ضمن موجة الاهتمام المتجدّد بالفنانات الرائدات في تاريخ الفن الأوروبي، تستعد دار سوذبيز لندن لطرح لوحة نادرة للفنانة الفلمنكية كلارا بيترز في مزاد "لوحات الرسامين القدامى وفنون القرن التاسع عشر"، المزمع إقامته في 2 يوليو المقبل. 

وتُعد هذه اللوحة، التي تنتمي إلى الأسلوب الرمزي لتصوير الطبيعة الصامتة "فانيتاس" Vanitas، واحدة من أبرز الاكتشافات الحديثة، إذ يُعتقد أنها البورتريه الذاتي الوحيد المعروف للفنانة التي شكّلت علامة فارقة في فن الحياة الساكنة خلال القرن السابع عشر. 

وتتميّز اللوحة بتركيب بصري غني بالعناصر الفاخرة والرموز التأملية، ويُعرض إلى جانبها عمل ثانٍ لزهور في إناء زجاجي. وقد حُدّدت القيمة التقديرية للقطعتين بين 1.6 مليون و2.4 مليون دولار، في طرح يُنتظر أن يستقطب اهتمام كبار الجامعين والمتاحف الدولية.

توقيع فني برمزية ذاتية

تُظهر اللوحة شكلًا نسائيًا يمسك قلمًا ذهبيًا، يُرجّح أن يكون أداة للرسم أو الكتابة، في إشارة رمزية تعكس حضورًا ذاتيًا للفنانة كلارا بيترز نفسها. هذا التفصيل، الذي يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، يحمل دلالات متعددة، أبرزها احتمالية أن العمل يُجسّد رسمًا ذاتيًا نادرًا، لا سيما في ظل غياب أي صورة موثّقة للفنانة واعتمادها تقنيات التوقيع غير التقليدية. 

وقد عُرفت بيترز بإدراج اسمها في تفاصيل دقيقة داخل أعمالها، مثل النقوش على مقابض السكاكين أو أطراف الأواني، ما يجعل من هذا القلم الذهبي امتدادًا لأسلوبها الرمزي في إثبات الهوية الفنية.

وإذا ما تجاوزت هذه اللوحة الفنية القيمة التقديرية العليا عند البيع، فإنها ستُعيد كتابة السجل المالي لأعمال بيترز، محطّمة بذلك رقمها القياسي السابق المسجّل في عام 1998، حين بيعت إحدى لوحاتها مقابل 10.1 مليون فرنك فرنسي (أي نحو 1.6 مليون دولار آنذاك)، في مزاد نُظم بفرنسا، قبل التحول إلى العملة الأوروبية الموحدة. 

ومن شأن هذا الإنجاز الجديد، إذا تحقق، أن يعيد تسليط الضوء على مساهمة بيترز في حركة الرسم الفلمنكي في القرن السابع عشر، ويكرّس مكانتها بوصفها واحدة من أوائل النساء اللواتي رسمن مواضيع الحياة الساكنة باحترافية وخصوصية نادرة.

سوذبيز لندن تعرض واحدة من أندر لوحات كلارا بيترز..

Sotheby's

من عمل منسوب إلى عمل أصيل

لا تقتصر أهمية هذه اللوحة على مضمونها الفني فحسب، بل تمتد إلى مسيرتها التاريخية اللافتة. فعند طرحها في مزاد فيليبس لندن عام 1994، وُصفت حينها بأنها "منسوبة إلى" الفنانة، وبيعت مقابل 28 ألف جنيه إسترليني فقط؛ لكن تطورات لاحقة في البحث الفني والتحليل المقارن أعادت تثبيت نسبتها إليها، مدعومة بأوجه تشابه دقيقة مع أعمال أخرى موثقة وموقّعة.

فعلى سبيل المثال، الكأس الذهبية التي تظهر في هذه اللوحة تتطابق بشكل واضح مع نظيرتها في أعمال محفوظة ضمن مجموعات متحف برادو في مدريد، ومتحف شتاتليش كونست هاله في كارلسروه. كما أن تركيبة الزهور داخل الإناء الزجاجي تكاد تُطابق تلك الموجودة في لوحة بيعت في مزاد سوذبيز لندن عام 2018، وهي محفوظة اليوم في معرض الفنون الوطني بواشنطن، ما يعزز من توثيق نسب هذه اللوحة ويدعم قيمتها الفنية والتاريخية في سوق المزادات الدولية.

وعلى الرغم من ندرة المعلومات الدقيقة حول سيرة كلارا بيترز، بما في ذلك تاريخ ولادتها ووفاتها، فإن نحو أربعين عملًا معروفًا يُمثّل السجل البصري المتبقّي لمسيرتها الفنية. ويُرجّح أن بعض هذه الأعمال أُنجزت قبل أن تتجاوز بيترز الثامنة عشرة من عمرها، ما يعكس موهبتها المبكرة وحضورها الاستثنائي في مشهد فني كان يندر فيه حضور النساء.

شهدت بيترز خلال السنوات الأخيرة نهضة نقدية متصاعدة، توّجها متحف برادو Prado في مدريد عام 2016 بتنظيم معرض فردي خاص بها، في سابقة هي الأولى من نوعها لفنانة ضمن تاريخ المتحف العريق. ومنذ ذلك الحين، بدأت أعمالها تُحقق نتائج لافتة في المزاد، من بينها بيع لوحة مقابل 1.5 مليون دولار في مزاد كريستيز نيويورك عام 2022، وأخرى مقابل 698,500 جنيه إسترليني في مزاد سوذبيز لندن عام 2023، ما يعكس الاعتراف المتجدد بقيمتها في عالم الفنون.