لم يكن قطاع المزادات العالمي بمنأى عن التباطؤ الاقتصادي الذي يخيّم على عام 2025، إذ أظهر تقرير حديث لشركة الأبحاث البريطانية آرت تاكتك ArtTactic تراجعًا في المبيعات بنسبة 6% خلال النصف الأول من العام، لتسجّل ما يقارب 3.98 مليار دولار فقط عبر دور المزادات الثلاث الكبرى: سوذبيز، وكريستيز، وفيليبس.
ويُعد هذا التراجع العام الثالث تواليًا في أداء سوق المزادات العالمية، بانخفاض تراكمي بلغ 44% مقارنة بعام 2022، أي ما يعادل أكثر من 3 مليارات دولار. وبهذا الهبوط، تُسجّل السوق أدنى مستوياتها خلال عقد كامل، باستثناء عام 2020 الذي تأثر بتداعيات جائحة كوفيد-19.
أما فئة الفنون الحديثة والمعاصرة وفنون ما بعد الحرب، التي عادةً ما تكون من أقوى القطاعات في المزاد، فقد تكبّدت انخفاضًا لافتًا بنسبة 19%.
يرجع هذا التراجع، وفق التقرير، إلى تزايد المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، واستمرار معدلات التضخم، واحتدام التوترات الجيوسياسية، ما أدى إلى توخي الحذر من قبل المستثمرين وهواة الجمع. وأضاف التقرير: "من المرجح أن تواجه السوق تحديات في النصف الثاني من العام، في ظل واقع عالمي لا يزال غامض المعالم".
جيل جديد.. وذائقة جديدة
فيما يرى عدد من المحللين أن التراجع في مبيعات المزادات لا يرتبط بعوامل اقتصادية فحسب، بل يعكس أيضًا تحوّلات ديموغرافية وثقافية أعمق، في مقدّمتها تغيّر الذائقة الفنية لدى الأجيال الجديدة.
ففيما كان الجيل الأكبر سنًا يُقبل على اقتناء الأعمال الكلاسيكية والمدارس الفنية التقليدية، يُظهر جيل الألفية والجيل Z اهتمامًا أقل بهذا النوع من الفنون، وقد لا يرغب الورثة الجدد لهذه الأعمال في الحفاظ على مجموعات الفن الخاصة بالأجداد، ما يؤدي إلى طرح العديد من الأعمال الفنية في السوق مع رسوم ضخمة.
في الوقت نفسه، قد يفضل جيل الألفية والجيل Z الأعمال الفنية الرقمية والأنماط الجمالية المعاصرة المختلفة تمامًا عن ذوق آبائهم أو أجدادهم في القرن العشرين. هذا التباين في التفضيلات يُسهم في فتور الإقبال على المزادات التقليدية، ويُعيد تشكيل معايير الطلب في سوق الفن العالمي.
وفي مواجهة هذا التحوّل في الذائقة، تسعى دور المزادات إلى إعادة تشكيل استراتيجياتها، من خلال التوسع في المزادات الرقمية، وتقديم عروض تشمل سلعًا فاخرة بأسعار أكثر تنوعًا.
وتشير بيانات دار كريستيز إلى أن 80% من مزاداتها تجري حاليًا عبر الإنترنت، وأن نحو ثلث المشترين الجدد ينتمون إلى جيل الألفية والجيل Z، ما يدل على تحوّل عميق في هوية جمهور الفن، يشمل الذائقة والوسيط وطريقة التفاعل مع المعروضات.
ورغم التراجع في مبيعات اللوحات الكلاسيكية، إلا أن فئات فاخرة أخرى أظهرت أداءً قويًا. فقد سجلت كريستيز نموًا بنسبة 29% في مبيعات السلع الفاخرة لتصل إلى 468 مليون دولار أمريكي، مدفوعة ببيع ألماسة "ماري تيريز بينك" النادرة. كما أبرمت سوذبيز صفقة بارزة في مايو ببيع ألماسة "ميديتيرانيان بلو" مقابل 21.5 مليون دولار أمريكي.
مفارقة لافتة.. الثروات تتضاعف وسوق الفن يتراجع
من اللافت أن تراجع سوق المزادات لا يرتبط بانخفاض قيمة ثروات الأثرياء، بل العكس تمامًا؛ فقد ارتفعت ثروات الشريحة الأغنى من الأمريكيين على سبيل المثال بنحو 37 تريليون دولار منذ جائحة كورونا، أي ما يعادل زيادة بنسبة 45%، مدفوعة بصعود أسعار الأسهم والعقارات والأعمال الخاصة.
هذا النمو في الثروات كان من المفترض أن ينعكس إيجابًا على سوق الفن، كما جرت العادة تاريخيًا، إذ لطالما ارتبط ارتفاع الثروة بزيادة الإنفاق على اقتناء الأعمال الفنية.
لكن الواقع الحالي يكشف عن مفارقة تستحق التوقف عندها، وفق ما يشير إليه الباحث ويليام غوتسمان من جامعة ييل، الذي يتساءل عمّا إذا كان هذا الانفصال بين ازدهار الثروات وتراجع مبيعات الفن يُنذر بتحوّل أعمق في سلوك الأثرياء، قائلاً: "هل نشهد انحرافًا عن النمط الاجتماعي التقليدي الذي لطالما ربط بين الثراء واقتناء الفن؟ من المبكر الجزم".