بضربات فرشاة تنبض بهدوء البحر وتقلّبات السماء، يظهر توقيع الفنان كلود مونيه على واحدة من أصفى لوحاته الساحلية: Aux Petites-Dalles (منظر في لي بوتيت دال).
هذا العمل الذي أنجزه عام 1884 على منحدرات نورماندي، بيع أخيرًا مقابل 7.15 مليون دولار في مزاد نظمته دار سوذبيز في لندن مساء 24 يونيو، ليتبوّأ موقعًا جديدًا بين أهم مبيعات الانطباعيين لهذا العام.
تمتد اللوحة الفنية على مساحة 66 × 82.6 سنتيمترًا، وقد نفّذها مونيه بالزيت على القماش بأسلوبه الانطباعي المميز، لتلتقط مشهدًا ساحليًا هادئًا لممر عشبي متعرّج ينساب بين منحدرات نورماندي.
هناك، حيث يلامس الضوء العشب والهواء بشفافية خاطفة، يتحوّل المكان بريشة مونيه إلى مساحة تأملية مشبعة بالحسّ والذاكرة، كأنما يحاول تثبيت لحظة زائلة من سكون الطبيعة في منتصف النهار.
ما بين الذاكرة والمنحدر
خلال صيف 1884، قصد كلود مونيه بلدة لي بوتيت-دال لقضاء عطلة عائلية هادئة، إذ أقام بالقرب من فيلا شقيقه ليون مونيه، على مقربة من المنحدرات الشاهقة التي تميّز الساحل النورماندي.
Sotheby’s
وفي ظلّ هذا المشهد الساحلي الهادئ، أنجز واحدة من أجمل لوحاته، مجسّدًا مشهدًا طبيعيًا مشبعًا بالضوء والسكينة. لم يكن المكان جديدًا عليه، بل امتدادًا لعلاقة طويلة ربطته بساحل نورماندي، تلك الرقعة التي تشكّلت فيها طفولته بين لوهافر وسانت-أدريس، ثم تحوّلت لاحقًا إلى أرض خصبة لصياغة بعض أصفى لحظاته الانطباعية.
في لوحة Aux Petites-Dalles، لم يسعَ مونيه إلى تمثيل المشهد كما هو، بل إلى التقاط ما يتسرّب منه. اللوحة الفنية لا ترصد الجغرافيا بقدر ما تنقل نبضها الخفي عبر ضربات فرشاة واسعة تتنقّل بحرّية على سطح القماش، ولوحة لونية تستحضر رائحة العشب المبلل ودفء المساء، إذ تتداخل درجات الأخضر الزمردي، والقرمزي الدافئ، واللازوردي الطيفي، في تناغم يُبقي العين في حركة دائمة. على أن هذا المشهد، رغم هدوئه، لا يخلو من توتّر داخلي. فالمسارات المتعرّجة لا تقود إلى وجهة، بل تُبقي المُشاهد معلّقًا في لحظة ما قبل الاكتمال. وفي هذا التوتّر تحديدًا تكمن شاعريّة العمل.