على مدى أكثر من قرن، استقرّ عمل نحتي صغير فوق بيانو خشبي في منزل عائلي وسط فرنسا، محاطًا بصور العائلة وذكرياتها. لم يلفت الانتباه ولم يُثر الشكوك. لم يخطر ببال أحد أن هذه القطعة الرخامية، التي اعتقد أصحابها أنها مجرد نسخة بلا قيمة، تُخفي في طياتها توقيع أحد أعظم النحاتين في التاريخ: أوغست رودان.
هذا العمل، الذي اختفى عن الأنظار منذ عام 1906، عاد إلى الواجهة أخيرًا أواخر عام 2024، حين كُشف عن هويته الحقيقية. يحمل العمل عنوان "اليأس" Le Désespoir، ويُجسّد لحظة تأمل إنساني نادرة اختزنها الرخام لمدة 120 عامًا. وما إن طُرح في مزاد نظّمته دار روياك Rouillac الفرنسية، حتى خطف الأنظار وحقق سعرًا بلغ 984 ألف دولار، ليُتوَّج بوصفه أحد أبرز الاكتشافات الفنية التي خرجت من ظلال النسيان إلى أضواء السوق العالمية.

منحوتة "اليأس"، التي لا يتجاوز ارتفاعها 28.5 سنتيمتر، تُجسّد امرأة تجلس على صخرة، تطوّق ركبتها إلى صدرها وتُمسك قدمها في لحظة انكماش داخلي نابضة بالتعبير. 

وقد صُممت هذه القطعة ما بين عامي 1892 و1893 لتكون جزءًا من العمل الأعظم الذي شغل رودان لسنوات طويلة: "بوابات الجحيم" The Gates of Hell، وهو مشروع نحتي ضخم يضم أكثر من 200 شخصية ومنحوتة، ويُعد من أكثر الأعمال طموحًا في تاريخ النحت الحديث.

روياك يُعيد اكتشاف "اليأس" لأوغست رودان.. منحوتة نادرة تُباع بسعر لافت

AFP

منحوتة "اليأس".. رخام نادر وسحر نادر

تُجسّد منحوتة "اليأس" لحظة نادرة من مسيرة أوغست رودان، تعود إلى إحدى فترات حياته الفنية الأشد توهّجًا، حين كان لا يزال يُشرف بنفسه على أدق تفاصيل أعماله، وكان ذلك قبل أن تتّسع شهرته في بدايات القرن العشرين ويتحوّل إنتاجه إلى وتيرة أكثر غزارة. 

وكما أوضح جيروم لو بلاي، المؤرّخ الفني والمؤسس المشارك للجنة رودان الرسمية Comité Rodin، فإن رودان كان يستعين بفريق من المساعدين لإنجاز المراحل الأولية على الرخام، لكنه كان يحتفظ لنفسه باللمسة الأخيرة، تلك التي تمنح العمل روحًا وتفرّدًا.

وأشار لو بلاي إلى أن المنحوتات الرخامية الأصلية التي نفّذها رودان بيده تُعد نادرة للغاية في السوق، إذ إن الغالبية العظمى منها محفوظة ضمن مقتنيات متحف رودان في باريس أو ضمن مجموعات مؤسسية كبرى حول العالم، على عكس منحوتاته البرونزية التي لا يزال يُعاد إنتاجها بتصريح رسمي من المتحف.

أما لحظة المزاد، فقد وُصفت من قبل منظّميه "بالعاطفية"، إذ اشتعلت قاعة دار روياك بتنافس محتدم بين عدد من المهتمين، قبل أن تُرسى المطرقة على مشترٍ شاب يعمل في القطاع المصرفي على الساحل الغربي للولايات المتحدة، ليصبح بذلك مالكًا جديدًا لتحفة أعادها القدر من الصمت الطويل إلى واجهة تاريخ الفن.