صحيح أن تركيز دور الساعات ينصب في المقام الأول على تطوير طرز تواكب العصر وتحافظ على أصول صناعة ضاربة بعمق في جذور تربة التقاليد الحرفية العريقة، غير أن عددًا قليلاً من الصنّاع فقط يستخرجون ممكّنات هذه التقاليد بكليّتها ويترجمونها إلى ساعات باذخة لا نظير لها.

وقد يعود السبب في ذلك إلى الصعوبات والمتطلبات الكثيرة التي تضع ثقلها على هذه الدور عند اختيارها استعادة بعض الحرف اليدوية النادرة لابتكار ساعات تماثلها في الندرة والتميز. لكن بعض العلامات البارزة تدأب على طرح إصدارات تتمثل فيها التقاليد الحرفية عامًا بعد عام، على ما تشهد هذه الساعات البديعة التي كُشف عنها في عام 2023. 

ساعات الأعمال الفنية

Hermès Arceau Costume de Fête

ترى دار هيرميس في الوقت ساحة خصبة للابتكار، إذ تترجم خصائصه المتأصلة إلى مزايا متفردة تسلط الضوء على نواحٍ غير مستكشفة تستثير في النفس مشاعر البهجة وتفتح الباب على العفوية والترفيه. وقد عمدت العلامة من خلال ساعة Arceau Costume de Fête إلى إبراز قدراتها الحرفية عن طريق محاكاة الوشاح الحريري الذي ابتكره الفنان البولندي يان بايْتليك باستخدام التطعيم بالجلد والترتر اللامع.

صيغت الساعة في علبة من الذهب الوردي بقطر 38 ملليمترًا، تقترن بقرص مرصع بضياء 82 ألماسة، مع ميناء باهر الألوان احتاج إكمال تشكيلاته المستلهمة من الثقافة الشعبية البولندية إلى خبراء متمكنين من أعرق التقنيات الحرفية المعروفة في المجال. تنطبع على هذا الميناء صورة حصان متأهب للانطلاق، ويعود الفضل في ذلك إلى أنامل الحرفيين المهرة الذين كلفتهم هيرميس بنظم الخرزات المتباينة بدقة على القاعدة وحيدة اللون.

بعد إضافة طبقات عديدة من الطلاء، يستخدم الحرفيون تقنية التطعيم بالجلد بقصد إبراز زخارف الحصان، إذ يجري رصّ القطع الجلدية الدقيقة بعضها إلى جانب بعض، ومن ثم يُثبّت الترتر اللامع على ظهر الحصان وقوائمه لإكمال المشهد الطافح بالألوان. فضلاً عن هذا العرض الحرفي الأصيل، زينت هيرميس مكونات آلية الحركة ذاتية التعبئة بتشطيبات أنيقة، كما طبعتها بنمط زخرفي متمايز، وهي توفر إلى ذلك احتياطيًا للطاقة يدوم 50 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 30 مترًا.

شُكلت تفاصيل الحصان على الميناء باستخدام التطعيم بالجلد والترتر وطلاء المينا.

Hermès
شُكلت تفاصيل الحصان على الميناء باستخدام التطعيم بالجلد والترتر وطلاء المينا.

Dior Grand Bal Milly la Nuit

كان المصمم الفرنسي الشهير كريستيان ديور يقول إن فساتين الحفلات ينبغي أن تنقل عاشقات الأناقة إلى عوالم الحلم والخيال، ولذلك دأب الحرفيون في داره على تصميم أزياء فاخرة تتباهى بالخيوط الذهبية والحرير والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى عناصر غير مألوفة مثل أجنحة الخنافس. غير أن شغف ديور لم يتوقف على الأزياء فحسب.

فقد كانت حديقة منزله الريفي مكانًا أثيرًا على قلبه، ومنبع العديد من الابتكارات الحرفية المتمايزة، على ما تشهد ساعة Dior Grand Bal Milly la Nuit. تستوطن هذه الساعة علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ بقطر 36 ملليمترًا، وتقترن بقرص مشغول من الذهب الوردي يتلألأ بضياء 292 ألماسة بالقطع البراق، منتظمة على نمط ندف الثلج. يدعو ميناء الساعة الناظرين إلى التنزه داخل هذه المحاكاة الفخمة للحدائق، إذ تتخذ صفيحة الملاكيت هيئة ظلال تلقيها أوراق الأشجار، في حين يبث الوزن المتأرجح المشغول من الذهب الوردي بريقه في الأرجاء بفضل الأزهار المتقنة المرصعة بالياقوت الأزرق والمتألقة ببريق 46 ألماسة بالقطع البراق.

فضلاً عن المشهد الباذخ الذي يصور الطبيعة في ذروة إشراقها، وضعت ديور الابتكار التقني في خدمة الأناقة من خلال آلية الحركة ذاتية التعبئة التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم نحو 42 ساعة ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 30 مترًا. وتكتمل الساعة بحزام من الساتان الأسود مجهز بمشبك مرصع بالألماس.

يتألق ميناء الساعة ببريق الذهب وضياء الألماس والياقوت فوق صفيحة من الملاكيت.

Dior
يتألق ميناء الساعة ببريق الذهب وضياء الألماس والياقوت فوق صفيحة من الملاكيت.

Parmigiani Fleurier L’Armoriale 

مع أن دار برميجياني فلورييه لم تكمل بعد عقدها الثالث، لكنها تركت بصمة بارزة على صناعة الساعات، خصوصًا بعد أن تولى غويدو تيرينو الإمساك بدفة العلامة. من رحلةٍ زار فيها تيريني مناطق إيطالية مختلفة نبَع الإلهام الذي أخرج ساعة L’Armoriale إلى الوجود، رحلة كان الغرض منها استعادة الشغف الذي بثه ميشيل برميجياني في ابتكارات تحتفي بالتقاليد الحرفية المتفردة التي حذق فيها أصحاب "الأيدي الذهبية".

من هذا المنطلق، تستوطن ساعة الجيب هذه علبة من الذهب الأبيض بقطر 58.2 ملليمتر، مع زخارف يدوية تُحدث تأثيرًا بصريًا متداخلاً بالإضافة إلى نقوش دقيقة على نمط سعف النخل. ويظهر هذا البذخ الزخرفي أيضًا على غطاء العلبة الذي يوثق براعة فانيسا ليتشي، خبيرة الطلاء بالمينا التي تمكنت من محاكاة أرضية قصر بالاتزو تي باستخدام تقنية الإشعال الكبير.

يحاكي غطاء علبة الساعة، المنفذ بتقنية الإشعال الكبير، أرضية قصر بالاتزو تي.

Parmigiani Fleurier
يحاكي غطاء علبة الساعة، المنفذ بتقنية الإشعال الكبير، أرضية قصر بالاتزو تي.


جرى انتقاء التشكيلة اللونية التي تزين الغطاء بعناية كبيرة لضمان أن يُحدث تداخلها انطباعًا قوامه العمق والجاذبية والتناغم. يتواصل الإبداع الفني على الميناء البني الذي يزهو بزخارف مميزة تتخلل العدادات الأربعة المتناسقة على سطحه، والتي تبرز من بينها نافذة عرض أطوار القمر ذات السماء المشغولة من الأفينتورين والأقمار المشغولة من الذهب الأبيض المطروق.

وتحتضن الساعة آلية حركة ذاتية التعبئة يتجسد فيها جوهر صناعة الساعات الفاخرة، إذ إنها معززة بوظيفة الكرونوغراف وتعقيد معيد الدقائق وتعقيد التقويم الدائم. وفي احتضانها لمجمل هذه الوظائف ومختلف الألوان والزخارف، فإنها تعد بحق تحفة فنية جديرة بهواة الجمع.

صيغت الساعة في علبة من الذهب الأبيض تزدان بنقوش دقيقة على نمط سعف النخل.

Parmigiani Fleurier
صيغت الساعة في علبة من الذهب الأبيض تزدان بنقوش دقيقة على نمط سعف النخل.

Jaeger – LeCoultre Reverso Tribute Enamel Hokusai – The Waterfall at Ono

تستلهم الساعة افتتان كاتسوشيكا هوكوساي بالطبيعة ولوحات أوكيو إيه التي أبدعها.

Jaeger – LeCoultre
تستلهم الساعة افتتان كاتسوشيكا هوكوساي بالطبيعة ولوحات أوكيو إيه التي أبدعها.


لا تتوقف جاجيه - لوكوتر عن تقصي مسارات الإبداع الممكنة من خلال النهل من منابع مختلفة، خصوصًا التقاليد الحرفية العريقة والفنون الآسيوية التي باتت من مصادرها المعتمدة. ولأن الدار اختارت احتضان التبادلات الثقافية القائمة بين آسيا وأوروبا، فقد عمدت على مر سنين إلى استلهام العديد من الأعمال الفنية الممهورة بأنامل أشهر المبدعين، مثل الرسام الياباني كاتسوشيكا هوكوساي.

محاكاة متقنة للوحة شلال أونو على الميناء الخلفي للساعة.

Jaeger – LeCoultre
محاكاة متقنة للوحة شلال أونو على الميناء الخلفي للساعة.


يتجسد ذلك تحديدًا في هذه الساعة التي تصوّر الافتتان الشديد بمعالم الطبيعة والذي طغى على مجمل لوحات أوكيو إيه التقليدية التي أبدعتها أنامل هوكوساي بعد ترحال دام عامين عبر جزيرة هونشو. لمحاكاة لوحة شلال أونو على الميناء الخلفي للساعة، استخدم حرفيو جاجيه - لوكوتر تقنية جنيف المميزة التي تحتاج إلى 14 طبقة من طلاء المينا، تُضاف الواحدة منها فوق الأخرى بعد إخضاعها للحرارة على 800 درجة مئوية.

استخدم حرفيو الدار 14 طبقة من طلاء المينا، تُضاف الواحدة منها فوق الأخرى.

Jaeger – LeCoultre
استخدم حرفيو الدار 14 طبقة من طلاء المينا، تُضاف الواحدة منها فوق الأخرى.


على أن استنساخ المشهد الباذخ الألوان بمجمل تفاصيله مثّل تحديًا كبيرًا، خصوصًا تلك الكتابة التوضيحية القابعة في ركن اللوحة الأصلية، وهو ما تحقق من دون المساس بوضوحها. في مقابل هذه اللوحة النضرة، يتخذ الميناء الأمامي هيئة بسيطة، لكن لا تخلو من تعقيد، إذ يتباهى بزخارف غيوشيه على نمط حبوب الشعير، مصقولة بأربع طبقات من طلاء المينا الأخضر شبه الشفاف والمنفّذ بتقنية الإشعال في الفرن. يذكر أن علبة الساعة المشغولة من الذهب الأبيض تحتضن آلية حركة ذاتية التعبئة توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 42 ساعة.

يتباهى الميناء الأمامي بزخارف غيوشيه على نمط حبوب الشعير، مصقولة بأربع طبقات من طلاء المينا.

Jaeger – LeCoultre
يتباهى الميناء الأمامي بزخارف غيوشيه على نمط حبوب الشعير، مصقولة بأربع طبقات من طلاء المينا.

Vacheron Constantin Les Cabinotiers Minute Repeater Tourbillon – Tribute to Art Deco Style

صيغت معالم الميناء باستخدام تقنية التطعيم بالخشب وطلاء المينا المؤطّر بأسلاك معدنية.

Vacheron Constantin
صيغت معالم الميناء باستخدام تقنية التطعيم بالخشب وطلاء المينا المؤطّر بأسلاك معدنية.


بداية من العقد الأول من القرن التاسع عشر، باتت الولايات المتحدة الأمريكية من الوجهات المفضلة التي تحط فيها ساعات فاشرون كونستانتين الرحال. وبحلول القرن العشرين كانت الدار قد رسخت منزلتها بين العائلات النافذة في البلاد.

قطع القشور الخشبية الصغيرة المنحدرة من شجر التوليب والكمثرى.

Vacheron Constantin
قطع القشور الخشبية الصغيرة المنحدرة من شجر التوليب والكمثرى.


تركّز هذا الحضور بدرجة كبيرة في نيويورك، حيث شرعت الناطحات المصممة على طراز الآرت ديكو في الظهور واحدة تلو الأخرى. ومن هذه المباني العملاقة، وخصوصًا مبنى كرايسلر، تستلهم فاشرون كونستانتين ساعة Les Cabinotiers Minute Repeater Tourbillon – Tribute to Art Deco style.

إنشاء الزخارف المتعرجة على القرص باستخدام تقنية النقش الخطي.

Vacheron Constantin
إنشاء الزخارف المتعرجة على القرص باستخدام تقنية النقش الخطي.


صيغت هذه الساعة في علبة من الذهب الوردي بقطر 44 ملليمترًا، وهي تقترن بقرص يحمل زخارف متعرجة جرى إنشاؤها باستخدام تقنية النقش الخطي. لكن ما يتصدّر هذا المشهد الإبداعي المتقن هو الميناء الذي يستحضر الرموز المعمارية لمبنى كرايسلر بسبب استخدام تقنية التطعيم بالخشب وطلاء المينا المؤطّر بأسلاك معدنية.

تستوطن الساعة علبة من الذهب الوردي يميزها ميناء يستحضر الرموز المعمارية لمبنى كرايسلر.

Vacheron Constantin
تستوطن الساعة علبة من الذهب الوردي يميزها ميناء يستحضر الرموز المعمارية لمبنى كرايسلر.


كان على الحرفيين أخذ الحيطة والحذر عند قطع القشور الخشبية الصغيرة المنحدرة من شجر التوليب والكمثرى وصباغتها، ولذلك تستغرق هذه العملية شهرًا كاملاً. وبالإضافة إلى صورة ناطحة السحاب، يحضر الألماس على المؤشرات التي يقل حجمها بالتدريج مع اقترابها من مؤشر الساعة 12.

لكن التمايز الحرفي ليس الجانب الوحيد الذي يتكرس في هذه الساعة، بل الدقة التقنية أيضًا، ممثلة في آلية التوربيون التي تستقر عند مؤشر الساعة 6 وتعقيد معيد الدقائق الذي يدل عليه زر ضاغط مثبت على جانب العلبة. ويذكر أن الساعة تنبض بآلية حركة ذاتية التعبئة توفر احتياطيًا للطاقة يدوم نحو 58 ساعة.