تتهيّأ دار سوذبيز لندن لعرض أحد الأعمال الفنية الأكثر إثارة للاهتمام في السوق المعاصر وهي لوحة Portrait of a Dwarf (بورتريه لقزم) للفنان البريطاني الرائد فرانسيس بيكون، في مزاد مرتقب يوم 16 أكتوبر. 

تُقدّر قيمة هذا العمل النادر بنحو 10.9 مليون دولار أمريكي، وهو رقم لا يعكس مكانة بيكون في تاريخ الفن الحديث فحسب، بل يعكس أيضًا الأهمية الرمزية والتاريخية التي تحملها هذه اللوحة الفنية تحديدًا.

العمل، الذي أُنجز عام 1975، ظل بعيدًا عن الأضواء لأكثر من أربعة عقود داخل مجموعة خاصة، ما يضفي عليه هالة من الغموض والندرة.

لكن ما يمنحه ثقله الحقيقي هو ارتباطه بمشروع فني وجودي كان بيكون قد شرع فيه بعد وفاة صديقه المقرب جورج داير عام 1971، إثر حادثة مأساوية تركت أثرًا بالغًا في حياته وأعماله. 

المشروع الأصلي كان تكوينًا مزدوجًا يجمع بين صورة بيكون وداير في لحظة تداخل بصري ونفسي، قبل أن يُعيد بيكون صياغة العمل ويُفكك بنيته إلى جزأين مستقلين، في قرار فني يعكس تحوّله الداخلي وتعامله مع الفقد.

حوار فني بين بيكون وفيلاثكيث

الجزء الذي يجمع بين صورة فرانسيس بيكون وصديقه الراحل جورج داير انتقل مباشرة إلى المؤرخ الفني مايكل بيبيات، في صفقة شخصية تعكس عمق العلاقة الفكرية بين الطرفين، وتُضفي على العمل طابعًا توثيقيًا نادرًا. 

في المقابل، اختار بيكون أن يحتفظ بلوحة "بورتريه لقزم" لنفسه، مقدّمًا إياها في أبرز المعارض بوصفها عملاً يحمل توقيعه الشخصي.

وفي تعليق على أهمية اللوحة، أشار أليكس برانشيك، رئيس قسم الفن الحديث والمعاصر في سوذبيز أوروبا، إلى البُعد الفني العميق الذي يربط هذا العمل بإرث الرسام الإسباني دييغو فيلاثكيث، أحد أعمدة الفن الباروكي في القرن السابع عشر قائلاً: "بيكون، الذي لطالما انجذب إلى أعمال فيلاثكيث، استلهم منه موضوعات الهشاشة الإنسانية والسلطة..

كما تجلّت بوضوح في سلسلة الباباوات التي أعاد صياغتها بأسلوبه التعبيري القاسي والمشحون نفسيًا".

سوذبيز لندن تكشف عن عمل نادر لفرانسيس بيكون "بورتريه لقزم" بقيمة تقديرية تبلغ 10 ملايين دولار

Sotheby's

لوحة تتجاوز الزمن

لم يقتصر هذا التأثير على الباباوات فحسب، بل امتد إلى تصوير الأقزام في بلاط الملك فيليب الرابع، وهو أحد الموضوعات التي تناولها فيلاثكيث بواقعية إنسانية لافتة، كما في لوحة سيباستيان دي مورا المعروضة في متحف برادو بمدريد. 

يستحضر بيكون، في "بورتريه لقزم"، هذه الرمزية التاريخية، لكنه يعيد تقديمها من منظور داخلي أكثر قتامة، إذ تتحول الشخصية إلى تجسيد بصري للعزلة والاضطراب النفسي، في حوار غير مباشر مع أعمال فيلاثكيث.

بهذا التداخل الفني، تكتسب اللوحة قيمة تتجاوز حدود البورتريه، لتصبح عملاً مشحونًا بالرمزية والتاريخ، يعكس قدرة بيكون على إعادة تفسير الموروث البصري الأوروبي بأسلوبه الخاص، ويؤكد مكانته بوصفه أحد الفنانين الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين.

ويكتمل حضور فرانسيس بيكون في المزاد مع عمل آخر يحمل توقيعه المتأخر، وهو لوحة Study for Self-Portrait (دراسة بورتريه ذاتي) التي تعود لعام 1980، وتُقدّر قيمتها بنحو 3.6 مليون دولار أمريكي. 

هذا العمل، رغم بساطته الظاهرية، يُجسّد نظرة بيكون العميقة إلى ذاته في سنواته الأخيرة، ويؤكد أن حضوره الفني ظل متوهجًا حتى اللحظة الأخيرة من مسيرته.