لم يكن أداء سوق المزادات العالمية في النصف الأول من عام 2025 مجرد انعكاس للتباطؤ الاقتصادي أو فقدان شهية المقتنين، بل أقرب إلى مشهد يعكس إعادة ترتيب أعمق في أولويات السوق. 

فتقرير منصة أرت نت للاستخبارات Artnet Intelligence Report – Mid-Year Review، الذي يُعد من المراجع الأبرز في تحليل السوق الفني، يقدّم مزيجًا من الأرقام والقراءات التي توضح أن المسألة تتجاوز لغة المبيعات إلى تحوّلات في طبيعة الذوق والطلب.

تراجع في إجمالي المبيعات وقيمة الأعمال

لطالما عُرف سوق المزادات بأنه ساحة تعيد إشعال الثقة وتخطف الأضواء. إلا أن النصف الأول من 2025 كان مختلفًا، إذ لم تُسجَّل أي عملية بيع تتجاوز 50 مليون دولار أمريكي، واقتصر الأمر على قطعتين فقط عبرتا حاجز 40 مليون دولار، مقارنة بأربع قطع في الفترة نفسها من العام الماضي. 

حتى الأعمال التي بدت مرشحة لإحداث صدى كبير لم تنجح في ذلك وأبرزها عمل ألبرتو جياكوميتي Grande tête mince (رأس كبير ونحيف)، الذي طُرح بتقدير 70 مليون دولار ولم يجد مشتريًا في مزاد سوذبيز للفن الحديث. هذا الغياب للصفقات الكبرى ألقى بظلاله على السوق بأكمله، وأعطى انطباعًا بأن زمن الاندفاع وراء الأسعار القياسية قد انحسر.

على أن غياب للصفقات الكبرى لم يكن تفصيلاً عابرًا، بل انعكس مباشرة على الصورة الكلية للسوق الذي سجّل إجمالي المبيعات بنحو 4.7 مليار دولار بين يناير ويونيو، بانخفاض 8.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. 

ورغم أن الرقم يوحي بتراجع، إلا أنه يبدو أكثر اعتدالاً عند مقارنته بالهبوط الحاد بنسبة 28% بين عامي 2023 و2024. تكشف الأرقام كذلك أن التراجع لم يقتصر على عدد القطع، الذي انخفض بنسبة 2.4%، بل شمل متوسط قيمة العمل الواحد، الذي هبط إلى 24,224 دولارًا، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقد، ما يعكس نزعة واضحة نحو الحذر وتراجع الاستعداد للمغامرة بالملايين.

تحول في ذهنية المقتنين

وراء هذه الأرقام تختبئ إشارة أوضح: المشترون اليوم يبحثون عن قيمة أعمق من مجرد توقيع فنان شهير. ثمة ميل متزايد نحو الأعمال التي تحمل سردًا فنيًا أو تاريخيًا، أو تلك التي تجسد لحظة إبداعية نادرة. 

هذا التحول يُظهر أن السوق لا يفقد حيويته، بل يعيد صياغة معاييره. فالمقتني لم يعد يكتفي بالاستثمار في اسم لامع، وإنما يفتش عن القطعة التي تحمل معنى وتاريخًا وتفردًا.

ومع اقتراب موسم الخريف، الذي يُعد عادةً الأشد نشاطًا في المزادات والمعارض الفنية، تزداد التوقعات حول قدرة السوق على استعادة جزء من وهجه. 

لكن الترقب هذه المرة ليس محصورًا في حجم المبيعات وحده، بل في نوعية الأعمال الفنية التي ستُعرض، والقصص التي سترافقها، وكيف سيتجاوب معها جمهور عالمي أكثر انتقائية. قد يكون النصف الأول قد قدّم صورة رمادية، إلا أن الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كان عام 2025 سيسجَّل بوصفه مرحلة انتقالية نحو سوق أكثر وعيًا وعمقًا، أم مجرد حلقة أخرى في سلسلة التراجع.