجه القاتم للمخاطر التي تترصّد مالكي الساعات الفاخرة في المدن الكبرى حول العالم.
فقد نشرت صحيفة ديلي ميرور اللندنية تقريرًا بعنوان: "جريمة قتل بلو ستيفنز: كل ما نعرفه عن الأب الذي طُعن حتى الموت بسبب ساعة رولكس ذهبية" Blue Stevens murder: Everything we know as dad ‘knifed to death over gold Rolex.
وسرد التقرير تفاصيل الجريمة التي أودت بحياة شاب يبلغ من العمر 24 عامًا، وأب لطفلين، بعدما تعرّض لهجوم من لص مسلّح خارج أحد المطاعم في حي نايتسبريدج الراقي وسط لندن.
لطالما شكّلت سرقات الساعات والجواهر تحديًا مزمنًا بالنسبة لأصحاب متاجر الجواهر، غير أنّ السنوات السبع الماضية شهدت تصاعدًا مقلقًا في الجرائم التي تستهدف الأفراد مباشرة، في الشوارع والأحياء الراقية، وأحيانًا في وضح النهار.
تقول كاتيا هيلز، المديرة التنفيذية لمنصة The Watch Register في لندن، وهي منصة إنجليزية تساعد دور المزادات وتجار الساعات الفاخرة المستعملة على التأكد من أن الساعات المتداولة ليست مسروقة، في تصريح لمجلة Robb Report: "بلغت جرائم الساعات ذروتها قبل جائحة كورونا في عام 2019، لكن طبيعة الجرائم آنذاك كانت مختلفة، إذ تمثلت غالبًا في اقتحام المتاجر وتحطيم واجهاتها.
Pexels
أما اليوم، فإن النوع الأكثر انتشارًا هو السطو المباشر على الأفراد في الشوارع. هذه الحوادث كانت تحدث سابقًا أيضًا، لكن ما نشهده الآن هو انفلات كامل وخروج عن السيطرة".
ليست لندن وحدها التي تواجه هذه الموجة المقلقة من سرقات الساعات الفاخرة. فقد برزت برشلونة بدورها كإحدى البؤر الرئيسة لهذه الجرائم عالميًا، إذ يتعرض السياح للاستهداف في قلب المدينة حتى في وضح النهار.
وما يزيد الوضع خطورة هو سرعة انتقال المسروقات بين أيدي اللصوص، الأمر الذي يجعل ملاحقتهم بالغة الصعوبة. وتوضح هيلز: "هناك شبكات من اللصوص يعملون معًا.
يسرق أحدهم الساعة، وخلال ثوانٍ يجري تمريرها إلى شخص آخر يُعرف بالمستلم. وهذا الأخير يتولى بدوره بيعها لشخص ثالث أو إدخالها إلى السوق الثانوية".
وترى هيلز أن السبب الرئيس وراء ارتفاع هذه السرقات يعود إلى الانتعاش القوي لسوق الساعات المستعملة، إذ تُباع العديد من النماذج في الأسواق الثانوية بأسعار تفوق قيمتها الأصلية، ما يجعلها هدفًا مثاليًا.
وتضيف: "من الواضح أن الساعات تمثل هدفًا مثاليًا للسرقة: صغيرة الحجم، سهلة الحمل، عالية القيمة، ويسهل الاستيلاء عليها. والطريقة الوحيدة لتتبعها هي عبر الرقم التسلسلي. بخلاف لوحة فنية مثلًا يمكن تمييزها بصريًا، فإن الساعة يمكن أن يرتديها اللص على معصمه وينقلها إلى الخارج بسهولة لبيعها".
وبحسب بيانات منصة The Watch Register، جاءت رولكس في صدارة العلامات التجارية الأكثر استهدافًا، إذ تمثل وحدها نحو 45% من السرقات المسجلة في قاعدة بياناتها التي تضم نحو 850 علامة تجارية. وتوضح هيلز: "غالبية السرقات تتركز في نماذج رولكس الرياضية، خصوصًا ساعات الرجال، لأنها الأغلى ثمنًا ولأن الرجال هم الأكثر ارتداءً لها.
لكن الأمر لا يقتصر على رولكس، فهناك أيضًا ساعات باتيك فيليب، وأوميغا، وكارتييه. والحقيقة هي أن كارتييه شهدت خلال العام الماضي قفزة ملحوظة، إذ ارتقت من المركز الخامس إلى المركز الثاني في قائمة العلامات الأكثر استهدافًا، وهو ما يعكس ازدهار الطلب أخيرًا على ساعاتها".
وتنصح هيلز عشّاق الساعات بضرورة توخي الحذر لحماية أنفسهم ومقتنياتهم، وعدم استعراض ساعاتهم علنًا في الأماكن العامة، قائلة: "ربما يكون من الأفضل ارتداء أكمام طويلة تغطي المعصم".
وتشدد أيضًا على أهمية تدوين الرقم التسلسلي للساعة كإجراء احترازي أساسي، فتقول:"الغالبية العظمى من السرقات لا تُسجَّل في قواعد البيانات القابلة للتتبع، لأن الضحايا غالبًا لا يحتفظون بالرقم التسلسلي. وإذا لم يكن الرقم مسجلاً، فلن تتمكن مطلقًا من استعادة ساعتك".
كما توصي هيلز بالاحتفاظ بنسخ رقمية من أوراق الساعة الرسمية وصورها، لتسهيل عملية التبليغ في حال تعرضها للفقدان أو السرقة. ففي مثل هذه الحالات، يصبح عامل الوقت بالغ الأهمية. تقول هيلز: "ينبغي الإبلاغ فورًا عن السرقة إلى الشرطة، وشركة التأمين، ومنصتنا. السرعة مهمة للغاية، لأن هذه الساعات غالبًا ما يُعاد بيعها خلال دقائق أو ساعات فقط".
لكن حتى مع اتباع هذه الخطوات، تبقى عملية استرداد الساعات صعبة وبطيئة. فبحسب هيلز، "يمكن أن يستغرق الأمر من بضعة أشهر إلى بضع سنوات من أجل استعادة ساعة واحدة فقط. لدينا مئات القضايا قيد المتابعة".
وفيما تتزايد هذه السرقات في كبرى المدن الأوروبية، يبقى التحدي قائمًا أمام السلطات والمقتنين على حد سواء، في مواجهة عصابات منظمة ترى في الساعات الفاخرة عملة ثمينة، أكثر ربحية وأقل مخاطرة من غيرها من السلع غير المشروعة.